شاهد كيف تؤثر الطائرات الورقية والبالونات الحارقة على البيئة الإسرائيلية

شاهد كيف تؤثر الطائرات الورقية والبالونات الحارقة على البيئة الإسرائيلية
أرشيفية
رام الله - دنيا الوطن
كتب الدكتور عبد الفتاح نظمي عبد ربه: "منذ الثلاثين من شهر مارس (آذار) 2018، حوّل الشبان الغزيون الطائرات الورقية والبالونات الحارقة (Incendiary Kites and Balloons) إلى أداة مقاومة رخيصة وسهلة وناجعة كبدت الإسرائيليين خسرانا عظيما في النواحي الاقتصادية والبيئية والسياسية والعسكرية وغيرها.  تستنفر تلك الطائرات والبالونات الإسرائيليين عن طريق ربط علبة معدنية داخلها قطعة قماش مغمّسة بالسولار في ذيولها، ثم إشعالها بالنار وتوجيهها بالخيوط إلى الأراضي الزراعية (Agricultural Lands) والأحراش (Jungles) والمحميات الطبيعية (Protected Areas) القريبة من المواقع العسكرية الإسرائيلية الواقعة في غربي النقب المحاذي لقطاع غزة والمعروف سياسيا بـ "غلاف غزة". ازداد الصراخ الإسرائيلي عما يتكبده الإسرائيليون من مخاسر في نواح شتى مما حدا برئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" بوصف تلك الطائرات الورقية والبالونات الحارقة المنطلقة من قطاع غزة باتجاه المستوطنات المحيطة المتواجدة في غلاف غزة بـ "الكابوس الحقيقي الذي يستوجب العلاج". تهرع بشكل يومي طواقم الإطفاء الإسرائيلية في محاولة منها لإخماد النيران التي تندلع في الكيبوتسات المحاذية لحدود قطاع غزة جراء وصول الطائرات الورقية والبالونات الحارقة إلى أكنافها، وإن جل المحاولات الإسرائيلية في مواجهة الطائرات الورقية والبالونات الحارقة التي يسيرها الغزيون من قطاع غزة إلى عقر دارهم قد باءت بالفشل. يستخدم الجيش الإسرائيلي حاليا الطائرات المسيرة بالتحكم عن بعد والتي تحمل كاميرات وأدوات حادة لاعتراض الطائرات الورقية والبالونات الحارقة التي تطلق من قطاع غزة، لكن هذه التكنولوجيا المتطورة لم تتمكن من اعتراض الطائرات الورقية البدائية إلا بنسبة منخفضة جدا، يعتقد بأن الجيش الإسرائيلي سيواصل استخدام الطائرات المسيرة لإسقاط الطائرات الورقية والبالونات الحارقة حتى يتمكن من إيجاد حل عملي لمواجهتها، ، ولعل في هذا المقام تحضرني الآية القرانية رقم (104) من سورة النساء: "وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ، إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُون، وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ، وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا".

نجح الشبان الغزيون والمتظاهرون السلميون على حدود قطاع غزة بإحراق عشرات آلاف الدونمات الزراعية والأحراش والمحميات الطبيعية للمستوطنين الإسرائيليين القاطنين في مستوطنات غلاف غزة بواسطة تلك الطائرات الورقية والبالونات الحارقة ردًا على ما يرتكبه الاحتلال الإسرائيلي من "مجازر" بحق متظاهري مسيرات العودة وإنهاء الحصار المفروض على قطاع غزة منذ 12 عاما. برغم بساطتها وبدائيتها، فقد باتت الطائرات الورقية والبالونات الحارقة تمثل تحدياً وهاجسا أمنياً لإسرائيل ومستوطنيها الذين يقطنون في المستوطنات المقامة إلى الشرق من الخط الحدودي الفاصل مع قطاع غزة. إنّ ما يزيد الأمور تعقيداً أن اتجاه الريح يخدم أهداف الغزيين المشاركين في تسيير الطائرات الورقية والبالونات الحارقة إذ أنّ الرياح التي تندفع من الغرب للشرق توسع من دائرة الحرائق وتزيد من مساحات المزارع والأحراش التي يتم اتلافها. استهدفت طائرات الاستطلاع الإسرائيلية المعروفة محليا باسم "الزنانات" أكثر من مرة خلال الأيام الماضية مطلقي الطائرات الورقية والبالونات الحارقة من قطاع غزة بصواريخ “تحذيرية” دون قتلهم، في ظل دعوات يطلقها باستمرار عدد من الوزراء الإسرائيليين وقيادات من الجيش تقضي بقتل هؤلاء الشبان والتعامل معهم كت "إرهابيين"، وربما في هذا محاولة لتبريرما ستقوم به إسرائيل لاحقًا من استهداف وقتل مباشر للشبان الفلسطينيين مطلقي الطائرات الورقية والبالونات الحارقة. في وقت سابق لمح وزير إسرائيلي إلى أن الطائرات الورقية والبالونات الحارقة التي تُطلق من قطاع غزة تعادل تمامًا صواريخ المقاومة الفلسطينية في تأثيرها المادي والمعنوي على الإسرائيليي، وأكد على وجوب أن يعامل الجيش الإسرائيلي مطلقي الطائرات الورقية والبالونات الحارقة بنفس الطريقة التي يعامل بها مطلقي الصواريخ.

تتعدد الآثار المرتبطة بفعل الطائرات الورقية والبالونات الحارقة على البيئة والاقتصاد الإسرائيليين في غلاف غزة والذي تغلب عليه الطبيعة الزراعية وانتشار المزارع الحيوانية وخلايا نحل العسل بالإضافة إلى الأحراش والغابات الشجرية والشجيرية والمحميات الطبيعية. لا يكاد يخلو يوم من أخبار الصحف والمواقع الإليكترونية مما تسببه الطائرات الورقية والبالونات الحارقة من آثار خفيفة أو متوسطة أو ثقيلة في بيئة غلاف غزة. إن مرورا متواترا على المواقع الإخبارية يكفي لتجميع العديد من الآثار التي تسببها الطائرات الورقية والبالونات الحارقة على البيئة والاقتصاد الإسرائيليين ولعل في الأسطر التالية ما يوضح ذلك ويفي به.


الحرائق مترامية الأطراف

تسببت الطائرات الورقية والبالونات الحارقة في نشوب حرائق متفاوتة الأضرار على عشرات الآلاف من الدونمات الزراعية والبيئية (لا يمكن الحديث هنا بالأرقام لأن الحرائق تلتهم يوميا مساحات شاسعة)، ولعل مما يساهم في اندلاع الحرائق هو الطقس الجاف والرياح التي تعمل على نقل الحرائق إلى نطاقات أوسع في المناطق المحاذية لقطاع غزة، وتعمل الرياح أحيانا على إعاقة عمل فرق الإطفاء بل وتؤجج النيران وتحولها إلى الشرق باتجاه المستوطنات الإسرائيلية مما يزيد من أضرارها. تتفاوت النيران في أنواعها من نيران سطحية (Surface Fires) تلتهم ما على سطح الأرض من أعشاب ومزروعات وبقايا نباتية إلى نيران تاجية (Crown Fires) تلفح تيجان الأشجار والشجيرات المرتفعة في البساتين والمحميات والأحراش الغابية.


تأثيرات مناخية

يؤثر المناخ على الحرائق المختلفة ويتأثر بها، فكلما ازدادت الحرائق ارتفعت بالمقابل نسبة ثاني أكسيد الكربون (CO2) في الهواء إضافة إلى غازات أخرى وأهمها غاز الميثان (CH4) المسببة للاحتباس الحراري (Global Warming) وتغير المناخ (Climate Change). يضاف إلى ذلك انتشار العديد من جزيئات السخام في الهواء التي تمتص بدورها ضوء الشمس وبالتالي ترفع من مستوى حرارة الجو. من ناحية أخرى، تساهم الجسيمات العالقة (Suspended particles) في الهواء، الناجمة عن الحرائق في بعض الأحيان في تلطيف الجو من خلال تحولها إلى غيوم تقوم بدورها بتبريد الغلاف الجوي من خلال عكسها لأشعة الشمس الحارة. لا تقتصر ملوثات الهواء الناجمة من الحرائق على ما تم ذكره، بل تمتد لتشمل الأدخنة وأكاسيد الغازات الأخرى التي يسبب التعرض لها مشاكل صحية وبيئية جمة لا حصر لها.

التصحر وتعرية التربة

واستطرد عبد ربه وهو أستاذ مشارك في العلوم البيئية في قسم الأحياء – الجامعة الإسلامية بغزة – فلسطين: تساهم الحرائق في فقد البيئات الأرضية (Terrestrial Environments) لغطائها النباتي الذي يحمي تربتها بجذوره ورطوبته، وعليه تتعرض ترب تلك البيئات ولاسيما في المناطق الجافة إلى الجفاف الفيزيائي (Physical Drought) وإلى الانجراف والتعرية (Erosion) لتربتها الزراعية أو الطبيعية. يشكل الانجراف شكلا من أشكال التصحر (Desertification) الذي يضرب بجذوره في أنحاء متفرقة من فلسطين بسبب فقدان العديد من الأنظمة البيئية للإنتاجية البيولوجية لها المتمثلة في إنتاجها الأولي من النبات وإنتاجها الثانوي من الحيوان إذ أن الغطاء النباتي (Plant Cover) غالبا ما تنعكس آثاره على الغطاء الحيواني (Animal Cover).

تأثر التنوع الحيوي

تكنس الحرائق بمختلف أشكالها العديد من أشكال التنوع الحيوي النياتي والحيواني (Plant and Animal Biodiversity) في المناطق المحترقة، ذلك أن النيران وألسنتها تأتي على الغطاء النباتي ولاسيما الشجري لتدمر أجزاء كبيرة منه إن لم يكن كله. من المعلوم علميا أن الغطاء النباتي ولاسيما الغابي منه يقدم خدمات جليلة لعناصر التنوع الحيوي الحيواني بأشكاله الفقاري واللافقاري (Vertebrates and Invertebrates)، تتمثل في أماكن الراحة والاختباء والرقاد والتزاوج والتفريخ والتعشيش فضلا عن الطعام والحماية وغيرها. إن الحرائق كفيلة بتدمير الغطاء النباتي وما يدعمه من أشكال الحياة البرية (Wildlife) من لافقاريات وزواحف وطيور وثدييات وغيرها من أشكال الحياة. تدمر النيران الكثير من أعشاش الطيور سواء أكانت أرضية ام شجرية بما تحويه من بيوض وفراخ، وقد تتسبب النيران في فقد أشكال الحياة البرية لأماكن تغذيتها وإيوائها فيعرضها للموت أو الافتراس أو الأمراض أو ترك المكان وهجره.

نزوح الآفات البيئة صوب المناطق السكنية

تتحدث تقارير إخبارية عن نزوح العديد من أشكال الحياة الحيوانية من أمكان الضرر والاحتراق إلى أماكن أكثر أمنا ومن بينها مساكن المستوطنين الإسرائيليين. إن من بين الآفات البيئية (Environmental Pests) الأشد خطرا وفتكا هي الأفاعي والثعابين (Snakes) والعقارب (Scorpions) والعناكب (Spiders) والحشرات المزعجة (Annoying Insects) التي تسبب بلدغاتها آلاما حادة تتفاوت في درجاتها. إن من أخطر الأفات البيئية خطر هو الأفعى الفلسطينية (Palestine Viper = Vipera palaestinae) الأشد سمية والأكثر انتشارا في فلسطين، والتي يعزى إليها معظم عضات الثعابين. ولهذا يخشى المستوطنون الإسرائيليون من انتشار تلك الأفات التي تكلف عضاتها ولدغاتها أموالا كثيرة نظير الاستشفاء منها ومن أخطارها.

تدمير نحل العسل والمُلقحات الحيوانية

تتسبب الحرائق في قتل ومنع تناسل العديد من الكائنات اللافقارية والفقارية التي تغزو البيئات الغابية والشجرية وتستفيد منها، ولعل الملقحات (Pollinators) من أهم تلك الكائنات المتضررة، والتي بهلاكها يتضرر تلقيح الأشجار وانتشار البذور مما قد يساهم في تأخر النمو والانتاج النباتيين. تمثل الحشرات (Insects) والطيور (Birds) وبعض أشكال الوطاويط أو الخفافيش (Bats) ملقحات بيولوجية هامة في النظم البيئية الزراعية (Agro-ecosystems). يساهم نحل العسل (Honey Bee) في تلقيح النباتات والأزهار التي يمتص رحيقها كعلاقة مقايضة أو تبادل منفعة (Mutualism)، وعليه فإن تدمير نحل العسل وموائله ومصادر تغذيته وخلاياه التي يصممها مربو نحل العسل في أراض زراعية وأحراش يتسبب في تدمير قطاع عسل النحل في مناطق تربيته وضواحيها مما يتسبب في خسائر اقتصادية وبيئية فادحة.

تدمير المزارع الحيوانية

تنتشر العديد من مزارع الأبقار والأغنام والدجاج اللاحم ودجاج البيض إضافة إلى الحيوانات الأخرى مثل الديك الرومي وربما مزارع سمكية في كيبوتسات وأرياف منطقة غربي النقب. تأثرت تلك المزارع كثيرا بما فعلته النيران وأتت عليه. تشير الأنباء أن بعض المزارع دمرت بشكل كلي أو جزئي وفقدت بعض تلك المزارع لحيواناتها مما تسبب في خسائر اقتصادية جمة للمستوطنين وأرباب الزراعة الحيوانية الإسرائيليين، ولعل هذا بدوره يلقي بظلاله على ما تتكبده الحكومة الإسرائيلية جراء التعويضات التي تدفعها للمتضررين بشكل عام ومتضرري المزارع الحيواتنية بشكل خاص.

تأخر حصاد الأخشاب والمنتجات الثانوية الأخرى

تقدم البساتين والمحاصيل الزراعية وأشجار وشجيرات الأحراش الغابية خدمات بيئية واقتصادية جليلة للإنسان والحيوان والبيئة الكلية. تعتبر المنتجات الثمرية (Fruits) والخشبية (Timber) من أهم المنتجات للغطاء النباتي، ناهيك عن المنتجات الأخرى من أدوية وصبغات وأصماغ تساهم في تنمية البلدان. تسبب الحرائق فقدانا لأشكال من الغطاء النباتي بما يقدمه من قيم اقتصادية وتنموية وبيئية، إذ تعتبر الأخشاب والصناعات الخشبية من أهم منتجات الأشجار التي تساهم في تنمية البلدان المنتجة لها. تتمثل القيم البيئية التي تقدمها الغابات والأحراش في تلطيف الجواء المناخية وتلطيف الأجواء ومنع انجراف التربة ومكافحة التصحر وجذب عناصر التنوع الحيوي وامتصاص الملوثات البيئية وتقليل انتشار الآفات الزراعية وإفراز الأيونات السالبة فضلا عن عملها كمصدات رياح (Wind-breaks) تحمي المزروعات والمحاصيل الزراعية.  

تدمير المواقع العسكرية الإسرائيلية

يعتبر غلاف غزة منطقة عسكرية (Military Zone) تتواجد بداخله العديد من القواعدة والمواقع العسكرية المختلفة تحتوي بداخلها على معدات عسكرية وذخائر وأسلحة، والتي لو قدر للنيران أن تصلها ذات يوم فقد تنفجر محتوياتها مسببة كوارث يصعب التنبؤ بها مما يزيد من خطر تسرب الملوثات (Pollutants) وتأثيرها في البيئات المجاورة لها.

تأثر المساكن والمباني العامة في غلاف غزة

يتميز غلاف غزة بوجود الكيبوتسات والمباني الريفية والعامة الأخرى والتي عادة ما يحذر قاطنوها بأي خطر قد يستهدفهم من خلال صافرات الإنذار التي تدوي في المكان. لا يدري أحد كيف سيكون الخطر لو وصلت الطائرات الورقية والبالونات الحارقة إلى تلك الأماكن؟ ولكن تبقى الأيام القادمة حبلى بالمفاجآت التي لا يعلم احد كنهها.

الأثر النفسي

يقول أحد المحللين الإسرائيليين أن الأثر المعنوي الذي يخلفه المنظر الكئيب للحقول المشتعلة والبساتين المتفحمة والغابات المحروقة يترك أثرًا كبيرًا في نفوس مستوطني غلاف غزة الذين تعودوا ذات يوم على رغد الحياة في بيئة آمنة إلى حد ما. ولعل في مصطلح التلوث البصري (Visual Pollution) الذي يعكس تكرار رؤية الإسرائيليين للمناظر الكئيبة بيئيا ما يشكل عزاء محدودا للغزيين الذين اعتادوا على رؤية بيئتهم المدمرة المشفوعة ارتال النفايات من قبل الإرهاب الإسرائيلي الذي لم يرع للبيئة الفلسطينية حقا أو واجبا.  








التعليقات