أوسعنا أوسلو شتماً.. وماذا بعد؟!

أوسعنا أوسلو شتماً.. وماذا بعد؟!
أوسعنا أوسلو شتماً.. وماذا بعد؟!

بقلم د. وليد القططي

في كتاب (العرب ظاهرة صوتية)، للمفكر السعودي المُثير للجدل (عبدالله القصيمي)، بأسلوب

 نقدي صارخ، ولهجة تهكمية سافرة، ينتقد الأمة العربية مُحذّراً من تغليبها القول على الفعل، والصراخ على العمل، والضجيج على الكدح، وفي ذلك المعنى يقول:"إن العربي ليرفض الصعود إلى الشمس ممتلكاً لها إن كان ذلك بصمت؛ ليختار التحدّث بصراخ ومباهاة عن صعوده إلى القمر وامتلاكه له أي بلا صعود ولا امتلاك. إن العرب ليظلون يتحدثون بضجيج وادعاء عن أمجادهم وانتصاراتهم الخطابية حتى ليذهبون يحسبون أن ما قالوه قد فعلوه، وأنه لم يبق شيءٌ عظيم أو جيد لم يفعلوه لكي يفعلوه... أليسوا قد قالوا ذلك لكي يعتقدوا أنهم قد فعلوه؟ أليسوا قد قالوه ليكون بديلاً عما يفعلوه؟!". وهذا الوصف للعرب رغم قسوته إلى أنه صواب على الأقل في أزمنة الهزيمة والانكسار، ومراحل الخيبة والاندحار، وعهود الأزمة واستحكام العار. 

ولمّا كُنّا ولا زلنا- نحن العرب- نعيش في زمننا الرديء، ووقتنا الدنيء، وعهدنا القميء، فوصف عبدالله القميصي لنا بالظاهرة الصوتية لا يبنغي أن يزعجنا أو يغضبنا، وجيد لو استفزنا واقلقنا، بل يجب أن يوقظنا لنفيق من غفلتنا، وينبهنا لننهض من كبوتنا، ويصدمنا لنُعدّل طريقة تفكيرنا. وإن لم نفعل ذلك سنظل أبد الدهر في ذيل الأمم، وسنبقى على مدار الزمن في مؤخرة القافلة البشرية. وإن المراقب والمتأمل لمؤتمراتنا الخطابية، وخاصة السياسية منها، في المناسبات المختلفة وإحياء للذكريات السنوية، الوطنية وغير الوطنية، السعيدة والتعيسة، ليُلاحظ بنفسه مدى تغلغل الظاهرة الصوتية فيها، والدليل على ذلك أن معظم هذه المؤتمرات، إن لم يُكن كلها تنتهي ببيان ختامي ينتهي مفعولة مع نهاية نطق آخر كلمة في البيان دون أن يتعداه إلى برامج عملية يتم متابعتها والعمل بها، وينتهي أثره مع نهاية آخر شخص يخرج من قاعة المؤتمر. 

وفي هذا السياق مرت علينا مؤخراً ذكرى مرور ربع قرن على توقيع اتفاقية أوسلو، فنشطت القوى والفصائل والشخصيات المعارضة لاتفاقية أوسلو في إلقاء الخطب وكتابه المقالات وعقد الندوات، التي تناولت جميعها اتفاقية أوسلو وتبعاتها السيئة ونتائجها السلبية، وفي إحدى هذه المؤتمرات برع الخطباء في ذكر مساوئ اتفاقية أوسلو، وإحصاء سلبياتها، وتعداد عيوبها- وهي كثيرة-، وما قاله المتحدثون في ذم أوسلو- وهم صادقون- فاق ما قاله مالك في ذم الخمر، وتُقدّم على قصائد الهجاء الموجودة في شعر النقائض لجرير والفرزدق والأخطل- وهي تستحق الهجاء-، وبعد أن أفرغ كل خطيب ما في جعبته من كلام، وما في داخله من غضب، انتهى المؤتمر ببيان ختامي، وانفضَّ المؤتمرون سالمين، وعادوا إلى قواعدهم غانمين، بعد أن أوسعوا أوسلو شتماً وسباً، وانهالوا على فريق أوسلو طعناً ولعناً ... ولكن يبقى السؤال الأهم: وماذا بعد؟

الإجابة على سؤال (ماذا بعد؟) ضرورية كي لا يكون نهجنا في مواجهة المأزق، مثل الأعرابي الذي كان يرعى مجموعة من الإبل لقومه، فاستولى عليها اللصوص، وعاد إليهم بدون الإبل، وأخبرهم ما حدث معه، وعندما سألوه عن دوره في المحافظة على الإبل، أجابهم "أوسعتهم شتماً وساروا بالإبل". وضرورية كي لا يكون كلامنا ضد أوسلو مجرد عملية تفريغ انفعالي لتنفيس شحنة الغضب ومخزون الكبت داخلنا، وتخفيف ثقل الضغط وحدة الإحباط الواقع علينا. وضرورية كي لا يكون سلوكنا بحثاً عن كبش فداء لتبرئة أنفسنا من المسؤولية وإلقائها على الآخرين، وكفى الله السياسيين شر البحث والاجتهاد للخروج من مأزقنا. وضرورية للخروج من حالة العجز السياسي، والانغلاق الفكري، والقفز عن الواقع، والتهرّب من المسؤولية. وأخيراً ضرورية كي لا تكون خياراتنا في الخروج من المأزق باتجاه واحد والهروب إلى الأمام فنكون كمن هرب من رمضاء المأزق إلى نار الحرب في سيناريو مُكرر فقد الحبكة الدرامية وعامل الإثارة. 

أوسعنا أوسلو شتماً.. هذا لم يُخرجنا من المأزق، المأزق الوطني العام والمأزق الغزاوي الخاص، على الأقل حتى الآن لم ينهِ الاحتلال والحصار والانقسام والعقوبات، ومن المؤكد أن الشتم لن يُعالج أي مريض أو يوفر وجبة طعام لأي جائع، أو يشتري حقيبة جديدة لأي طالب مدرسة، أو يدفع الرسوم الجامعية لأي طالب جامعة، أو يجعل أي مواطن من غزة يُسافر بكرامة... ومن المؤكد أيضاً أن الإجابة على سؤال (وماذا بعد؟) هي الأهم للخروج من المأزق فإضاءة شمعة خيرٌ من لعن الظلام.

التعليقات