السبعيني أبو لبادة: وجع الأسرى الثقيل

رام الله - دنيا الوطن
استرد السبعيني محمود أمين أبو لبادة لحظات التعذيب القاسية في سجون الاحتلال، بعد نهار واحد من إحياء اليوم العالمي لمناهضة التعذيب، الذي أقرته الأمم المتحدة عام 1984. ورسم الأوقات العصبية التي مر بها واحد من الأوائل الأسرى في محافظة طوباس والأغوار الشمالية، عقب وقت قصير من نكسة عام 1967.

وعاد أبو لبادة خلال الحلقة (96) من سلسلة (أصوات من طوباس) لوزارة الإعلام في محافظة طوباس والأغوار الشمالية، إلى 2 تشرين الثاني 1967، حين اعتقل في مخيم الفارعة هو و11 من شبان المنطقة، وتناوب جنود دورية الاحتلال على التنكيل بهم وضربهم، والتفنن في القفز عليهم من حافة الآلية.

كومة قش!

وأضاف: في الوضع الطبيعي لا تحتاج المسافة التي تفصل نابلس عن الفارعة أكثر من ربع ساعة، لكن جنود الاحتلال أمضوا ساعات طويلة، وهم يضربوننا، ويوجهون إلينا الشتائم، ووضعونا فوق بعضنا ككومة قش.

تنقل أبو لبادة بين سجون نابلس وجنين وصرفند، ووقتها لم تكن هناك شرطة الاحتلال أو وحدات ما يسمى(حرس الحدود) أو (مصلحة سجون)، بل كان يجري التعامل مع الأسرى من جانب وحدات الجيش، الذين كانوا لا يعرفون اللغة العربية بمعظمهم، مقابل عدم معرفة الأسرى بالعبرية. فيما شهدت المعتقلات إجراءات قمعية وحرمان الأسرى من أبسط الحقوق، والتنكيل المتواصل بهم.

وسرد: ومن اللحظات التي لا تنسى، تقديم مياه الشرب مثل الطعام في أوقات محددة، من تحت باب حديدي، ويطلبون منهم وضع الكأس البلاستيكي الفارغ بسرعة، ولم يكن ينتهي الأمر دون جرح أحدهم من حافة الباب وتزاحم الأيدي.

علبة سردين!

وتابع: خلال سنة في سجن نابلس، لم نعرف الاستحمام إلا بعد مضي عدة أشهر بمياه باردة، وكنا نعطى تنكة صغيرة وندخل اثنان معاً، ويعطونا 5 دقائق لا نستنفذها، ثم نسمع صراخ (يا لله ولا)، وكان السجانون يجبروننا على وضع الأغطية (البطانيات) فوق بعضها البعض، ونعود لاختيارها مرة أخرى وقت النوم، وفي بعض الأحيان يطلب السجان منا في منتصف الليل أن نظل واقفين لساعتين وثلاثة أحياناً.

وبحسب الراوي، فقد كانت غرفة المعتقل صغيرة، ويحشر جنود الاحتلال فيها بين 90 إلى 100 أسير مثل علبة السردين، ويحظى أصحاب "الحظ السعيد" من قدامى الأسرى بالموقع الداخلي من الغرفة شتاء، أما الجدد فيقيمون في الأطراف، وقرب ساحة مكشوفة تجلب عليهم المطر والبرد.

وأكمل: كان الشبح وسيلة عادية، ونتعرض لضغوط نفسية شديدة، وكان وقت التحقيق مفتوحًا، ومن الممكن أن يكون مع ساعات الفجر الأولى، أو في بداية الليل، وخلال أيام الجمعة والسبت، كان الجنود يقتحمون الغرفة، ويوجهون إلينا الضرب بالعصي والإهانة بشكل عنيف، وعشوائي، حتى خلال نومنا.

رصاص و"إعدام"

كان أبو لبادة شاهد عيان لنوع جديد من التعذيب، إذ أخذ واثنين من الأسرى إلى سجن صرفند، وأدخلوا إلى مكان معتم، ولم يكونوا يعرفون ليلهم من نهارهم، وأمامهم حفرة كالقبر، وأوهموا بأنهم يساقون إلى الإعدام، عبر إطلاق رصاص حي في الزنزانة المجاورة، ثم يأتي شاويش السجن ليقول لهم: "صاحبكم أعطاها، انتظروا دوركم، إما الاعتراف أو الموت"، وعرفنا لاحقًا أن الأمر تمثيلية.

أمضى الراوي سنة و3 أشهر و21 يومًا في سجون الاحتلال، ولم تتوفر في المعتقلات أية وسيلة للتواصل مع الأهل، وغاب تواجد الصليب الأحمر، أو أي تمثيل للمحامين، ومنعت الزيارات، ولم يسمح بدخول الصحف والكتب والمجلات والمذياع، وكان يجري توزيع 3 بطانيات (أغطية سوداء)، هي مخلفات أفراد الجيش الأردني بعد حرب 1967، ووقتها كان الشتاء شديد البرودة، ولم يحصل الأسرى على أي خدمات صحية، وكان العلاج المتعارف عليه شرب الماء أو إخفاء المرض، أما الوسيلة الوحيدة لمعرفة الأهالي مكان اعتقال شبانهم، فكانت الأخبار المنقولة من الأسرى المفرج عنهم.

ممنوعات ونبذ

وأضاف: كنا نمنع من استخدام الأغطية طوال النهار، ونجلس على الأرض الباردة أو الحارة، وكانت دورة المياه في داخل الغرفة بوعاء بلاستيكي، أما الحمام فبعيد، ولم نسمع عنه إلا بعد ستة أشهر.

ومما لا يسقط من ذاكرة أبو لبادة، أن الأسرى بعد تحررهم كانوا يتعرضون للنبذ الاجتماعي، فيتهرب منهم الجيران والأهالي، ويغير بعضهم الطريق حال مصادفتهم، ولا يردون عليهم التحية، ويمتنعون عن تقديم التهنئة لهم بالحرية؛ خشية تنكيل الاحتلال بهم.

وأنهى: بعد إطلاق سراحي فرض الاحتلال علي الإقامة الجبرية، وإثبات إقامتي في سجن الفارعة يوميَا، وتعرض منزلي للمداهمات والتفتيش الليلي، ولا شك أن أوضاع سجون اليوم مختلفة، لكن وسائل التعذيب تطورت.