لا تنتظروا العاصفة

لا تنتظروا العاصفة
نبض الحياة 

 لا تنتظروا العاصفة 

عمر حلمي الغول 

حدث إسقاط الطائرة الروسية "إيل 20" يوم الإثنين الماضي، وقتل خمسة عشر ضابطا روسيا من ذوي الكفاءة على متنها بسبب قيام الطائرات الحربية الإسرائيلية بقصف أحد المجمعات العلمية السورية في مدينة اللاذقية، حدث كبير، وليس بسيطا في الحسابات الروسية، ولا في حسابات الدول العظمى. غير ان الدب الروسي مازال يتحرك ببطىء شديد كعادته، حتى ردة الفعل الأولية جاءت متأخرة نسبيا، حيث إنتظر القادة الروس أكثر من إثني عشر ساعة لبينما أصدروا اول بيان لهم حول الحادث المؤلم بالنسبة لهم، حملوا فيه إسرائيل مسؤولية إسقاط الطائرة الخاصة. تلا ذلك حراك روسي مع الإسرائيليين، دشنه وزير الدفاع الروسي بالإتصال مع نظيره الإسرائيلي ومع وزير الخارجية، كما جرى إتصال بين بوتين ونتنياهو. فضلا عن إرسال إسرائيل عميكام نوركين، قائد سلاح الجو أول أمس (الخميس) حاملا معه الوثائق ذات الشأن بما حصل للتخفيف من ردة الفعل الروسية.

وكان الرئيس الروسي يوم الثلاثاء الماضي صرح محاولا ضبط إيقاع ردود الأفعال في الأوساط الروسية، عندما قال: " إن سلسلة ظروف مأساوية إجتمعت، وأدت لسقوط الطائرة." اضف إلى شعور بوتين بمسؤوليته الشخصية، ومسؤولية حكومته ووزارة دفاعه عن الجريمة الإسرائيلية، لإن السياسة المنتهجة مع دولة الإستعمار الإسرائيلية، سمحت لها بإستباحة الأجواء السورية، وقصف اية أهداف ترتأيها مناسبة دون وازع أمني أو سياسي أو قانوني، وحتى دون منح الروس فاصل زمني عند تنفيذ جرائمهم الحربية لحماية مواقعهم. الأمر الذي اتاح للقادة الإسرائيليين التصرف بحرية ودون اية ضوابط. 

صحيح ان المعادلة الروسية في سوريا معقدة، وتحتاج إلى التشبيك مع كل الأطراف الدولية والإقليمية لتحقيق هدف السيطرة على حصتها في الإقليم من عملية تقاسم النفوذ، مما دفع القيادة الروسية لعقد مجموعة من الإتفاقات مع الأقطاب العالمية وخاصة ألولايات المتحدة،  ودول الإتحاد الأوروبي والصين، وفي الإقليم مع تركيا وإيران وإسرائيل، والتنسيق بهذا القدر أو ذاك مع مصر والسعودية ودول الخليج. وأيضا لإطلاق يدها في سوريا لمحاربة الجماعات التكفيرية للدفاع عن أمنها القومي. لا سيما وأن تلك الجماعات تهدد المصالح الروسية سابقا وحاضرا ومستقبلا، ومن يعود لتجربة تنظيم القاعدة في أفغانستان، يدرك الحرص الروسي على مواجهة تلك الجماعات. كما ان نجاح السيطرة الروسية على بلاد الشام، يعزز من مكانتها على أكثر من مستوى وصعيد، ويضعف نسبيا من مكانة خصومها الدوليين.

هذة العملية أملت على القيصر الروسي ومرؤوسيه طمأنة الدول المختلفة وخاصة إسرائيل، وأطلقت يدها في إستباحة سوريا بإستثناء قاعدة حميميم والمواقع والأسلحة الروسية الخاصة، ولإقناع نتنياهو وإئتلافه الحاكم بأن أمنهم، هو مصلحة روسية، كما اشار السفير الروسي في إسرائيل سابقا، عندما قال " لن نسمح لا لإيران ولا لغيرها تهديد أمن إسرائيل، وأمنها مصلحة روسية"!؟ لكن الحسابات الروسية لم تكن دقيقة، وعلى ما يبدو لم يتعلم الروس من تجربتهم التاريخية مع مملكة الخزر اليهودية ما بين القرنين التاسع والثالث عشر الميلاديان، ولا تجربتهم معهم (اليهود الصهاينة) زمن روسيا القيصرية في القرن التاسع عشر، ولا حتى عشية الثورة البلشفية ودورهم الإنفصالي في حزب العمل الإشتراكي الديمقراطي، عندما أسسوا حزب البوند، واصروا على الإنفصال ورفض الوحدة والإندماج ... إلخ مما أوقعهم في سوء تقديراتهم الخاطئة. 

في ضوء ردود الفعل الروسية الهادئة نسبيا، رغم السخط والغليان الداخلي في أوساطهم، فإن العلاقات الإسرائيلية الروسية ستبقى على حالها، وإن حدث تطور سلبي ما، فلن يكون عاصفا، لإن الرئيس بوتين وفريقه الحاكم سيعمل وفق معادلة الإسفنجة لإمتصاص حالة الإحتقان والتوتر في الأوساط الرسمية الروسية. ولإن روسيا أيضا تريد ان تقطع الطريق على إدارة ترامب، التي يعتقد الروس ان لها ضلعا فيما ذهبت إليه إسرائيل لضرب روح التفاهم والإتفاق الثلاثي: الروسي، التركي والإيراني، الذي تم الإسبوع الماضي. 

وللموضوع بقية، ويحتاج إلى تعمق أكثر في الجوانب الأخرى.

[email protected]

[email protected]   

التعليقات