المقاهي!

المقاهي!
المقاهي !

خالد عيسى 

ثرثرة المدن حين تنفث دخان ضجرها ، وبلاهة الأماكن حين تصغي بلا اكتراث الى حكايات روّادها ، وضيق صدر المدن من ازدحام مدنها ، وصالونات المدن حين تستقبل بتهذيب " كرسون " ضيوفها ، ودهشة الغريب تلتقط أنفاسها على رصيف مقاعدها !

صحوت هذا الصباح ؛ وأنا مكتظ بحمولة الذاكرة من مقاهي المدن التي وزّعتُ تشردي على مقاعدها ، وتركتُ على طاولاتها حكايات لم تكتمل ، وخيبات مسحها كرسون أنيق عن طاولة صماء لا تتقن الاصغاء الى ثرثرة روّادها !

كم من المقاهي فيك أيّها الفلسطيني قبل أن تسند وقار شيخوختك مؤخرا على جدار مدجج بصور الشهداء في " مقهى رام الله " ؟!

كنت أحدّق في غفوة حسن البطل يمارس قيلولته على مقعد في مقهى رام الله ، ويسيل من ذاكرتي حفنة من مقاهي وزّعنا عليها شتاتنا الفلسطيني المزمن من دمشق ، بيروت ، قبرص ، تونس الى رام الله !

من مقهى " ام نبيل " بالفكهاني في بيروت الى مقهى " ابو الياس " في رام الله كنت أتفرج على " انتصار " صديقي بالمنفى قيس قدري على صديقي في الوطن عرفات الديك في لعبة النرد " تقرقع " أحجارها في رأسي ، وأراقب من خلف الزجاج ما تيسر لي من رام الله في شارع ركب ، وتقفز مقاهي المدن المستعملة من حولي ، وعبثا أحاول في فوضى مقهى رام الله ترتيب هذه المقاهي حسب الترتيب الابجدي للشتات الفلسطيني ، ويحسم هذه المحاولة البائسة حفيدي الذي يدخل المقهى ، وتكسر شقاوته منفضة سجائر في مقهى رام الله .. وأقول بعدها لابي الياس : باسم فلسطيني الشتات نعتذر عن كسر منفضة سجائر بالوطن !

وأصحو في هذا الصباح الاسكندنافي لكي أعيد المحاولة من جديد في ترتيب المقاهي التي تزدحم بي قبل مقهى رام الله ، ومثل الذي يغلط بالعد يحاول العد من جديد !

واشرب النسكافية هذا الصباح وتتناثر حولي مجموعة من المقاهي ولا كرسون انيق يمسحها من ذاكرتي !

التعليقات