مسلسل "المصالحة الفلسطينية" من البداية وحتى اللانهاية

مسلسل "المصالحة الفلسطينية" من البداية وحتى اللانهاية
اتفاق الشاطئ
خاص دنيا الوطن - حياة أبو عيادة
تستمر المذكرة التاريخية المصالحة الفلسطينية بتدوين تفاصيل لقاءات منذ أكثر من 11 عاماً، لم تسفر جميعها عن طي صفحة من الانقسام الداخلي، فالوفود تلتقي على الأراضي العربية، وتظهر التوافق، وما إن تصل الأراضي الفلسطينية، حتى تبدأ حرب إعلامية لتبادل الاتهامات.

انقسام بلغ ذروته حينما وقع اصطدام عسكري بين السلطة الفلسطينية، وحركة حماس في حزيران/ يونيو 2007، فمع فوز الأخيرة بالانتخابات التشريعية، بدأت بتشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة، وقدم آنذاك رئيس الحكومة إسماعيل هنية، قائمة المشاركين في الحكم للرئيس الفلسطيني محمود عباس، وبعد عدم سير الأمور وقع اقتتال داخلي، كان هو شرارة الانقسام، الذي لا يزال يكتوي به الفلسطينيون.

ولكن التاريخ كتب محاولات عديدة قبل الوصول لنقطة الصراع الذي غرس جراحه في الوطن فوق الاحتلال كتوقيع اتفاق، الفصائل مجتمعه في مطلع آذار/ مارس 2005 على إعلان القاهرة في محاولة أولى للتوفيق بين الفصائل الفلسطينية لأجل توحيد وبلورة القضية الفلسطينية، ومحاربة الاحتلال من خلال إصلاح منظمة التحرير؛ لتشمل كل الفصائل الفلسطينية لأنها الممثل الشرعي والوحيد.

وناقش "إعلان القاهرة" إلى جانب سبل الرد والإجماع الفلسطيني على محاربة الاحتلال، الوضع الداخلي في لقاء ضم 12 فصيلاً على الأراضي الفلسطينية، جاء فيه ضرورة عقد انتخابات محلية وتشريعية في توقيتها المحدد مع تعديل على القانون الحالي باعتماد المناصفة بالحكم.

ولكن اجتماعات القاهرة، بقيت معلقة دون تنفيذ، الأمر الذي دفع خمس قيادات من الفصائل، بقلب السجون الإسرائيلية لإعلان خطة للاتفاق عرفت "وثيقة الأسرى" جاء فيها تشكيل حكومة وحدة وطنية وتوحيد الصف الفلسطيني، إضافة لتوقعات بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967.

رحب الرئيس الفلسطيني محمود عباس بوثيقة الأسرى، ولكن حماس رفضتها بحجة أنها تشمل اعترافاً بدولة إسرائيل، وهو ماينافي نهجها المسلح، أما إسرائيل فرفضت التعاطي معها كونها لم تعترف بهم بشكل صريح.

عادت أوراق الاتفاق لتكتب مجدداً في 11 أيلول/ سبتمبر 2006 حيث اتفق الرئيس وهنية بشكل مبدأي على تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة، تقوم على أساس "وثيقة السجناء" وبعد مرور عدة أيام نشرت الصحف الفلسطينية نص الاتفاق.

7 نقاط أساسية تضمنها الاتفاق في أيلول/ سبتمبر، تقضي بدعم الخطط القائمة على مبادرة السلام واحترام حماس للاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية، الأمر الذي يعني أن تعترف حماس وللمرة الأولى باتفاقيات السلام.

وتوجه الرئيس للجمعية العامة؛ ليلقي خطابه قبل أن ترد الأطراف بشكل رسمي على الاتفاق، وأعلن الرئيس في خطابه أن الحكومة الجديدة، يتماشى برنامجها مع اللجنة الرباعية، التي تتضمن أبرز نقاطها الاعتراف بدولة إسرائيل، هذا الأمر خلق موجة سخط في صفوف حركة حماس؛ ليعلن بعدها إسماعيل هنية أنه لن يترأس حكومة تعترف بإسرائيل.

ودخل بعد هذا التصريح الطرفان لدائرة القاء التهم على بعضهم البعض، فأعلن الرئيس عباس، بأن الوحدة الفلسطينية عادن لنقطة الصفر، وتلا كلامه هذا إصداره من جانب واحد نداء لإجراء انتخابات برلمانية رئاسية مبكرة، الأمر الذي اعتبرته حماس تصرفاً غير مقبول.

عادت الأوراق الفلسطينية لتفتح بقدسية من الحرم العتيق في مطلع شهر شباط/ فبراير لعام 2007 باتفاق عرف بـ (اتفاق مكة) نص على إيقاف أعمال الاقتتال التي نشبت بالصف الفلسطيني بعد الانتخابات، ولكن التوتر في الشارع المحلي حال دون هذا الاتفاق.

فلم يصمد اتفاق مكة طويلاً، حتى حلت نكبة داخلية فلسطينية راح ضحيتها 116 شخصاً، وأصيب أكثر من 550 فلسطينياً خلال خمسة أيام فقط، انتهت بانقسام سياسي وجغرافي قسم الضفة وغزة لشقين مختلفين بحكومتين مستقلتين.

استمرت المقاطعة الرسمية بين الطرفين حتى آذار/ مارس 2008 لتفتح من جديد ملفات المصالحة الفلسطينية على الأراضي اليمنية عرف بـ (اتفاق صنعاء) جرى فيه توقيع استنئاف الحوار ضمن المبادرة اليمنية بدعوة لإجراء حكومة وحدة وطنية، وإصلاح قوات الأمن الفلسطينية على أساس وطني.

وسرعان ما طفا الخلاف مجدداً، فقد طالبت حركة  فتح حماس بالتخلي عن حصتها بغزة أما حماس فطالبت بإعادة حكومة الوحدة بقيادتها.

(اتفاق صنعاء) لم يرَ النور أو التطبيق على أرض الواقع، فقد أعلن الرئيس محمود عباس، أن رئيس وفد فتح عزام الأحمد أعطى الموافقة دون إذنه، إضافة لمقاطعة حماس الاتفاقية بحجة اعتقال أعضائها في الضفة الغربية.

وأخمد العدوان الإسرائيلي على غزة 2008 المناقشات للمصالحة، وعادت تتجدد 2009 برعاية مصرية، حيث قدم رئيس الوزراء سلام فياض استقالته، تمهيداً لتشكيل حكومة وحدة فلسطينية.

وطرحت مصر اتفاق عرف بـ (الورقة المصرية) بشأن مسألة أجهزة الأمن الفلسطينية، وفيما يتعلق بشروط حكومة الوحدة الوطنية، تلتزم فتح بظروف اللجنة الرباعية بما في ذلك الاعتراف بإسرائيل، والتركيز على المفاوضات مع إسرائيل، لكن حماس كانت تريد حصة الأغلبية في أي حكومة جديدة، ورفضت الاعتراف بالدولة اليهودية التي نصبت نفسها، مما أفشل المساعي لتحقيق مصالحة حقيقية.

  أصاب الصدأ مجدداً دوارة المصالحة لشهور طويلة، تجددت منتصف 2010 بعد لقاء رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، ورئيس المخابرات المصرية آنذاك، عمر سليمان، أسفر اللقاء عن عقد لقاء جديد، ولكنه لم يتم بسبب الاتهامات المتكررة من الطرفين المتنازعين.

عادت لتتجد الحوارات في مصر خاصة بعد سقوط نظام الرئيس المصري حسني مبارك، واندلاع الثوارت العربية بداية عام 2011  فوقع الطرفان على إنهاء الانقسام الفلسطيني، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، تقوم بإجراء انتخابات خلال عام من تشكيلها.

وككل اتفاق لم يكن له أي تطبيق على أرض الواقع، لتتوجه الفصائل مجدداً في شباط/ فبراير 2012 لأراضي الدوحة لتوقيع اتفاق ينص على تسريع عجلة المصالحة في ضوء اتفاق القاهرة، ولكن الأمور بقيت على حالها.

وبعد عامين ولد اتفاق جديد (اتفاق الشاطئ) في نيسان/ أبريل 2014، جاء فيه تشكيل حكومة وفاق وطني برئاسة رامي الحمد لله، بيد أن الملفات الرئيسية لم تحل واستمر الطرفان بتبادل المناوشات، وفرض إجراءات إدارية على الأرض، مما خلق مشاكل جديدة.

"التصور العملي لتحقيق المصالحة الفلسطينية" جاء بعد عامين من الانقطاع عن طريق الدوحة التي توصلت رفقة حماس وفتح لتصور جديد لم يطرح شيئاً جديداً، فقامت حماس بخطوة استفزت السلطة، وهي تشكيل لجنة إدارية لمتابعة شؤون القطاع، لترد عليها السلطة بإجراءات؛ أحالت بها عدداً كبيراً من الموظفين للتقاعد، وعدم دفع فواتير الكهرباء وغيرها.

وعادت القاهرة لترعى المصالحة الفلسطينية باتفاق مطلع "2017" والذي وقع فيه وفدان من حماس وفتح على نص اتفاق جاء فيه تمكين حكومة الوفاق من أعمالها في غزة في موعد محدد، واستلامها كافة معابر غزة، ومناقشة ملف الأمن والموظفين وتخويل اللجنة القانونية والإدارية التي شكلتها الحكومة الفلسطينية مؤخراً بوضع الحلول لقضية موظفي غزة.

رحبت الفصائل بهذا الاتفاق وقد تحرك ملف المصالحة بسرعة آنذاك بعد قرار حركة حماس حل اللجنة الإدارية الحكومية في غزة، ثم قرار الرئيس الفلسطيني إرسال حكومة الوفاق إلى القطاع لعقد اجتماعها الأسبوعي، وماكان من المواطنين إلا أن تسارعوا للتعبير عن فرحهم بذلك، وتوزيع الحلوى ابتهاجاً.

وبدأت بعدها الوفود تصل لغزة، لكن تفاجأ البعض بعدم تسليم بعض الوزارات كوزارة الأوقاف، حتى وقع الحدث الأمني الخطير "تفجير موكب رامي الحمد الله" والذي تراشقت بعده المناوشات بين الطرفين بتحميل حماس المسؤولية عن ذلك.

ورفعت مصر بعد هذه الحادثة الصادمة حالة التأهب لعدم خروج الأمور عن السيطرة، خاصة بعد إلغاء كل الاتفاقيات واللقاءات التي كان من المزعم عقدها؛ لبحث ملفات المصالحة.

وجاءت تصريحات قائد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة يحيى السنوار منسجمة مع الحالة الفلسطينية الصعبة، منادياً بتجاوز العقبات التي تعترض المصالحة الفلسطينية المؤدية لانهيارها، ودعوة الشعب الفلسطيني إلى إنقاذها.

وعادت من جديد الجهود المصرية لرعاية المصالحة، وفرض اتفاق يقضي بحل كافة النزاعات، ونشرت وكالة (الأناضول) مؤخراً رؤية أبدت الأطراف استعدادها للتعاطي معها.

ونص الاتفاق الحالي (الرؤية المصرية) أن يُبنى على الاتفاقيات السابقة، رفع كافة الاجراءات التي فرضتها السلطة الفلسطينية على قطاع غزة مباشرة ودون تأخير، وتتولى حركة حماس جباية الضرائب في قطاع غزة نيابة عن السلطة الفلسطينية ونقاش ملف الأمن والموظفين.

وبحسب المصادر، فإن هذا مجرد تسريب لم يتم الاتفاق عليه بعد، لتبقى دوامة المصالحة الفلسطينية محل جدل كبير، يقلق المواطنين الذين هدم مستقبلهم وأرهق كاهلهم باقتتال داخلي هم الضحية الوحيدة فيه.

التعليقات