جلسة استماع حول أزمة كليات الطب في محافظة الخليل

جلسة استماع حول أزمة كليات الطب في محافظة الخليل
رام الله - دنيا الوطن
عقدت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم" والائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة-أمان في قاعة الهلال الأحمر في البيرة جلسة استماع ومساءلة لجميع الأطراف ذات العلاقة بالأزمة الحاصلة حول افتتاح كليات الطب البشري في محافظة الخليل.

افتتح الدكتور عمار دويك، المدير العام للهيئة المستقلة لحقوق الانسان الجلسة موضحا أسباب عقدها، بغية نقاش الأزمة، وتحديد المعيقات والتحديات، من أجل التغلب عليها وصولا الى تفاهمات مشتركة وعادلة ترضي جميع الأطراف المتداخلة ذات العلاقة. وقد استهل دويك كلمته مرحباً بالحضور من رؤساء جامعات، وأطباء، ونقابات، وأكاديميين، وحقوقيين، وممثلين عن وزارات مختلفة، ومختصين في مجالات الصحة والتعليم العالي.

فيما عبّر المدير التنفيذي لائتلاف أمان مجدي أبو زيد عن تقديره إزاء رغبة جميع الأطراف من المثول والحضور للمشاركة ما يمثل سابقة يجدر إبرازها، والعمل على تكرارها في قضايا أخرى مشابهة، باعتبار الأزمة قضية شأن عام. وأشار أبو زيد إلى أن هذه الأـزمة من وجهة نظر ائتلاف أمان ناتجة عن غياب الشفافية، والسياسات الواضحة فيما يتعلق بمنح الاعتمادات الخاصة وخصوصا في ظل التخبط في الإطار التشريعي الناظم لعملية منح الاعتمادات الخاصة للبرامج الأكاديمية في مؤسسات التعليم العالي في فلسطين.

وبين أبو زيد أن عقد الجلسة هو بمثابة فرصة للحوار بين الأطراف خاصة بعد التراشق الإعلامي الذي حصل مؤخراً بين الحكومة وجامعة الخليل، وهي بمثابة نقطة لقاء لإيجاد أرضية مشتركة، والرد على استفسارات الأهالي من سكان الخليل، وقلقهم بخصوص التحاق أبنائهم وبناتهم في كلية الطب. 

وشق أبو زيد عباب النقاش، طارحا وجهة نظر ائتلاف أمان، ومستفسرا عن سبب عدم إصدار نظام خاص من مجلس الوزراء ينظم عملية منح الاعتمادات الخاصة للبرامج الأكاديمية، إستنادا إلى قانون التربية والتعليم العالي للعام 1998، بالإضافة الى السبب في حذف مسألة تنظيم الاعتماد الخاص بموجب نظام يصدر عن مجلس الوزراء، وفقاً للتعديل الذي أجراه القرار بقانون الجديد للعام 2018 في هذا الخصوص. 

وتساءل أبو زيد أيضا عن سبب عدم اتخاذ المقتضى القانوني فيما يتعلق بشكل تعليمات الاعتماد الخاص الصادرة عن الهيئة الوطنية للاعتماد والجودة، من حيث جهة التوقيع الرسمية على إصدار مثل تلك التعليمات أو من حيث نشرها في الوقائع الرسمية. وعن سبب تدخل مجلس الوزراء في عملية منح اعتمادات لانشاء كليات طب جديدة، وعدم ترك تنظيم هذا الموضوع للهيئة الوطنية للاعتماد والجودة والنوعية في وزارة التربية والتعليم العالي بصفتها جهة الاختصاص قانونا في منح تلك الاعتمادات. وأشار ابو زيد الى عدم وضوح الأسباب الحقيقية للازمة والمعيقات ما بين الحكومة وجامعة الخليل، وسبب رفض طلب جامعة الخليل بالحصول على التراخيص والاعتمادات لإنشاء الكلية المذكورة، وهل سبب الرفض يأتي لعدم استكمال الشروط والمعايير الفنية والمهنية أم أن هناك أسباب أخرى. وفي المقابل تساءل أيضاً عن السبب من إنشاء كلية الطب الحكومية في الخليل، وهل يأتي ذلك لسد احتياج محافظة الخليل وفقا لما هو معلن عنه من وزارتي الصحة والتربية والتعليم مؤخراً.

وأدار الجلسة الدكتور ممدوح العكر، المدير السابق للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، داعياً لأن يكون اللقاء مثمراً من خلال طرح وجهات النظر المتباينة إزاء إنشاء ثلاث كليات طب في محافظة الخليل، ومن ثم النقاش الثري والاستزادة من خبرات المجتمع المدني وذوي الاختصاص من أجل إيجاد صيغة مشتركة تليق بفلسطين بشكل عام وبكلية الطب بشكل خاص، ومشدداً على الخروج بتوصيات إيجابية حيال الموضوع. 

أسباب تجميد طلب الاعتماد الخاص 

استعرض بدوره السيد بصري صالح، وكيل وزارة التربية والتعليم تاريخ حيثيات تفاعل جامعة الخليل مع الوزارة وهيئة الاعتماد والجودة في موضوع إنشاء وترخيص كلية طب في جامعة الخليل. وقد وضح صالح توجه الحكومة الرامي إلى إنشاء كلية طب في محافظة الخليل، بعد فشل حوارات الشراكة بين جامعتي الخليل وبوليتكنيك فلسطين واصرارهما على ترخيص كلية طب في كل منهما، ولرغبة الحكومة بإنشاء كلية طب مميزة تمكن الفقراء أيضا من دخولها. وأشار بصري الى قيام الوزارة باستحداث لجنة مكونة من وكيل وزارة التربية والتعليم، ووكيل وزارة الصحة، ورئيس هيئة الاعتماد والجودة، التي خرجت بثلاثة سيناريوهات، وهي: تنازل إحدى الجامعتين لصالح الأخرى، أو عمل برنامج مشترك، وأخير يتمثل بإنشاء كلية حكومية للطب في محافظة الخليل. كان خلاصة ذلك رفض كلا الجامعتين الخيارات المطروحة، ما أدى الى توجه الحكومة نحو إنشاء كلية طب حكومية في محافظة الخليل. وتلا ذلك، إعلان جامعة الخليل عن فتح باب التسجيل والقبول في برنامج الطب البشري دون الحصول على الموافقات اللازمة من هيئة الاعتماد والجودة، ما حذا وزارة التربية والتعليم لاتخاذ الإجراءات الإدارية والقانونية لإيقاف عملية التسجيل في البرنامج.

ونوّه صالح الى وصول الأطراف الثلاثة الى نقطة إيجابية في الحوار حين توافقت كافة الأطراف على إنشاء برنامج مشترك في الطب البشري، بالتزام كامل من الحكومة بتقديمها الدعم المادي واللوجستي حيال ذلك. إلا أنه وفي نفس الوقت، اتجهت جامعة الخليل في مسار موازي للقضاء لنقض قرار وقف تسجيل الطلبة في برنامج الطب، ما تسبب باندلاع الأزمة الأخيرة بين الحكومة وجامعة الخليل.

وأوضح الدكتور بصري أن الحكومة لم تتخذ قراراً بإغلاق أو فتح أو تجميد برنامج الطب في محافظة الخليل اعتباطاً، بل نتيجة لطلب وزير التربية والتعليم. وأرجع بصري قرار التجميد حسب ما جاء في كتاب الوزارة الرسمي الموجه للجامعتين، إلى حين وضوح السياسات الصحية الوطنية، في ظل محدودية أماكن التدريب والمستشفيات، ومحدودية الكوادر المؤهلة للتعليم والتدريب على مستوى الوطن.

د. الخطيب: الشراكة سارية بين الحكومة والبوليتكنك 

وقد أكد الدكتور عماد الخطيب، رئيس جامعة بوليتكنك فلسطين، على الشراكة السارية بين الحكومة وجامعة بوليتكنك فيما يخص إنشاء كلية الطب الحكومية في محافظة الخليل، وعن توفر جميع الإمكانيات للنجاح في برنامج الطب البشري من موارد بشرية ومادية وقطعة الأرض والمخططات لبناء المستشفى الجامعي، موضحا استعداد البوليتكنك الدائم للشراكة مع جامعة الخليل في هذا المشروع المهم للمحافظة. 

لم تتلق جامعة الخليل أي جواب رسمي من الهيئة خلال ثلاث سنوات

ووفقا لما أفاد به رئيس جامعة الخليل الدكتور صلاح الزرو، فقد كان بنية جامعة الخليل إنشاء مستشفى تعليمي في 2013، والذي قوبل بالرفض في حينه، لعدم وجود كلية طب، وعليه، باشرت الجامعة بمراسلات مع وزارة التربية والتعليم إزاء إنشاء كلية طب بشري في جامعة الخليل استكمالا لبرامجها الصحية القائمة، وهي التمريض، والصيدلة، والعلوم المخبرية. وقد جاء الرد بالموافقة المبدئية من وزيرة التربية والتعليم العالي السابقة د. خولة الشخشير في العام 2015، وقامت الجامعة على إثر المراسلة بإعداد البنية التحتية اللازمة لهذه الكلية بكلفة تجاوزت حتى تاريخه 15 مليون دولار بما فيها بناء كلية للطب على مساحة 15 ألف متر مربع، وبادرت بتقديم ملف شامل للهيئة الوطنية للاعتماد والجودة من أجل الحصول على الاعتماد الخاص لإنشاء برنامج بكالوريوس في الطب البشري (MD)، في حين تلقت الجامعة ردا يفيد بتجميد النظر في طلب الاعتماد الخاص حتى وضوح السياسات الصحية، ولم تتلق فيما بعد أي جواب رسمي خلال ثلاث سنوات خلت. واستهجن الزرو طلب جهات "معينة" من المستشفيات وقف الشراكة مع جامعة الخليل، متسائلا إذا ما كان هناك تسييساً لقضية إنشاء كلية طب بشري في محافظة الخليل. 

الحكومة تقحم نفسها في المشكلة

وقد أوضح الزرو أن وزير التربية والتعليم قد جمّد موضوع الشراكة الثلاثية مع جامعة الخليل، لتوجه الأخيرة للقضاء. وقد نفى أن تكون جامعة الخليل قد قدمت دعوى في محكمة العدل العليا، حيث أن ما قدمته الجامعة هو رد جوابي بناء على طلب محكمة العدل العليا على القضية التي رفعتها الوزراة لوقف قبول طلاب الطب الجدد في جامعة الخليل، ذاكراً أن الجامعة منفتحة على أي حل على أساس عادل. وقد استغرب الزرو كيف تقحم الحكومة نفسها في إنشاء كلية طب بشري، في ظل العجز المالي الحالي في الوقت الذي تتوفر لجامعة الخليل جميع الإمكانيات الأساسية للشروع في كلية طب بأفضل المعايير.

تبعية الهيئة الوطنية للاعتماد والجودة لوزارة التربية والتعليم العالي

وقد عقّب السيد هشام كحيل، بصفته خبيراً في مجال التعليم العالي على الأزمة، معرجا على المشاكل التي تعتري نظام التعليم العالي، كونه يعاني من مشكلة مزمنة تتعلق بغياب الحوكمة؛ مستنكرا سياسات التدخل الحكومي، ومؤكدا في الوقت ذاته على دور الحكومة التنظيمي والداعم لبرامج التعليم العالي عوضاً عن إدارتها والبت بتفاصيلها، كما أن موقفها لا يقوم على استخدام الكرت الرابح لديها وهو معايير جودة الخدمة، إذ لم تجرِ حتى اللحظة عملية مراجعة حول مدى فعالية البرامج المرخصة والمعمول بها في الجامعات، وذلك لبحث استنتاجها ومتابعاتها. وشخص بدوره مجلس التعليم العالي- والذي لم يكن فاعلا في السنوات الماضية- نظرا لتركيبته وعدم وجود صفة تنفيذية لقراراته، كما أنشأت أجسام مشتتة كالهيئة الوطنية للاعتماد والجودة وصندوق الطالب. وتساءل كحيل حول تبعية الهيئة الوطنية للاعتماد والجودة الى الوزارة، ودعا إلى استقلاليتها بعيداً عن التسييس وقرارات الحكومة وتوجهاتهاـ ولخص كحيل أن جميع الهيئات الحاكمة لقطاع التعليم العالي، لا تعمل بتناغم أو بتنسيق لتخدم السياسة العامة. مشيرا الى أهمية التنوع ووجود برامج لكليات طب مختلفة مستدلاً بوثيقة إنشاء كلية طب فلسطينية موحدة، بين جامعة القدس، والنجاح الوطنية، والأزهر في غزة، والى وجود كليتي طب بين الأزهر والإسلامية يفصل بينهما السور فقط. 

قصور الهيئة الوطنية للاعتماد والجودة

وفي تصريح لوزيرة التربية والتعليم العالي السابقة، الدكتورة خولة الشخشير حيال الكتاب الرسمي الصادر اثناء فترة شغورها المنصب وعدم وجود نسخة عن الكتاب في الوزارة، أكدت أنها ليست المرة الأولى التي تضيع فيها أوراقاً من هيئة الاعتماد والجودة، مشيرة الى تقصير الأخيرة في كيفية إدارة الملفات ذات العلاقة باعتماد البرامج التعليمية في الجامعات، ومشيرة في ذات الوقت الى انها تعتقد بعدم وجود ما يمنع جامعة الخليل من افتتاح كلية للطب البشري، وأنها قد درست هذا الأمر وزارت الجامعة في حينه.

مجلس الوزراء ليس جهة اختصاص لأخذ قرارات منع الاعتماد

وفي مداخلة للسيد بلال البرغوثي، المستشار القانوني لدى ائتلاف أمان حول قرار مجلس الوزراء بمنح الاعتمادات، أفاد بدوره أنها مسألة تخالف مبدأ سيادة القانون؛ فالقانون يمنح الهيئة الوطنية للاعتماد والجودة القوة، ولا يجدر بها الاحتماء بقرارات مجلس الوزراء، الذي لا يعد جهة اختصاص أصلا في المسألة.

وفي نهاية الجلسة، أوضح الدكتور ممدوح العكر أنه سيتم استكمال الجلسة واستخلاص العبر منها، بغرض إيجاد مخرج عادل ومهني لهذه الازمة المستفحلة، والتي أثرت على النسيج الاجتماعي في محافظة الخليل.