القانون يعمق العنصرية

القانون يعمق العنصرية
نبض الحياة 

القانون يعمق العنصرية

عمر حلمي الغول 

تواجه دولة الإستعمار الإسرائيلي منذ قيامها في أعقاب نكبة الشعب العربي الفلسطيني في مايو/ أيار 1948 أزمة تعريف ذاتها، وهويتها، بسبب واقعها الكولونيالي، ورفضها لتحديد حدودها، وإصرارها على مواصلة مشروعها الصهيوني، رفضت قيادتها الأولى صياغة دستور يحدد طبيعتها، وعلاقاتها مع ذاتها، ومع أبناء الشعب العربي الفلسطيني، الذي إحتلت أرضه، وسعت لنفيه، وطمس هويته وشخصيته ومكانته، ومع دول الجوار والعالم، وحتى لم تتمكن من تعريف من هو اليهودي حتى يومنا هذا. وتركت قياداتها المتعاقبة ملامحها ضبابية وهلامية لإعتبارات تخدم المشروع الإستعماري الصهيوني، غير ان أبناؤهم وأحفادهم غرقوا في وحول مستنقع التعريف، فلا هم قادرين على تبني إضفاء الصبغة الديمقراطية على الدولة، لإن مركبات المشروع الإستعماري تتناقض تناقضا جذريا مع ذلك، ولا هم راغبين بالتخلي عن البعد الديني والطائفي لدولتهم الإستعمارية، مما أوقعهم في شر قوانينهم العنصرية والفاشية.

لذا يلاحظ أن دولة إسرائيل الإستعمارية  في كل مرحلة من تطورها تصطدمت بالحقيقة المرة، في كونها لم تتمكن ولا للحظة من التماثل مع ما إدعته عن ذاتها كدولة "ديمقراطية ليبرالية"، رغم انها فصلت "ديمقراطيتها" العنصرية على مقاس مشروعها الإستعماري، تلك الديمقراطية، التي خصت بها المستعمرين الصهاينة الغربيين "الإشكناز"، وحرمت الأقلية الفلسطينية العربية واليهود الشرقيين "السفارديم" بتفاوت منها، حتى باتت ديمقراطية مسخ، ولا علاقة لها بمعايير الديمقراطية البرجواازية، رغم كل تشوهاتها.  

فأمست تلك الديمقراطية الشكلية، تشهد تراجعا شديدا لدرجة الإضمحلال مع تعمق العنصرية، وصعود التيارات اليمينية والحريدية المتطرفة لسدة الحكم، ومع إستباحة القانون، وإعادة صياغته وتشكيله وفق مشيئة القوى الفاشية المتسيدة في رأس السلطة ليتواءم مع التخندق في خنادق الإستعمار الإستيطاني. فتداخل الخطاب الشعبوي العنصري والفاشي مع الخطاب الديني اللاهوتي المتزمت، مما أسقط عن دولة الإستعمار الإسرائيلية ورقة التوت الديمقراطية، التي حاولت طيلة العقود الماضية من التستر بها. 

ومع طرح مشروع قانون "القومية"، الذي طرح قبل ثلاثة أعوام خلت، والمفترض طرحه اليوم  (الإثنين)  للمصادقة عليه بالقرأتين الثانية والثالثة، إن لم يتم وقفه بسبب الإحتجاجات من قبل الرئيس الإسرائيلي، ريفلين والمستشار القضائي، مندلبليت، ونائبه نزري والنخب السياسية والأكاديمية، التي إعتبرته قانونا عنصريا، فإن حكومة الإئتلاف اليميني المتطرفة، وكتلها في الكنيست تكون أماطت اللثام كليا عن الوجه الحقيقي للدولة الإستعمارية الإسرائيلية، ليس كدولة عنصرية فقط، بل دولة فاشية. لا سيما وأن مشروع القانون المذكور لم يميز بين اليهود الصهاينة والفلسطينيين العرب، بل بين اليهودي واليهودي الآخر على أساس الإنتماء الحزبي، وبين اليهودي الليبرالي واليهودي الحريدي، بالإضافة لما هو موجود بين اليهود الشرقيين واليهود الغربيين. كما واصل عملية التمييز ضد اللغة والثقافة  العربية. وعمق خيارات العنصرية من خلال تبنيه حق إقامة بلدات ومدن خاصة باليهود فقط، أي على الأساس الديني، وهو ما وصفه بعض الإسرائيليين ب"حق تقرير المصير الديني"؟! 

والمفهوم الأخير محاولة مقاربة لعملية تقرير المصير بما تحمله من مثالب خطيرة على مستقبل الدولة، حيث شاء مستخدموه إبراز الخلل البنيوي العميق في تركيبة القانون، وما يمكن أن ينتج عنه من إنعكاسات وإرتدادات سياسية وقانونية داخلية وإقليمية ودولية، توقع دولة الإستعمار الإسرائيلية في شر خياراتها العنصرية والفاشية، ويحول بينها وبين إمكانية الدفاع عن ذاتها، كما كانت تفعل فيما مضى بعد قيامها وإلى زمن قريب. 

ولعل المعركة لم تقتصر بين أحزاب الإئتلاف والرئيس الإسرائيلي، بل إمتدت لتطال الإتحاد الأوروبي، وهذا ما كشفتة "شركة الأخبار" (القناة الثانية سابقا) بإتهام بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة ممثلي الإتحاد الأوروبي بالتدخل في الشؤون الداخلية الإسرائيلية، بعد أن عقد مانويل جوفري، ممثل الإتحاد لقاءات مع عدد من أعضاء الكنيست من أحزاب الإئتلاف (جلهم من الليكود) وطالبهم بالإمتناع عن المصادقة على القانون بصيغته الحالية، وحذرهم من الآثار المترتبة على تمريره". مما آثار حفيظة زعيم الإئتلاف الحاكم، الذي أوعز لمدير عام الخارجية الإسرائيلية يوم الخميس الماضي "بإستدعاء سفير الإتحاد الأوروبي للقاء توبيخي ثان." ليس هذا فحسب، بل ان مكتب نتنياهو اصدر بيانا، إتهم فيه "الإتحاد الأوروبي بتمويل جمعيات أهلية تعمل ضد إسرائيل، وتمول بناء غير قانوني، ويتدخل الآن في تشريع القوانين في إسرائيل." وتابع "يبدو إن الإتحاد الأوروبي لا يفهم إن إسرائيل، هي دولة ذات سيادة." 

يوما تلو الآخر الإئتلاف اليميني المتطرف الحاكم يأخذ إسرائيل الإستعمارية لموقعها ومكانها الطبيعي كدولة مارقة وفاشية دون رتوش أو مساحيق، وهو ما يدعو كل انصار السلام في إسرائيل والعالم لمواجهة دولة الإرهاب الإسرائيلي المنظم لحماية شعوب المنطقة وخاصة الشعب الفلسطيني الواقع تحت نير الإستعمار من الأخطار المحدقة بالسلم والأمن الإقليميين، ونزع فتيل تفجير الإقليم ككل.

[email protected]

[email protected] 

التعليقات