خلفيات وتداعيات القانون

خلفيات وتداعيات القانون
نبض الحياة 

خلفيات وتداعيات القانون  

عمر حلمي الغول 

شكل إقرار قانون "أساس القومية" الإسرائيلي فجر الخميس الماضي (19/7/2018) منعطف قانوني سياسي جديد في صيرورة وسيرورة تطور المشروع الكولونيالي الصهيوني، ونقطة تحول نوعية في الحرب المحتدمة بين المشروعين الفلسطيني العربي من جهة، والمشروع الصهيوني والرأسمالي الأميركي من جهة ثانية. مع انه من حيث الإنتهاكات وإستمراء عمليات التهويد والمصادرة والأسرلة وجرائم الحرب المتعددة الأوجه والميادين لم يضف للفلسطيني العربي جديدا. ولكن دلالات وتداعيات القانون الجريمة على مستقبل الصراع ستكون مغايرة، وسيطلق يد قادة المشروع الكولونيالي الإستعماري الإسرائيلي في تنفيذ ما لم يتمكنوا من تنفيذه في المراحل السابقة. لإن القانون رَّسْم بشكل واضح وعميق الآتي: أولا باتت فلسطين العربية التاريخية "أرض ووطن اليهود القومي"، وهو ما يعني نفي ونسف الرواية الفلسطينية؛ ثانيا فتح الباب أمام عمليات الإستيطان الإستعمارية لليهود فقط دون سواهم في فلسطين كلها من النهر للبحر دون تحديد؛ ثالثا القدس كلها عاصمة لدولة إسرائيل، ولا وجود مكان للقدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية؛ رابعا قانون العودة مقتصر على اليهود أي كانت ملتهم او قوميتهم، ولا يشمل الفلسطينيين، ولا قرار الأمم المتحدة 194، الذي ربط بين حق العودة للفلسطينيين وبين الإعتراف بدولة إسرائيل؛ خامسا ضرب القانون بعرض الحائط القوانين والمواثيق الدولية كلها، ومرجعيات عملية السلام؛ سادسا رَّسمْ عملية التمييز العنصري بشكل جذري ضد المواطنين الفلسطينيين العرب حملة الجنسية الإسرائيلية، ومعهم أشقائهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، ووضع العرب في درجة متدنية على السلم القانوني والإجتماعي والإقتصادي والثقافي الإسرائيلي؛ سابعا أعاد القانون اللغة العربية من مكانة اللغة الرسمية الثانية، إلى لغة ذات موقع خاص لم يحدد بعد؛ ثامنا أسقط كل الحقوق والثوابت الوطنية الفلسطينية العربية. 

ورغم ان قادة الجاليات الدينية اليهودية والحركة الصهيونية (بعد ظهورها) أعلنوا في وثائقهم السياسية أن "اليهود يشكلون قومية خاصة بهم"، وحاولوا تاريخيا تمييز أنفسهم عن باقي الشعوب، التي عاشوا بين ظهرانيها، وسعوا إلى تطويع علوم الأنثربولوجيا من خلال الزج بالبعد الديني في بناء القومية، مع ان هذا البعد لا يمت للقومية بصلة. لا سيما وان ركائز القومية تقوم على الأسس التالية: اللغة والتاريخ المشترك والموقع الجغرافي الحاضن للسوق القومية والعرق. وعليه لا يمكن إعتبار الدين اليهودي عاملا مكونا للقومية، ولا يمكن إعتبار اللغة اليديشية التاريخية اساسا، لإنها لغة التوراة، كما ان اللغة العربية، هي لغة القرآن، فلا يمكن إعتبار كل من تحدث العربية قوميا عربيا، وعليه لا يمكن أعتبار الأتراك أو الفرس أو الباكستانيين ولا الهنود من المسلمين جزءا من القومية العربية. 

   أضف إلى ان عمليات الإضطهاد اللاسامية التاريخية، التي إستهدفت اليهود في القارة العجوز في كل الحقب الزمنية لم تكن بسبب الدين، بل بسبب الدور، الذي لعبه اليهود في التشكيلات الإجتماعية التاريخية المتعاقبة الإقطاعية والرأسمالية، حيث لعبوا دور المرابي، ووكيل الملوك والنبلاء، وأداة قهر وسحق الفلاحين الأقنان وحتى جزء من النبلاء، الذين سلموا رقابهم للتجار والمرابين اليهود في هذة الدولة أو تلك. وهذا الصراع الضاري بين سكان الشعوب المختلفة والمرابين والتجار اليهود، كان الأساس في بناء الجيتوات، وبناء الموقع الخاص لإتباع الديانة اليهودية هنا أو هناك، حتى انهم في بولندا وروسيا تاريخيا فرضوا قوانينهم ومحاكمهم الخاصة نتيجة نفوذهم التجاري والربوي، مما فاقم من حدة الصراع بينهم وبين الشعوب، ورغم تصاعد شعارات الإندماج والإنصهار بين جاليات يهودية عدة في دول أوروبا، ولكن كلما كانت تنجح بعض الدعوات في الإندماج، كانت البرجوازية الأوروبية هنا أو هناك تعيد إنتاجها لإسباب خاصة بها. وهذا سابق على إنعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل/ سويسرا 1897. لا بل أن ولادة ونشوء الحركة الصهيونية كان نتاج تلاقي عاملين متناقضين: الأول تعاظم اللاسامية ضد اليهودي، والذي توج بمحرقة الهولوكست في المانيا وبولندا، التي نفذها النازيون الهتلريون في الحرب العالمية الثانية 1939/1945؛ والثاني حاجة الرأسمالية الغربية لإداة لتنفيذ مخططاتها ومآربها الإستعمارية في العالم العربي، وبالتالي غذت وشحنت العامل الثاني عبر إنبثاق الصهيونية كأداة رجعية إستعمارية، فمن جهة تتخلص أوروبا عبر المشروع الصهيوني من اليهودي المرابي، ومن جهة ثانية تستعمله كأداة لتنفيذ جريمتها الإستعمارية. لهذا صمتت ودعمت  ما يسمى بالنزعة "القومية" عند اليهود، مع ان كل علماء الإجتماع والأنثربولوجيا رفضوا ذلك جملة وتفصيلا، بإستثناء بعض أدعياء الصهيونية أو من تواطىء معها. 

ومع ذلك بقيت القيادات الصهيونية ودولتها الإستعمار خلال السبعين عاما الماضية من وجودها وحتى أول امس الخميس تراوح مكانك عد، ولم تتمكن من إقرار قانون "القومية" إلآ بعد توفر عاملين الأول الوصول لقاسم مشترك بين الغالبية اليهودية الصهيونية، خاصة وانهم تاريخيا لم يتوصلوا لقواسم مشتركة فيما بينهم (ومازال بالمناسبة الإختلاف قائما وإحتمال إنفجاره ممكنا)، والثاني توفر العامل الموضوعي، أي وصول إدارة أميركية متطابقة كليا مع الرؤية الصهيونية الإستعمارية، أضف إلى صمت عربي رسمي مريب، وإستعداده  للتساوق مع أطماع وخيارات إسرائيل الإستعمارية، وايضا نتيجة الإنقسام الفلسطيني، ووهن روح المقاومة الوطنية بشكل عام، مما دفع مشروع القانون للإقرار والترسيم.

ولهذا الإقرار أخطار محدقة على الشعب العربي الفلسطيني ستظهر لاحقا، وفي المدى المنظور، ومنها: اولا الإستيطان الإستعماري الكامل لفلسطين التاريخية دون تمييز بين ال48 و67؛ ثانيا الإسراع في سياسة الترانسفير والتطهير العرقي للفلسطينيين من أرضهم؛ ثالثا نفي الرواية والتاريخ الفلسطيني برمته، وفتح النار على المؤسسات الأممية، التي تدافع أو تتبنى الرواية الفلسطينية، وهي بدأت فعلا في اليونيسكو وفي لجنة حقوق الإنسان الأممية وغيرها؛ رابعا طمس الهوية والشخصية والثقافة الوطنية كليا، من خلال طمس دور ومكانة اللغة العربية؛ خامسا السعي لتصفية نهائية وكلية للقضية الفلسطينية، ومعها قضية السلام برمتها؛ سادسا توجيه لطمة قاصمة للقوانين والمواثيق  الأممية وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالصراع الفلسطيني العربي الإسرائيلي؛ سابعا لا يضيف المرء جديدا عندما يشير إلى شطب وتصفية ملفات اللاجئين والقدس والحدود والأمن والإستيطان الإستعماري، وتغيير قواعد اللعبة كليا. والمستقبل المنظور كفيل بكشف الكثير من التداعيات في حال نجحت دولة الإستعمار الإسرائيلية من بلوغ أهدافها. ولكن ايضا الحقائق المرة ستصطدم إسرائيل وأميركا ومن لف لفهم من عرب وعجم، وستعيدهم إلى جحورهم السالفة.

[email protected]

[email protected]

التعليقات