الأورومتوسطي: سياسات الإغلاق الأوروبية في وجه طالبي اللجوء تقدح في قيم حقوق الإنسان

رام الله - دنيا الوطن
عبّر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن صدمته البالغة إزاء السياسات التي غدت الدول الأوروبية تتبعها على مدار الأشهر الماضية فيما يخص تعاملها مع طالبي اللجوء والمهاجرين المرشحين للوصول إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، معتبراً أن تسجيل حالات قامت فيها دول أوروبية برفض استقبال طالبي اللجوء مع علمها بأنهم سيواجهون ظروفاً مأساوية إذا ما تمت إعادتهم "يمثل سلوكاً يقدح في قيم حقوق الإنسان بصورة مهينة، ويناقض مبادئ المسؤولية الجماعية للدول، وتوصيات إعلان نيويورك بشأن اللاجئين والمهاجرين". 

وشدد المرصد الحقوقي الدولي على أنه وثّق أوضاعاً لا إنسانية يعيشها عشرات الآلاف من المهاجرين وطالبي اللجوء في ليبيا، بما في ذلك أشخاص كانت دول الاتحاد الأوروبي رفضت استقبالهم وتمت إعادتهم إلى ليبيا ومن ثم تعرضوا للتعذيب والمعاملة القاسية والعنف الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب. في الوقت الذي لا يمكن فيه إعادة العديد من هؤلاء إلى بلدانهم التي خرجوا منها بسبب الحروب والنزاعات الداخلية فيها، وهو ما يثير مسؤولية أوروبا التي تنتهك عبر هذه الإجراءات مبادئ "عدم الإعادة القسرية" وتخل بالمادة 33 من اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين والمادة 3 من الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب.

المتحدثة باسم المرصد "سارة بريتشت" أشارت في هذا السياق إلى واقعة سفينة "أكواريوس" نهاية الشهر الفائت، والتي قامت بمهمة إنسانية في البحر المتوسط عبر إنقاذ 58 مهاجرا -معظمهم ليبيين- كانوا على وشك الغرق، ثم مكثت أسبوعاً كاملاً في البحر وهي تحمل هؤلاء المهاجرين بسبب رفض كافة موانئ الدول الأوروبية في حوض المتوسط استقبالهم، إلى أن تم التوافق بين أربع دول أوروبية على توزيعهم فيها، معتبرة ذلك "صورة مخزية في أجلى تعبير عن أزمة القيم التي تعيشها أوروبا، خصوصا أن هذا الحادث تكرر في حوادث مشابهة على مدار الأشهر الثلاثة الماضية".

وكان وزير الداخلية الإيطالي، ماتيو سالفيني، أعلن إغلاق إيطاليا موانئها في وجه السفن أو القوارب التي تنقذ مهاجرين، في وقت ترفض فيه مالطا ومنذ سنوات استقبال سوى الحالات الطبية الطارئة وبشكل استثنائي، كما طالبت إيطاليا الاتحاد الأوروبي بإيجاد موانئ أخرى لاستقبال المهاجرين وطالبي اللجوء عبر المتوسط، فيما تم تجفيف طريق اليونان في وجه اللاجئين بشكل كبير منذ الاتفاق الأوروبي التركي في العام 2016.

وإلى جانب ذلك، أكدت الحكومة الدنماركية قبل أيام أنها لن تستقبل أي لاجئين جدد عبر نظام الكوتا (توزيع الحصص) التابع لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، معتبرة أن أولويتها في المدة القادمة هي التركيز على إدماج اللاجئين الذين تم استقبالهم خلال السنوات الماضية، هذا في الوقت الذي بلغ فيه عدد أولئك الذين تقدموا بطلب حصول على الإقامة في الدنمارك العام الماضي 35 ألف شخص، وهو أقل رقم يتم تسجيله في الدنمارك منذ العام 2008.

وقالت بريتشيت: "كما نرى، من الواضح أن المشكلة هي ليست في الأعداد، فمع أن الدنمارك استطاعت عبر سياستها المتشددة تجاه استقبال طالبي لجوء جدد خفض العدد إلى ما قبل بدء أزمة اللاجئين، ولكنها مع ذلك ترفض فتح الباب مجددا لاستقبال المزيد منهم، فيما تستقبل الدول في مناطق النزاعات ملايين اللاجئين. وهذا إخلال واضح بمبادئ المسؤولية الجماعية التي نادت بها الدول في إعلان نيويورك في العام 2016، والذي من المفترض أن يثمر عن اتفاقية جديدة تبرم هذا العام".

إلى ذلك، طالب المرصد الحقوقي الدولي النمسا ببذل المزيد من الاهتمام والجهود في ملف اللاجئين، معبراً عن أسفه لمأساة خمسة من طالبي اللجوء أقدموا على حرق أنفسهم في أحد مراكز اللجوء النمساوية في 15 سبتمبر/ أيلول الماضي، وذلك احتجاجاً على رفض السلطات النمساوية لطلبات لجوئهم على أراضيها. فيما صرح وزير الداخلية النمساوي "هربرت كيكل" بأن النمسا ستستمر في سياسة رفض استقبال وتوزيع المهاجرين الذين يتم انقاذهم في البحر المتوسط بصورة "اعتباطية" ودون أي رقابة.

وفي سياق متصل، أشار المرصد إلى أن تجميع الآلاف من اللاجئين في المخيمات اليونانية دون تأمين أدنى الخدمات الأساسية التي تضمن لهم كرامتهم يناقض الواجبات القانونية لليونان، مطالباً ببذل المزيد من الخطوات التي من شأنها أن تخفف معاناة طالبي اللجوء، خصوصاً فيما يتعلق بأماكن الإقامة اللائقة، وتأمين الخدمات الصحية والمعيشة.

ونوّهت المتحدثة باسم المرصد إلى أن مخيم "موريا" في جزيرة ليسبوس اليونانية، يستقبل ما يزيد عن 7 آلاف لاجئ غالبيتهم من الفارين من الحرب السورية، ربعهم من الأطفال، فيما إن المركز بُني ليستوعب ثلث هذا العدد، كما أن هناك مئات آخرين يعيشون في خيام خارج المخيم. وبحسب منظمة أطباء بلا حدود، يوجد لكل 70 شخصاً في المخيم دورة مياه واحدة.

وأضافت "بريتشت": "يتجمع في اليونان عشرات الآلاف من اللاجئين معظمهم من بلدان الحروب في الشرق الأوسط، حيث اضطروا للبقاء في اليونان بعد إغلاق دول البلقان حدودها بوجوههم خلال محاولتهم الوصول إلى وسط وغرب أوروبا، وبسبب إجراءات اللجوء البطيئة، ورفض دول الاتحاد الأوروبي إعادة توطين هؤلاء، فإنهم يضطرون للعيش في هذه الخيام لسنوات وبلا أفق".

ويقول أحد اللاجئين في المخيم في شهادة حول الأوضاع الإنسانية: "نحتاج إلى الوقوف في طوابير والانتظار ساعتين إلى ثلاث ساعات من أجل الحصول على وجبة الإفطار أو الغذاء" ويضيف: "بسبب الاكتظاظ والأوضاع النفسية السيئة التي يعيشها الأشخاص هنا، تحدث يومياً حالات شجار واستخدام للعنف، وأحياناً نشهد محاولات للانتحار. أما النساء فإنهن يعشن ظروفاً مأساوية في ظل عدم وجود مياه نظيفة أو مياه دافئة للاستحمام".

ودعا المرصد الأورومتوسطي الدول الأوروبية إلى مراجعة سياساتها في التعامل مع طالبي اللجوء والمهاجرين عبر البحر، وإنهاء هذه السياسة التعسفية التي تنتهجها اتجاه اللاجئين وتقنين سبل الهجرة واللجوء بصورة شرعية لائقة، والعمل على دعم الدول الأوروبية في حوض المتوسط، ولا سيما إيطاليا ومالطا وإسبانيا واليونان، للتعامل مع طلبات اللجوء والبت فيها بالسرعة الممكنة، وتوفير الأوضاع المعيشية الأساسية والمناسبة لطالبي اللجوء خلال فترات الانتظار.