صمت دهراً ونطق كفراً

صمت دهراً ونطق كفراً
نبض الحياة

صمت دهرا ونطق كفراً

عمر حلمي الغول

من إستمع ليحيى السنوار في تشرين الثاني/ إكتوبر 2017، وهو يعلن تمسكه بالوحدة الوطنية، ويدافع عن خيار المصالحة بإعتبارها أولوية الأولويات بالنسبة له، وعاد ليستمع له قبل يومين في لقاءاته الخاصة وأمام عدد من الكتاب والإعلاميين، وجد نفسه أمام شخصية إشكالية، تقول الشيء ونقيضه، ولكن بفاصل زمني قارب العام. ما الذي جرى لرئيس مكتب سياسي حماس في قطاع غزة؟ ولماذا صمت دهرا ونطق كفراً؟ ولماذا يُّصر الآن على التهدئة قبل المصالحة، وعلى حسابها، وحساب وحدة الشعب والأرض والمشروع الوطني؟ هل تغير الرجل أم انه كان يناور ويضحك على دقون العباد؟ وهل شاء تسويق نفسه آنذاك كمخلص للشعب من لوثة الإنقلاب، الذي قادتة حركته؟ ولماذا تراجع؟ وهل يمكن إعتبار ما حملته شخصية قائد حماس في غزة من تناقض أمراً إستثنائيا وغريبا، أم هي خصال تشكل قاسما مشتركا لقيادة تنظيم الأخوان العالمي، وليس في حركة حماس فقط؟ ولماذا زج متهما جهاز المخابرات العامة الفلسطيني بأنه كان وراء محاولة إغتياله، كما حصل مع محاولة إغتيال توفيق ابو نعيم قبل شهور خلت؟ 

يمكن التأكيد بشكل قاطع، أن يحيى السنوار منسجما مع نفسه، ولكن لعبة "التقية"، التي يمتهنها قادة جماعة الإخوان المسلمين في ارجاء الدنيا، هي ذاتها شكلت الأساس الناظم لشخصية القائد الحمساوي. وبالتالي ما بدا أنه تناقضا في مركبات خطابه، ليس سوى الجانب الشكلي، ولا علاقة له بجوهر الخطاب الأساسي. لإن من يقبل على نفسه الوقوف على راس حركته الإنقلابية، وهو يدرك جيدا جدا أبعاد وأخطار الإنقلاب على وحدة الأرض والشعب والأهداف الوطنية، ولا يتمرد عليها، أو يطوي صفحة الإنقلاب، فهو شريك أساسي فيه، وضليع بكل تبعاته وأخطاره، حتى لو لم يكن موجودا ساعة إختطاف القطاع من الشرعية الوطنية. أضف إلى انه، عندما أعلن في إكتوبر 2017 عن مواقف إيجابية، إنما كان يحاول إمتصاص نقمة الشعب ضد حركته، لإن درجة الغليان والسخط في الشارع الفلسطيني كانت عالية جدا، وكان يفترض ان تنفجر في وجه الإنقلاب وقيادته، لذا لجأ للخداع، وسعى جاهدا لتضليل الشارع الفلسطيني خدمة للإنقلاب، وتكريسه في الواقع، والمضي قدما في التأصيل للإمارة في المحافظات الجنوبية. 

وإن كان آنذاك "صادقا" (وهو ما أشك فيه شخصيا) في ما طرح، فإنه إكتشف جهله بمواقع النفوذ المتنفذة في حركته، والتي لا تقتصر على ما قام به من حركة تصفيات في أوساط معارضيه من قادة وكوادر القسام عشية إنتخابه قائدا للحركة في القطاع، واصحاب تلك المواقع المستفيدة من الإنقلاب، وهم الأغلبية رفضوا خياره، وأداروا الظهر له. لذا صمت صمت أهل القبور طيلة عشرة اشهر كاملة، حتى انه لم يشارك في العديد من اللقاءات السياسية، وكأنه كان يعيد ترتيب أوراقه، وتأهيل نفسه للإنسجام مع مصالح وخيار تنظيم الإخوان المسلمين الفلسطيني والدولي، ومع حلفائهم في المنطقة والإقليم والعالم. 

وبعد أن تصالح مع ذاته ومع توجهات وخيارات حركته الإنقلابية، عاد للساحة مزاودا على أقرانه، ومدافعا عن خيار الإنقلاب والإمارة والتهدئة من أجل التهدئة. ومديرا الظهر للمصالحة الوطنية، ومعتبرا إياها شأنا ثانويا أمام مصالح حركته، لإنها ليست معنية بالمصالحة، وتناور عبر اساليبها المكشوفة والسطحية، لتحاول إلصاق التهمة للرئيس ابو مازن ومنظمة التحرير، ومتذرعا بالإجراءات ضد الموظفين، وكأنه وقادة حركته "غيورين" على الموظفين ومصالحهم. وهو يعلم ان الموظفين، هم ابناء السلطة الوطنية، ولن تتخلى عنهم، وستحمي حقوقهم كاملة، وبالتالي ذريعته لا تغطي عورات مواقفه ومواقف حركته المتناقضة مع المصالح العليا للشعب الفلسطيني. 

وأود الإشارة هنا، إلى ان الشرط الجغرافي الموضوعي القائم بين جناحي الوطن، لن يكون سيفا مسلطا على رقاب الوطنيين، ولن يكون هناك لا فيدرالية ولا كونفدرالية، انما سيكون هناك وطنا واحدا سيدا ومستقلا في المستقبل غير البعيد. وكما قال الرئيس عباس "لا دولة في غزة، ولا دولة دون غزة"، وبالتالي من يعتقد أنه يستطيع التحليق بخيار الإمارة، يكون ساذجا وسطحيا، ولن يفلح نهائيا في توجهاته، حتى لو مضى زمنا أطول على إنقلابه، وستتمكن الشرعية الوطنية وفصائل العمل الوطني والنخب السياسية والثقافية والأكاديمية وكل رواد الوطنية من قبر الإنقلاب في زمن غير بعيد، لإن صمت الشعب وصبره له حدود، ومن لا يدرك ذلك يكون جاهلا. 

وعليه لن تكون هناك تهدئة من اجل التهدئة، ولن تكون تهدئة دون المصالحة الوطنية وبإقرار من الشرعية الوطنية ورمزها الرئيس ابو مازن. ولن يسمح لا للسنوار ولا لهنية ولا لمن في ركبهم السير خطوة واحدة مع صفقة القرن الأميركية، وسيبقى العنوان السياسي، هو العنوان الأساس للقضية الوطنية، ولن تكون فتات المشاريع الأميركية الإسرائيلية ومن لف لفهم على حساب الثوابت الوطنية مهما كلف ذلك من ثمن.

أما إتهامه لجهاز المخابرات العامة بمحاولة إغتياله، فهي محاولة فاشلة، ومفضوحة. لانه يعرف أن من حاول إغتيال ابو نعيم، هم من أقرانه في قيادة حماس، وأداتهم كان مرافق المذكور. ومن حاول إغتيالك، هم ايضا من أرادوا تصفية حساب معك، على ما إرتكبته من عمليات تصفية سابقة لقادة وكوادر القسام منافسيك وخصومك. ومن إستهدف موكب رئيس الوزراء ورئيس جهاز المخابرات، هي حركتك حماس. وبالتالي لا تبرر سقوطك، وتراجعك عن خيار المصالحة بذرائع وحجج واهية، لا اسانيد لها في الواقع، وفتش جيدا، وأنت من اسس جهاز "مجد" المخابراتي في حركتك، في داخل بيتك المخترق والمسكون بالصراعات الداخلية العميقة بسبب المنافسة على الغنائم وسرقة العباد في وضح النهار بإسم الضرائب والخوات والسيطرة على المناطق الجغرافية. 

[email protected]

[email protected]         

التعليقات