حديث الكونفيدرالية المفتعل

حديث الكونفيدرالية المفتعل
نبض الحياة 

حديث الكونفيدرالية المفتعل

عمر حلمي الغول 

مسألة الكونفيدرالية بين فلسطين والأردن طرحت في النصف الأول من ثمانينات القرن الماضي، ولم تطرحها آنذاك القيادة الفلسطينية، ولم توافق عليها لا آنذاك، ولا لاحقا.  لكن الهيئات القيادية أكدت في أكثر من مناسبة "ان هذا الموضوع سابق لإوانه، وعندما تحين اللحظة المناسبة، أي بعد إستقلال دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967، وتمتلك سيادتها الكاملة على أراضيها وحرية إختيارها لطبيعة علاقاتها ستقرر ما يجوز وما لا يجوز". لكن قيادة منظمة التحرير ليست من حيث المبدأ ضد العلاقات الكونفيدرالية مع المملكة الأردنية الشقيقة. حتى أن البعض وسع بيكار الطرح في إطار عملية السلام، بحيث تشمل الكونفيدرالية دولة إسرائيل. 

غير ان الموضوع برمته ليس قائما، ولا موجودا في الواقع، ولن يكون قابل على قسمة الوضع الراهن في ظل الإستعمار الإسرائيلي، وعدم حصول فلسطين على إستقلالها وسيادتها. وعليه فإن الضجيج المفتعل حول الموضوع، لا مبرر له. ولا يوجد أحد من العرب أو غيرهم يستطيع المزاودة على القيادة الفلسطينية عموما، والرئيس ابو مازن خصوصا.

ما جرى حسبما أعتقد (رغم أني لم أكن موجودا في اللقاء، الذي جمع الرئيس عباس مع أنصار السلام الإسرائيليين يوم الأحد الماضي) وفي إطار عرض الرئيس للتطورات والعلاقات مع الرئيس الأميركي ترامب والإدارة الأميركية، أشار إلى ان الأخير طرح عليه أثناء احد اللقاءات، التي جمعتهما سويا مسألة الكونفيدرالية مع المملكة الأردنية بهدف الوقوف على رد الفعل الفلسطيني، والسعي لسبر أغوار الرئيس عباس في هذا الجانب.  أجابه الرئيس ابو مازن (وهو أيضا أراد ان يستشرف رد الفعل الأميركي) لا يوجد لدينا مانع، وللتأكيد على تمسكه بعملية السلام، أضاف ونرحب بأن تكون إسرائيل جزءا من الكونفيدرالية، ولكن بعد إستقلال فلسطين وضمان سيادتها، وإلتزام إسرائيل بإستحقاقات عمالية السلام. وبالتالي رئيس الشرعية الوطنية لم يبارك المقترح الترامبي، بل وضعه ضمن الإستحقاقات السياسية الأخرى. بتعبير أدق جاء الطرح في إطار الحوار الثنائي حول التسوية السياسية، ولم يكن الإقتراح والرد عليه مطروحا للتنفيذ، وليس ملزما لإي منهما. فضلا عن أن الرئيس ابو مازن أكد على الثوابت والأولويات الفلسطينية، وهي: أولا الإستقلال والسيادة للدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، والقدس الشرقية عاصمتها، ثانيا يجري الحديث في الأمر في حينه وعندما تنضج الظروف السياسية بعد الإستقلال، فلسطين لا تتحدث إلآ بإسمها. 

في ضوء ما تقدم، فإن إثارة زوبعة من قبل سياسيين وإعلاميين عرب، وتحميل الأمور أكثر مما تحتمل، فيه تحامل وإساءة. لإن الرئيس عباس لم يفرض على أحد موقفه، ولم يتحدث بإسم أحد، بل تحدث بإسم قيادة منظمة التحرير الفلسطينية. وجاء ذلك في إطار عرض سياسي لمجرى التطورات مع إدارة الرئيس دوناالد ترامب وقبل القطيعة، أي قبل إعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل في 6/ديسمبر 2017. 

وهنا يمكنني ان أؤكد، انه لا يوجد أحد من العرب والعجم أكثر حرصا على المصالح والثوابت الوطنية أكثر من رئيس منظمة التحرير، ولا يوجد أحد يمكنه المزاودة أيضا على الرئيس محمود عباس في الدفاع عن الأهداف الوطنية. كما لا يوجد لا الآن، ولا غدا ولا بعد غدٍ كونفيدرالية لا مع الأردن ولا مع إسرائيل إلآ بتحقيق الشروط المذكورة آنفا، وبقبول الأطراف المختلفة، وعلى أرضية رؤية برنامجية سياسية وإقتصادية وقانونية دستورية، هذا إذا بقي الموقف الفلسطيني ذاته. لا سيما وأن كل شيء قابل للتغيير والتطوير، ولا يوجد مسلمات في السياسة عموما، والسياسة الفلسطينية خصوصا.   

[email protected]

[email protected]     

التعليقات