مهاتير محمد نموذجاً

مهاتير محمد نموذجاً
نبض الحياة 

مهاتير محمد نموذجا 

عمر حلمي الغول

حينما يستمع فلسطيني لمسؤول من دولة صديقة أو متضامن أممي، وهو يدافع عن حقوق شعبه، فإنه يشعر السعادة تغمره، وفي ذات الوقت الأسى والحزن يقمطه، الجانب الأول للإعتقاد الراسخ، أننا لسنا في جزيرة معزولة، وان قادة بعض الدول، أو مندوبيها، كمندوبة كوبا في الأمم المتحدة العام الماضي عندما ردت على ممثل دولة إسرائيل الإستعمارية، داني دنون، عندما طلب من المندوبين أن يقفوا دقيقة صمت تضامنا مع الإسرائيليين، ردت عليه المندوبة الشابة بألم وحرقة حتى بكت دفاعا عن الشعب الفلسطيني، وطالبت المندوبين يقفوا دعما للشعب الواقع تحت نير الإحتلال، ويخضع لجرائم الحرب الإسرائيلية، وليس العكس. مثل هذا الموقف يأسر الإنسان بالعاطفة النبيلة والكريمة. وبالمقابل يقف المرأ متحسرا ومتوجعا من مسؤولين عرب يفاخروا بعلاقاتهم مع قادة دولة الإستعمار الإسرائيلية أو مع رئيس الولايات المتحدة ترامب أو غيره، وهم يمتهنون الحقوق والمصالح الوطنية والقومية وخاصة في فلسطين المنكوبة. 

مفارقات ليست غريبة، ولا هي إستثناء في السياسة الرسمية العربية منذ نشأ النظام الرسمي العربي في عشرينيات وأربعينيات ومطلع الخمسينيات من القرن الماضي، ومازال ذات السلوك ناظما راهنا لبعض الزعماء العرب. وتزداد الحالة البائسة بؤسا وبشاعة كلما إنحدر واقع الحال العربي، وتعمقت التبعية الرسمية للولايات المتحدة، ومع ركض الحكام العرب في متاهة التطبيع مع إسرائيل المارقة.  

ويبدو ان عالم المفارقات لا ينتهي في مأساوية قضيتنا، فقبل ايام وقف مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا على المنبر في الجمعية العامة في دورتها ال73، وتوجه للزعماء والمندوبين والوفود المشاركة بالحديث حول القضية الفلسطينية وجذورها التاريخية، وقال مشكلة الفلسطينيين ليست حديثة، انما هي تمتد للعام 1948، عندما تم طردهم من بلادهم، وسيطرت إسرائيل عليها، وحرمتهم من العودة إلى ديارهم واراضيهم، التي أقامت عليها المستوطنات الإستعمارية. كما وجه إصبع الإتهام لدولة التطهير العرقي الإسرائيلية، التي تستخدم الصواريخ والمدافع والقنابل ضد الأبرياء العزل، وضد المستشفيات والمدارس والمؤسسات، مع ان الفلسطينيين إستخدموا الحجارة للدفاع عن مصالحهم، وحتى عندما أطلق بعضهم ما يسمى صواريخ، فإنها لم تؤذ أحدا، لإنها ليست ذات شأن، وكأنه أراد القول، هي بمعنى أدق الإسم الحركي للصواريخ، ولا تمت بصلة للصواريخ. 

وتابع رئيس الوزراء الماليزي الأكبر سنا بين زعما العالم (93) عاما، غامزا من قناة الرئيس دونالد ترامب، الذي إعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، مؤكد ان تلك السياسات العبثية وغير المسؤولة ضاعفت من الإحباط في صفوف الفلسطينيين، وطالب العالم بإنصاف الشعب الفلسطيني، ودعم حقوقه الوطنية عبر منحه الإستقلال والحرية والعودة وتقرير المصير. 

كلمة الرئيس مهاتير حازت على إرتياح كبير في صفوف الشعب العربي الفلسطيني بمختلف تجمعاته وتلاوينه ومشاربه السياسية والفكرية والعقائدية، لإنه عبر عن مشاعرهم الوطنية، وحاكى العالم بلغة العقل كمدافع عن العدالة النسبية، وأكد مرة تلو المرة رفضه لكل اشكال الإرهاب. ولكنه طالب الغرب وخاصة اميركا دون ان يسميهم، بأن يضعوا الإصبع على الجرح، ويقروا بوجود الإرهاب الإسرائيلي، الذي يستبيح الفلسطينيين الأبرياء ومصالحهم وحقوقهم الوطنية، ليس هذا فحسب، بل طالبهم بوقف كل اشكال الإرهاب.

مهاتير محمد قامة ماليزية قومية متميزة، وأيضا قامة عالمية ذات مكانة رفيعة تحظى بالإحترام الكبير، اسهم بشكل رائع في رفع مكانة بلاده بين الأمم. وعاد مجددا للسياسة (مايو/ ايار 2018) بعد إعتزاله لها لتخليص بلاده من الفساد المستشري قبل وصوله مجددا لسدة الحكم. هذا الرجل المميز، والحكيم والمبدع يستحق كل الثناء والتكريم والتقدير من القيادة والشعب العربي الفلسطيني. وإنني أتوجه لبعض الوزارات ورؤساء البلديات للإتفاق على إطلاق إسمه على مؤسسة فلسطينية او مدرسة أو شارعا لتخليد ذكراه وهو حي وفاءا لموقفه الشجاع في الأمم المتحدة. فهل تلتقط الجهات الحكومية والبلدية الحدث وتوليه الأهمية، التي يستحق؟ آمل ذلك.

ملاحظة : فاتني أمس أن الفت الإنتباة إلى أنه سقط سهوا في مقالتي قبل يومين بعنوان "علاقة الإخوان في الوطن" عندما اشرت لموضوع فرض الوصاية على النظام الناصري، ان المرشد الثالث، التلمساني هو من طلب ذلك، والحقيقة ان المرشد الثاني، الهضيبي، هو من طلب من الرئيس عبد الناصر قبل إصدار قرارات مجلس الثورة، تحويلها لمكتب الإرشاد لمراجعتها والتدقيق فيها، وهو ما رفضه الزعيم الراحل ابو خالد. وشكرا لكم.   

[email protected]

[email protected]    

التعليقات