العرب وقانون "القومية"

العرب وقانون "القومية"
نبض الحياة 

العرب وقانون "القومية"

عمر حلمي الغول 

في مراحل التاريخ المختلفة تمر الشعوب والأمم بمحطات من التفكك، وإنتفاء القيم، وغياب الإحساس بالمسؤولية تجاه كافة القضايا بإستثناء "الأنا" الفردية، التي تعلو على ما عداها، وتصبح الحسابات الشخصانية عند الحاكم وأفراد الشعب بمختلف طبقاتهم وشرائحهم بوصلة الأهداف الفردانية، وتسيطر "الأنا" على النحن الجماعية، وتجد من يسوغ لها أولويتها ومكانتها العليا فكريا وثقافيا وفنيا. رغم ان الكل يشكو من الهزيمة وحالة التحلل القيمي والأخلاقي، وتراجع المعايير الرافعة للشأن العام. إلآ ان الشكوى والبكاء على الأزمان الجميلة ومحطات النهوض، والرغبة بالخروج من دوامة مستنقع الهزيمة تكون جزئية، وعابرة في الوعي اليومي للإنسان، لإن المصالح "الأناوية" بمستوياتها الشخصية أو الحزبية أو المؤسسية وصولا للنظام والدولة تصبح هي حجر الرحى في كل المعاملات والمعادلات.

في الواقع الراهن الشعوب والدول العربية تعيش لحظة الإنحدار والتهافت والضياع، وهنا لا يقتصر الأمر على النظم السياسية، انما ينطبق ذات الشيء على الأشخاص والقوى السياسية بمختلف تلاوينها ومشاربها، وأي تفاوت بينها نسبي ونسبي جدا. وكما هو جلي تتسيد في الواقع المعاش القوى الأكثر إرتباطا بمشاريع وصفقات الأعداء أو من في عدادهم. وتنقلب كل المعادلات والمقولات والمفاهيم والقيم رأسا على عقب، حتى يصبح التغني ب"محاسن" العدو من "فضائل" المرحلة. 

وحتى لا نبقى في دائرة التعميم والتجريد، فإن نظرة للواقع الرسمي والشعبي العربي وردة فعلها تجاه قانون "الأساس القومية" الإسرائيلي العنصري، الذي يستهدف التريخ والجغرافيا والرواية والثقافة الفلسطينية العربية، وتاريخ العرب عموما من يوم بدء الخليقة حتى يومنا المعاش تشي بشكل عميق مستوى انعدام الوزن، ومستوى المرحلة، التي بلغها الإنحطاط ، حيث يلف وسائل الإعلام العربية الرسمية والشعبية صمت مريب، وتواطؤ فاضح من حيث تدري أو لا تدري مع قانون "القومية " العنصري للدولة الإستعمارية. وكأن القانون الإجرامي تحصيل حاصل، ولا يعني لهم شيئا، ولم يثر فيهم أي ردة فعل سلبية حتى من باب رفع العتب ووخز الضمير. 

ولمن لا يعلم، او لمن يحاول التعاطي الهادىء مع القانون البغيض، أو لمن ينظر له بمنظار الساذج والسطحي، نقول، أن القانون الإستعماري العنصري شكل محطة إنعطافية خطيرة في مسار القضية الوطنية والقومية والمقابل الإستعماري االإسرائيلي، حيث نفى كليا أية علاقة للفلسطينيين العرب بوطنهم الأم، وبالتالي نفى الرواية الوطنية، التي هي جزء من الرواية القومية. وجزم المستعمرون الإسرائيليون بتشريعهم قانون غابهم، بأن "حق تقرير المصير في فلسطين التاريخية، هو لليهود فقط". و"حق العودة الأوتوماتيكي والبديهي، هو لليهود من أية قومية أو دولة في العالم"، ولا يحق للفلسطينيين العودة تحت أي مسمى أو قانون دولي أو غير دولي. وبذلك شرعن القانون العنصري الإستعماري الإسرائيلي مكانة الدولة المارقة دون منح الشعب الفلسطيني الحد الأدنى من حقوقه السياسية في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران 1967، واباح لإسرائيل فرض خيار الترانسفير، وصادق على إعطائها الحق بتصفية خيار السلام والتسوية السياسية من جذورها، ولا يعترف للفلسطينيين بأي صفة في وطنهم الأم، سوى انهم "سكان طارئين"، لا ينطبق عليهم أي قانون أو صفة محلية أو دولية، ولإسرائيل الحق في أن تبقيهم أو تطردهم في الوقت، الذي تشاء دون ضجيج، ودون تحمل أية مسؤولية قانونية أو سياسية أو تاريخية! 

وعليه فإن القانون الإسرائيلي لايقتصر على بعده العنصري التمييزي، ولا على غياب وإنتفاء الديمقراطية داخل إسرائيل، ولا على إستطان الأرض الفلسطينية، ولا على بقاء أو عدم بقاء إسرائيل، ولا يتعلق بما ترغب وتريد إسرائيل أن تسمي نفسها ك"دولة" لليهود أو إمبراطورية، الأمر ابعد من كل ذلك، وأخطر مما تقدم، لإنها تنفي من حيث المبدأ كل صلة أو حق للفلسطينيين العرب بأرض وطنهم الأم، وتسقط روايتهم وتراثهم وتاريخهم وشخصيتهم الوطنية من قاموس الشعوب والأمم والدول، وترسم نفسها بالقوة وشريعة الغاب (قانون القومية الأساس) الدولة الوحيدة صاحبة الحق في التقرير بما تشاء وما يتناسب مع مشاريعها الإستعمارية، التي تستهدف الكل العربي. الأمر الذي يفرض على العرب وفي مقدمتهم القيادة الفلسطينية وضع رؤية برنامجية جدية وجذرية لمواجهة التطور الخطير، الذي حمله قانون "الأساس القومية" الإسرائيلي، وقبل فوات الآوان، وكفى صمتا ونوما.

[email protected]

[email protected]              
      

التعليقات