روسيا بين نارين

روسيا بين نارين
نبض الحياة 

روسيا بين نارين

عمر حلمي الغول 

في الوقت الذي كان يزور فيه وفدا روسيا رفيع المستوى إسرائيل يوم الأثنين الماضي، أعطيت الأوامر للوحدات الصاروخية المضادة بإسقاط طائرة سورية من طراز سوخوي 22 او 24، وهي روسية الصنع، أضف إلى ان الطائرة لم تستهدف القوات والمواقع الإسرائيلية، رغم كذب وإفتراء العسكريون الإسرائيليون. وهو ما يشير إلى أن الدولة المضيفة للوفد المكون من سيرغي لافروف، وزير الخارجية، وفاليري غيراسيموف، رئيس هيئة الأركان العامة لا تعير إهتماما للوفد الضيف، وليست معنية بالإصغاء لوجهة النظره، ولا حريصة على تعميق التفاهمات، التي تبلورت على أقل تقدير في زيارة نتنياهو الثامنة لموسكو ولقائه بوتين في الحادي عشر من تموز/يوليو الحالي. كما انها أرادت إرسال رسالة عنوانها " أن إسرائيل وحدها صاحبة القول الفصل في ما يجوز وما لا يجوز في داخل الأراضي السورية!" وهو ما يعكس روح البلطجة والمافيوية الإستعمارية والإستعلائية العنصرية الإسرائيلية على روسيا نفسها، التي باتت أميركا تصغي إليها، وتحسب الف حساب لمواقفها في الإقليم والعالم على حد سواء. 

ولا يقتصر الأمر عند حدود إسقاط الطائرة السورية الروسية، بل تجاوزت ما هو أبعد من ذلك، عندما رفضت الحكومة الإسرائيلية المقترح الروسي بإبعاد القوات الإيرانية مسافة 100 كيلومتر عن الحدود السورية الإسرائيلية، وأصرت على عدم وجود أية قوات إيرانية في سوريا. اضف لذلك إشترطت (إسرائيل) حسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" على خلو سوريا من الصواريخ طويلة المدى، وكذلك إغلاق كافة المنشآت التي تنتج الصواريخ في الأراضي السورية. وإذا كان ما نشرته الصحيفة الإسرائيلية صحيحا، فإن إسرائيل تلعب دور الإستعمار غير المباشر على سوريا، ويبدو أنها تتنتزع من روسيا القطب العالمي المركزي مخالبها، وتحيلها إلى متلقية للأوامر والإشتراطات الإسرائيلية. الأمر الذي يلقي بظلال كثيفة وسوداء على المكانة الروسية في المعادلة السورية. لا سيما وانها صاحبة الباع الطويل في الساحة السورية. 

وكما نلاحظ ان العدوان الإسرائيلي الأخير، ليس الأول، بل هو جزء من سلسلة طويلة من الإعتداءات على المواقع والمطارات السورية في حلب وحمص ودمشق وحيثما وصلت أجهزتها الأمنية معلومة ما عن وجود قوات إيرانية هنا أو هناك، أو ان هناك مخازن أسلحة لصالح حزب الله، أو انها في طريقها للبنان. وبغض النظر عن الموقف المبدئي الرافض للوجود الإيراني في سوريا، لكن في معادلات العلاقات الديبلوماسية بين الدول، يكون هناك نوعا من الكياسة النسبية، وإحترام سيادة هذة الدولة او تلك. إلآ ان الحقيقة المحزنة تشير إلى  أن السيادة السورية تعاني من وهن شديد، نتيجة حصول إسرائيل على الضوء الروسي الأخضر بالسماح لها بإستهداف المواقع غير الروسية في سوريا، وحيثما شعرت بوجود خطر ما. وكأن السيادة السورية تتمثل بالمواقع الروسية فقط، وليست السيادة الكاملة على الأراضي السورية. وهذا الموقف اساء، ويسيء للدور الروسي في سوريا، ويضعف مكانتها ونفوذها في سوريا والأقليم. ويضعها (روسيا) بين نارين، بين دعمها للنظام لإستعادة وحدة الأراضي السورية عبر تصفية مواقع القوى التكفيرية، وبين إيستباحة إسرائيل للأراضي السورية في ظل الحماية الروسية، أضف إلى تمادي إسرائيل على القامة الروسية المركزية في العالم وفي سوريا نفسها. 

وإذا كان المراقب، يتفهم حدود المناورة الروسية في إعطاء الأولوية في عملها لتصفية مواقع الجماعات التكفيرية، وإستعادة نظام بشار الأسد دوره المركزي في البلاد، وفي ذات الوقت إسكات الصوت الإسرائيلي، وتعزيز لغة التفاهم مع إسرائيل، لتفادي الإربكات، التي يمكن ان تفتعلها في سوريا وباقي دول الإقليم، إلآ ان ما لا يمكن فهمه أو إستيعابه، هو قبول روسيا القوة الأساسية المتنفذة في سوريا تطاول إسرائيل عليها، وعلى نظام الأسد الإبن الحليف. الأمر الذي يفرض على القيادة الروسية هز العصا في وجه إسرائيل، لا سيما وأن الدور الروسي في الإقليم سيتوسع ويتعمق مع إنخراطه الكلي والفعلي في الإسهام ببناء ركائز السلام على المسار الفلسطيني الإسرائيلي بهدف حماية الدور والمكانة الروسية في الإقليم والعالم ككل. 

[email protected]

[email protected]   

التعليقات