نعـــم لســــــلاح شرعــــــي واحـــــد

نعـــم لســــــلاح شرعــــــي واحـــــد
نعـــم لســــــلاح شرعــــــي واحـــــد

 د. وليد القططي

في خطاب السيد محمود عباس الأخير أمام الجمعيــــــة العامة للأمم المتحدة، أكد «استعداد السلطة لتحمـــّلَ المسؤولية الكاملة في قطاع غزة، بعد تمكينها من ممارسة صلاحياتها كاملة في إطار النظام السياسي الفلسطيني الواحد، والسلطة الشرعية الواحدة، والقانون الواحد، والسلاح الشرعي الواحد». كل ما سبـــق الحديث عن الســـــلاح، يدخُل في الكــلام المُباح، ويُمكن تجاوز الجدال حول مفهوم التمكين، الذي هو حق الحكومة على المواطنين، وتخطي السجـــال الموجود، حول ماهيـــة النظــــام السياسي المنشود، ونقفز على عدم الاتفاق على مصدر الشرعية الدستورية، وغياب الوفاق على منبع الشرعـــية الثورية... لنصــل إلى (السلاح الشرعي الواحد) الذي طالمــا صدّعــــت جماعــــة أوسلـو رؤوسنا به، وطالبوا بتوحيد السلاح الفلسطيني تحت خيمة السلطة ومظلة الشرعية، والذي ما انفك فريق السلطة يُطالب بنزع سلاح المقاومة؛ لإفساح المجال لسلاح السلطة ليكون السلاح الشرعي الوحيد.
 
نفهم سعي العدو الصهيونــي لنزع سلاح المقاومــــــــــة، ونستوعب تحريض قادة العدو على سلاح المقاومة واتهامها بالإرهاب في المحافل الدولية؛ لكن لا نفهم سعي أي طرف فلسطيني لنزع سلاح المقاومة، ولا نستوعب تحريض رأس النظام السياسي الفلسطيني على سلاح المقاومة واتهامــــــه بأنه ميليشيــات في المحافـــل الدوليـــة، لاسيما إن كان ذلك التحريض في الجمعية العامة للأمم المتحدة- أهم محفل دولي- وكان الأولى به أن يُطالب بنــــزع سلاح المستوطنين في الضفة الغربية، ولو كان الحديث عن الســــــــلاح الشرعي الواحد، وشرعيـــة سلاح السلطة أمام سلاح الفلتان الأمني، والطوش العائلية، والإرهاب التكفيري، والعربدة اللصوصيـــــــة... فلا شك في شرعيته؛ أما إن كان المقصود بالسلاح الشرعي الواحد وشرعية سلاح السلطة أمام سلاح المقاومـــــة، فهناك شك في هذه الشرعية يقتضي تبديد الشك باليقين، ومحو الظن بالتثبت، وإزالة الوهم بالحقيقة.
 
مفهوم الشرعية يعني إضفاء الصفة القانونية على شيءٍ ما، بمعنــى المرجعيـــــة القانونية التي يستند إليها ذلك الشيء، فالسلاح يكتسب شرعيته أو عدم شرعيته من الجهة التي تمسك به وتستخدمه، فإن كانـت تلك الجهة لها شرعية قانونية كحكومة منتخبة أو شرعية ثورية كمجلس ثوري، وأهدافها عادلة كفرض الأمن والاستقــــــــــرار، أو طرد المُحتل من الوطن، ووسائلها أخلاقية تلتزم بالمواثيق الإنسانية والدولية فلا تقتل الأبرياء وترتكـــــــب المذابح، ويكون السلاح غير شرعي إن كان غير ذلك، كالسلاح الذي بيد حكومة غير شرعية من صُنع الاحتلال، أو طغمة حاكمــــــــــة مستبدة، أو عصابة إجرامية، أو جماعة إرهابية. ويكون سلاح غير شرعي كذلك إن كانت الجماعة التي تمســـــك به تسعى لتحقيق أهداف غير عادلة، كفــــــرض الإتاوات على النـــــاس، أو تثبيت الاحتلال وكانت وسائلها غير أخلاقية، كقتل الأبرياء وارتكاب المذابح.
 
وفق المفهوم السابق للشرعية‘ فإن سلاح المقاومة اكتسب شرعيته من وجود المُحتل نفســـــه على الأرض الفلسطينية، والحق في مقاومة الاحتلال، وطرد المُحتل من الأرض المحتلة، كحق طبيعـــــــي وإنساني وديني ووطني؛ إستناداً إلى حقين طبيعيين للشعوب كفلتها كل المواثيق الدولية، وهما: حق الدفاع عن النفس، وحـــــــق تقرير المصير، وهما حقان طبيعيان للإنسان- فرداً أو جماعة- يكتسبهما لمجرد كونه إنساناً، ولا يوجد سلطة يُمكنها نزعهما منه لأنهما من مقومات الإنسانية نفسها، سواء أقرهما القانون أو أنكرهما، وسواء وافقت عليها السلطة الموجودة أم رفضتهما. ولذلك أيدت حق المقاومة كل المواثيق الدولية وأهمها اتفاقيتا لاهاي (1899 – 1907) التي أعطتا المواطنيــــــن الذين يحملون السلاح لقتال المُحتل صفة المحاربين النظاميين الشرعيين، وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة العديــــدة، وأهمها قرار رقم (3103) لسنة 1973م الذي ينص على حق الشعــــوب في النضال في سبيل تقرير المصير، وأقر بالمشروعية الدولية للكفاح المسلح من أجل التحرير الوطني، وحق الشعوب الخاضعــة للاحتلال في التحرر من الاحتلال والنضال بمختلف الوسائل بما فيها الكفاح المسلح.
 
نختم بالقول الفصل في موضوع السلاح الشرعي الواحد ، إن كان المقصود به سلاح السلطة، كســـــــلاح شرعي هدفه فرض الأمن والاستقرار في المجتمع، وكنقيض لسلاح الخارجين على القانون، بمختلــــــف فئاتهم: عصابات إجرامية، وجماعات إرهابية، وعائلات مُشاكسة، وزعران الحارات، وثوار مزيفون... وغيرهـــــــم. وهذا السلاح لا تناقض بينه وبين سلاح المقاومة، كسلاح شرعي هدفه تحرير الوطن والدفاع عن الشعــــــب، وكنقيض لسلاح جيـــــــش الاحتـلال وعصابات المستوطنين، ويُمكن تنظيم العلاقة بين شرعيتي سلاحي السلطة والمقاومة، أما إذا أراد طـــــرفٌ، الإصرار على التناقض بين السلاحين، فلنرجع إلى الأصل في مرحلة التحـــــرر الوطني وهو سلاح المقاومة، ليكون هو السلاح الشرعي الوحيد، فنعم لسلاح شرعي واحد هو سلاح المقاومة.

التعليقات