قمة بوتين ترامب

قمة بوتين ترامب
نبض الحياة 

قمة بوتين ترامب

عمر حلمي الغول 

بعدما تلاشى الدور الروسي (السوفيتي) عن ميدان القطبية الثنائية مطلع تسعينيات القرن الماضي مع إنهيار الإتحاد السوفيتي، والغرق في مستنقع التفكك والإنحدار نتاج الأزمة الإقتصادية والسياسية والثقافية والأمنية الحادة، التي نشأت عما تقدم، وعن تشظي وغياب المنظومة الإشتراكية، يمكن التأكيد، أن الدب الروسي بدأ في إستعادة عافيته ودوره مطلع 2014، عندما أخذ في الخروج من دائرة ترتيب شؤون البيت الروسي إلى الفضاء الأوسع، إلى فرض حضوره الإقليمي والدولي مع فرض السيطرة على جزيرة القرم في ال19 من آذار/ مارس ذلك العام، وإرغام أوكرانيا على إعادة نظر في سياساتها مع أوروبا الغربية والولايات المتحدة، وعدم تجاوز موقعها الجيوبوليتكي. ثم مع التدخل المباشر في ايلول/ سبتمبر 2015 في سوريا، وفرض الأجندة الروسية على الولايات المتحدة ودول وأقطاب العالم، حتى بات الدب الروسي، هو صاحب الكلمة الفصل في الملف السوري؛ وتكريس الدور الروسي في الملفات الدولية المختلفة وخاصة الملف النووي الإيراني؛ وتجاوز كل الأزمات والتحديات، التي واجهته خلال الفترة المنصرمة.

وأمسى الإتحاد الروسي تحت قيادة القيصر الجديد، فلاديمير بوتين (تولى الرئاسة الأولى في العام 2000) قطبا منافسا للولايات المتحدة، وشريكا اساسيا في تقاسم النفوذ معها على تركة مرحلة العولمة والتفرد الأميركي السابقة. وعليه تأتي القمة الثالثة بين الرئيسين بوتين وترامب في ال16 من تموز/ يوليو الماضي في ظل شرط روسي ودولي ملائم، وكند قوي للزعامة الأميركية للعالم الآخذة في التراجع نتيجة الأزمات الإقتصادية، وإحتدام التناقضات مع أقطاب ودول العالم في القارات الخمس، التي أثرت على مكانة الولايات المتحدة العالمية.

ويمكن الجزم أن الرئيس دونالد ترامب خرج من القمة مهزوما بالنقاط أمام الرئيس الروسي، الذي عاصر اربع رؤساء أميركيين، هم: بيل كلينتون، جورج بوش الإبن، باراك أوباما والرئيس الحالي، مما أثار ردود فعل واسعة من قبل الحزبين الرئيسيين في بلاد العم سام (الجمهوري والديمقراطي)، الأمر الذي دفعه (ترامب) للإعتذار عما وقع فيه من أخطاء، ودعاه للطلب من جون بولتون، مستشار الأمن القومي لترتيب لقاء جديد مع الرئيس بوتين في نوفمبر القادم بذريعة متابعة الملفات المختلفة، التي طرحت على بساط البحث بينهما. ولكن يمكن الإفتراض لمن يعرف شخصية الرئيس الأميركي ونرجسيته وغروره، أن طلب اللقاء يعود لإعادة الإعتبار لذاته. 

ورغم ذلك تعتبرالملفات العديدة، منها العلاقات الثنائية، مكافحة الإرهاب، أمن إسرائيل، الملف السوري، الإنتشار النووي، الهجمات الأليكترونية، التجارة، أوكرانيا، السلام في الشرق الأوسط، كوريا الشمالية، الصين ...إلخ، التي تناولها الرجلين على مدار الساعات الأربع، ومنها ساعتان بشكل منفرد، ذات أهمية تكتيكية وإستراتيجية للبلدين، وتشير إلى إقرار أميركي ضمني بأن روسيا الإتحادية إستعادت مكانتها كقطب مواز للولايات المتحدة. لكن ذلك لا يعني الإقرار بأن عصر القطبية الثنائية عاد ثانية للساحة العالمية. لإن هناك أقطاب أخرى أمست تشكل ثقلا مهما في المعادلة الدولية الجديدة. وبالتالي العالم يتجه بخطى حثيثة نحو عالم متعدد الأقطاب، دون أن يلغي حقيقة أن القطبين الأميركي والروسي يعتبران الأعظم والأكثر نفوذا وقوة عسكرية عالميا. 

وإذا توقفنا أمام الملف الفلسطيني الإسرائيلي، وعملية السلام  ذات الصلة في محادثات الرئيسين، فإن اللقاء جاء بعد أن إلتقى الرئيس بوتين مع الرئيس محمود عباس، وقبله مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، الذي رفض لقاء الرئيس عباس في موسكو نتيجة مراهنته على تمرير صفقة القرن المشؤومة، يمكن إستخلاص الآتي، ان بوتين نقل للرئيس ترامب الرسالة الفلسطينية بشكل عميق لجهة رفض الصفقة الأميركية، وضرورة العودة إلى جادة السلام، ومرجعيات التسوية السياسية القائمة على خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967 من خلال الدعوة لمؤتمر دولي إسوة بالملفات الأممية الأخرى لإنهاء الصراع الدائر منذ أكثر من سبعين عاما خلت. ولا يمكن الجزم بما تم الإتفاق عليه بين الرئيسين الروسي والأميركي. غير ان المؤكد، ان الرسالة التي حملها بوتين، وتبنيه لها، والتوافق معها سيؤثر إيجابا في الرؤية الأميركية المنفردة، وقد تدفع ترامب لتدوير بعض الزوايا للبحث عن مخارج أكثر واقعية، لا سيما وأن الدول العربية، التي راهنت أميركا عليها في تطويع مواقف الرئيس ابو مازن، أبلغت إدارة ترامب بذات الرسالة الروسية. وقادم الأيام وحده كفيل بالإجابة عن ذلك.

[email protected]

[email protected]              

التعليقات