تصلب الشرايين في قضايا التحسين

تصلب الشرايين في قضايا التحسين
د. محمود عبد المجيد عساف
مع بداية عام دراسي جديد، يموج بالتغيرات الحرجة، يثور سؤال: (هل بنية النظام التربوي الفلسطيني مهيأة للاستجابة لتحدي المستقبل ؟ ) لا تزال المقولة ( إن المستقبل يكون سبقاً بين الكارثة والتعليم ) صحيحة في ظل التجديدات وتبني المشروعات والمناهج الجديدة.

فلقد حملت نهاية العقد الأخير موضة خطاب المواطنة وحقوق الإنسان، والنظام العالمي الجديد، واحتلت هذه الدعوات أغلب لافتات المؤتمرات والوسائل الإعلامية، وهكذا استقبلنا هذه الخطابات بمظاهرها دون التركيز على محتواها، ولهذا كان من الواجب أن نفرق بين الاستجابة لضغوط الإصلاح والحاجة إلى تحديث مجتمعنا الداخلي من حيث المنشأ والتفعيل .

وفي هذه الأجواء وقعقعة خطاب الإصلاح العام يأتي الحديث عن الإصلاح التربوي الداخلي خاصة إصلاح المناهج والتقويم وعلوم المستقبل وتدريب المعلمين واحتياجات مزاولة المهنة، ولكن هل هذا ذو معنى لتطلع المجتمع في حقيقته ؟

إنه لا يعني أكثر من تعديلات وتجديدات جزئية وفنية محكومة بالنظرة الوظيفية التي ترفض الاعتراف بالحاجة إلى تغير ضروري في النسق والوصول إلى حالة التوازن والاستقرار، وأن جوانب الاعتدال التعليمي ليس أكثر من مجرد وظيفي يعرقل سير المنظومة .

وهذه الفلسفة تعبر عن أيديولوجيا البرجوازية، أما الإصلاح التعليمي الحقيقي فهو الإصلاح الشامل في ارتباطات التعليم، وانغراسه في الجسد التعليمي وتعديل الشروط الاجتماعية المولدة لها، وسوف تكون أغلب محاولات الإصلاح التربوي المحدودة جزئية وفنية ونخبوية( الحاسوب في المدارس _ مناهج جديدة (شرعية –حياتية-تربية مدنية ووطنية)) من منظور الصندوق المانح والبنك الدولي .وما دامت منفصلة عن إطارها وعمقها السيكولوجي  فستبقى ممزوجة بالأطر السياسية والاقتصادية والاجتماعية الغائبة .

كل ما سبق، ومع بداية العام الدراسي الجديد دفعني للحديث عن قضية الساعة ألا وهي الامتحانات سواء كانت (وطنية أو ثانوية عامة ) فلا أحد إلا ويستشعر من قريب أو بعيد بالمكانة الهامة التي تحتلها الامتحانات في الحياة التعليمية، فالإدارة تقوم بالإعداد لها، والمعلمون يفكرون بها ويحسبون حسابها، والطلبة يعدون أنفسهم لها، وما أكثر أن يكون للامتحانات وقع شديد على الجميع، كما يكون الانتهاء منها راحة وفرجاً للجميع يؤكده تعليقاتهم المختلفة ومشاعرهم المتضاربة حولها .

والتربية قديمها وحديثها تؤكد على أهمية الامتحانات وذلك لما تحققه من أهداف، ومعظم المؤسسات التعليمية تعتمد على نتائج الامتحانات للتعديل على حسن أداء العملية التعليمية، ولكن من وجهة نظري المتواضعة قلما تكون وسيلة موضوعية لقياس التحصيل الدراسي، وذلك لعدة اعتبارات أهمها :   

1-         أن ما يقاس لا تخضع للقياس مباشرة .

2-         لا يسمح لقياس موضوعي لقدرات الطلبة .

3-         أن القياس ينطوي على تعميم تكون أسسه موضوع شك وجدل، وينطوي عليه آثار إيجابية على سلوك الطالب ونفسيته إضافة إلى النتائج تكون محكومة بقرار سياسي يحدد نسبة الرفع والخفض في نسبة النجاح سواء كان على مستوى الثانوية العامة أو الامتحانات الوطنية ( الموحدة) التي لا تتعامل نتائجها بحقيقتها ..

إذن ما الجدوى ؟

إن كان هناك من تبصير  لحقيقة الأمر كتأسيس للعمل التربوي والأداء التعليمي، يجب النظر لهذه الامتحانات على أنها إحدى الوسائل وليست غاية سواء كان على الصعيد المجتمعي (إعلامياً – وجماهيرياً ) أو على الصعيد التربوي (طالباً – معلماً ) وإن كان لابد من الاعتماد عليها أن تعامل بحقيقتها مع وضع بدائل أخرى للتقويم بعيداً عن سياسة الترفيع الآلي في مراحل النقل .

ثمة قناعة أساسية في العقل الفلسطيني، بأن التعليم قاطرة تقدم الأمة، ولكن مع وجود بعض المتغيرات التي أثرت على هذه القناعة من خلال ضعف سوق العمل واحتكاره لاعتبارات صعب الحديث عنها في هذا المقام .

وعليه أقترح على النخبة المسئولة عن التعليم أن تتوخى المصلحة العامة والأمانة والعمل على ما يلي :

1-         دمج تقنية سوق العمل في عملية التعليم المدرسية، بحيث يصبح جزءاً من متطلبات النجاح في الامتحانات .

2-         احترام قدرات جميع الطلبة على التعلم، بتشجيع التعلم الايجابي بدلاً من التعليم السلبي.

3-         قبل الحديث عن التنمية المهنية للمعلمين واختبارات مزاولة المهنة، يجب العمل على ضمان له العيش الكريم ( اقتصادياً – اجتماعياً ) .

وهكذا .. تفعل الأمم الناهضة بنظمها التعليمية مراجعة وتقويماً وتجديداً حتى تلبي الأماني المجتمعية ، فهل نقول أن تحديد التعليم الفلسطيني مسألة مصيرية حتى لا تنتصر الكارثة على التعليم ؟  فلنطور جوهرنا بدلاً من  انتظار آراء الآخرين للتشدق .. بجمال مظهرنا .

التعليقات