لا لحلف بغداد الجديد

لا لحلف بغداد الجديد
نبض الحياة 

لا لحلف بغداد الجديد

عمر حلمي الغول 

نشطت في السنوات الثلاث الأخيرة فكرة بناء وتاسيس منظومة أحلاف سياسية وسياسية عسكرية داخل حدود النظام الرسمي العربي، فبدءا من فكرة الرئيس السيسي عام 2015 إقامة "قوات عربية مشتركة" لحماية الأمن القومي، ثم  إنشاء السعودية التحالف الإسلامي نهايدة 2015، وقبل ذلك إقامة التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن في مارس 2015. لكن اي من هذة التحالفات لم يحالفه الحظ، رغم بقاء بعضها شكليا حتى اللحظة. 

نتيجة شعور بعض الدول المؤثرة في المعادلة العربية بعدم بلوغ ما تصبو إليه لإنشاء تحالف يحمل معها ثقل المسؤوليات الخاصة والعامة، أخذت في الحديث عن بناء تحالف أوسع ويستند إلى قطب دولي منذ عام ولادة الأحلاف المذكورة سابقا، لكن لم تجد آذاناً صاغية في واشنطن آنذاك، وزاد الأمر إرباكا بعد إبرام إتفاق 5+1 الدولي مع إيران، مما ضاعف من تعقيد الأمور. 

غير ان الفرصة باتت سانحة مع وصول الرئيس ترامب لسدة الحكم مطلع عام 2017، وتعاظمت شروط تحقيق بناء حلف جديد، أطلق عليه "حلف الناتو العربي"، أو حسب التسمية الأميركية "التحالف الإستراتيجي للشرق الأوسط" (MESA) مع وصول الرئيس دونالد ترامب للسعودية في مايو/ ايار 2017، وعقده ثلاث قمم مع الدولة المضيفة، ومع دول مجلس التعاون الخليجي، ومع الدول الإسلامية ال57، حيث أنضجت تلك القمم البيئة المناسبة لإقامة حلف بغداد الجديد. 

ومما ساهم في إنضاج الظروف لولادة الحلف الجديد: اولا التوافق العربي الرسمي بشكل عام على ان الخطر الأساسي على الأمن القومي العربي يتمثل في إيران؛ ثانيا تسريع عمليات التطبيع والتوقيع على إتفاقات ومعاهدات غير معلنة مع دولة الإستعمار الإسرائيلية؛ ثالثا بالتلازم مع ثانيا الإتفاق عمليا على عدم أولوية ومركزية القضية الفلسطينية، والتوافق مع الولايات المتحدة على حل المسألة الفلسطينية "وفق ما تراه هي مناسبا"، وإعتمادها في البداية ما يسمى صفقة القرن الترامبية، ثم تراجعها عنها مؤقتا، لإنها لم تستطع تجاوز قيادة منظمة التحرير؛ رابعا حاجة العرب كما ذكرت لحليف دولي يشكل رافعة لها تمثل في الولايات المتحدة. 

هذة العوامل توافقت مع المصالح الأميركية والإسرائيلية، من حيث انها، أولا حققت لإسرائيل ما تحلم به منذ  نشوئها في تغييب مكانة القضية الفلسطينية؛ ثانيا تطبيع العلاقات مع الدول العربية على كل الصعد والمستويات؛ ثالثا ضرب وتقزيم دور إيران الإقليمي لصالح إسرائيل، وفي السياق إستهداف القطب الإقليمي التركي ايضا؛ رابعا تهيئة الشروط لإقامة مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير بزعامة إسرائيل؛ خامسا نهب ثروات العرب المالية والإقتصادية، وإستلاب حريتهم وإستقلالهم وفق مبدأ ومقولة ترامب الأساسية "اميركا أولا"، وتدفيع حلفائها فاتورة خدماتها وحمايتها لهم؛ سادسا إستخدام الدول العربية وإمكانياتها وطاقاتها المختلفة في خدمة المشاريع والمخططات الأميركية الإسرائيلية لمجابهة إعدائها. لا سيما وان العالم يعيش في الظروف الراهنة مخاض التغيير، وإعادة هيكلته وتركيبه؛ سابعا الإستعاضة عن التحالفات القائمة العربية والإقليمية وحتى الدولية من خلال إنشاء التحالف الجديد، حيث نلاحظ ان إدارة ترامب تعمل على تفكيك وإعادة تركيب تحالفاتها بما يخدم مقولة "أميركا أولا". 

وحسب صحيفة "ذا ناشونال" الإماراتية، التي تصدر باللغة الإنكليزية يوم الخميس الماضي (27/9/2018) فإن تيم ليندر كينغ، مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الخليج " تواجد طيلة الأسابيع الثلاثة الأولى من شهر سبتمبر الماضي في المنطقة لبلورة الصيغة النهائية لإقامة الحلف العربي الأميركي، والتحضير للقمة، التي ستعقد في 12و13/إكتوبر الحالي. كما ان بومبيو، وزير خارجية أميركا عقد يوم الجمعة الموافق 28/9/2018 إجتماعا مع وزراء خارجية الدول الثمانية (دول الخليج الست ومصر والأردن) على هامش إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة لذات الغرض. 

ومن المتوقع ان يكون الإعلان عن الحلف المشؤوم مطلع العام القادم. وهو حلف لا يخدم بحال من الأحوال الأمن القومي العربي، لا بل يهدده، ويخدم مصالح الأعداء جميعا: أميركا وإسرائيل وإيران ومن في مقامهم، ويمهد الطريق لإعادة صياغة خارطة المنطقة، وتمزيق وحدة الدول العربية. وعليه إن كانت الدول العربية تعي مصالحها الوطنية والقومية، فإنه يتوجب عليها وقف الإتصالات بشأن الحلف، والتخلي عن فكرته كليا، خاصة وأن ملامح فشله قائمة وموجودة في مكوناته ومركباته، والأهداف المتضاربة للدول المشاركة فيه.

[email protected]

[email protected]    

التعليقات