تَقسيم فلسطين مُجدداً

تَقسيم فلسطين مُجدداً
بقلم عبد الله عيسى 

رئيس التحرير

من عجائب تطورات القضية الفلسطينية، وصدور قرار التقسيم لفلسطين عام 1947، ورفض الفلسطينيين والعرب لقرار التقسيم، الذي كان يُقسم فلسطين التاريخية بين الفلسطينيين واليهود، أي ما يُسمى الآن بمناطق 48، ورفض العرب بشكل قاطع هذا القرار حتى عام 1965، عندما قرر الرئيس التونس الراحل الحبيب بورقيبة، زيارة فلسطين، وإعلان قبوله قرار التقسيم، وغادر تونس إلى مصر، والتقى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وعرض عليه فكرة إعلان قبول قرار التقسيم، وبموجب قرار التقسيم حينها، يحصل الشعب الفلسطيني على نصف أراضي 48 تقريباً، والضفة الغربية وقطاع غزة، إضافة إلى سيناء والجولان لكلٍ من مصر وسوريا.

 ورحب الرئيس جمال عبد الناصر بالفكرة، وهذا التوجه، وقال لبورقيبة: امضِ فيما تُريد أن تفعله، وأنا لن أعارضك، وفعلاً توجه لأريحا، حيث كانت تخضع للحكومة الأردنية حينها، وألقى خطابه الشهير في مدينة أريحا، فيما سُمي لاحقاً (خطاب أريحا)، وعَرض على الشعب الفلسطيني في حينها القبول بقرار التقسيم، وبعد ساعات من إلقائه للخطاب، خرج الإعلامي المصري أحمد سعيد، مندداً بالرئيس التونسي بورقيبة، ومتهماً إياه بالعمالة، وسلسلة من الاتهامات الدنيئة لبورقيبة، وغادر الرئيس التونسي أريحا إلى الأردن ثم إلى القاهرة ثم إلى تونس، مُقرراً مقاطعة كل المشرق العربي، وبدأ منذ ذلك الحين التوجه التونسي البورقيبي بمقاطعة المشرق العربي، والتوجه نحو أوروبا والغرب، سياسياً وثقافياً واجتماعياً وتعليمياً، وأُصيب الرجل بصدمة من ازدواجية المواقف، وكانت ردة فعله غاضبة جداً، وبعد عامين أي في عام 1967، قامت إسرائيل باحتلال الضفة الغربية كاملة، وقطاع غزة، وسيناء، والجولان، وبدأ الموقف التونسي بالتذكير دائماً، وفي كل مناسبة بموقف الرئيس بورقيبة، وبُعد نظره بالقبول بقرار التقسيم، ولكن الأمور تَعقدت كثيراً على الأرض بين العرب وإسرائيل.

ويُوصف الشعب الفلسطيني، في أوساط الدول الأخرى، بأنه صاحب الفُرص الضائعة، ومن أوائل هذه الفرص التاريخية الضائعة قرار التقسيم، حيث مازال يُعاني العرب جميعاً والفلسطينيون أولاً من نتائج حرب 67، واحتاج العربُ لسنوات طويلة، حتى تتغير معنويات الشعب الفلسطيني والعرب عامة، بحيث تنتهي عُقدة الهزيمة بعد عام 67، وبدأت أولى الانتصارات في هذا المجال في (معركة الكرامة) شرقي الأردن عام 1968، ثم البطولات التي قامت بها حركة فتح في عملياتها، وحرب أكتوبر 1973، ثم ظهور حركة المقاومة الإسلامية حماس، وما جرى بعد ذلك من تداعيات عسكرية ومدنية كثيرة، وصلت إلى ظهور ما يُسمى بـ (صفقة القرن)، وكثر الحديث عما يشبه تقسيم جديد لفلسطين حالياً، حيث إن الضفة الغربية، أصبح مستقبلها غامضاً، وقطاع غزة، يجري الحديث عن إقامة دولة فلسطينية مستقلة فيه، وعلى جزء من سيناء، ويرفض الشعب الفلسطيني حتى الآن هذه الصفقة، وربما يعتقد البعض، أن الحال يُشبه قرار التقسيم الأول، وبأن الرفض الفلسطيني لـ (صفقة القرن) في شِقها الفلسطيني يُشبه إلى حد بعيد قرار التقسيم السابق، الذي سبق أن رفضه الفلسطينيون أيضاً، بحيث أن ما لحق بقرار التقسيم الأول كان هزيمة عام 67، وما نخشاه بأن يَتبع رفض (صفقة القرن) هزيمة جديدة، ونكسة تُشبه هزيمة 67.

وأرى.. أن الموقف يحتاج إلى وحدة الصف الفلسطيني والعربي، في مواجهة التحديات المقبلة، وألا نَكتفي بالرفض، بينما القوى المُعادية لديها برامج واستعدادات لمرحلة ما بعد (صفقة القرن)، ونحن لا يُوجد لدينا أي استعدادات.

التعليقات