هجرة الأطباء.. الصحة في غزة تنفي وصحة رام الله تلوم حماس.. وشهادات الأطباء تحسم الجدل

هجرة الأطباء.. الصحة في غزة تنفي وصحة رام الله تلوم حماس.. وشهادات الأطباء تحسم الجدل
صورة تعبيرية
خاص دنيا الوطن- أمنية أبو الخير 
لم يعِ متداولوا قائمة تحمل اسم 50 طبيباً لامعاً هاجروا من غزة خطورة هذا الأمر، فهجرة الكفاءات والخبرات المماثلة تعتبر من أهم التحديات التي تُواجهها أي دولة في العالم.

ورغم أن هذا العدد يُشكل رقماً كارثياً لما له من آثار سلبية تحرم الدولة من الاستفادة من خبرات ومؤهلات هذه الكفاءات، ما يؤثر سلباً على تطور الاقتصاد القومي والتركيب الهيكلي للسكان والقوى البشرية، إلا أن ما اختلف عليه النشطاء وزملائهم الأطباء يتمحور حول " هل هربوا وتخلوا عن وطنهم؟ أم يحق لهم البحث عن حياة كريمة؟".

لم يتوقف الأمر على رواد مواقع التواصل، فقد خرج البرفسور في التاريخ الإسلامي بالجامعة الإسلامية والمقرب من حركة حماس الدكتور خالد الخالدي، بمنشور يؤكد من خلاله، أن الأطباء المهجرين قد خسروا أخلاقياً؛ لأن من يتخلى عن أبناء بلده في وقت سقط فيه جرحى بالآلاف خلال ٣ شهور، وفي الوقت الذي تأتي وفود الأطباء الأجانب للمساهمة في معالجة الغزيين، لديه أزمة أخلاق، والطبيب بلا أخلاق ولا إنسانية لا احترام له ولا تقدير ولا مستقبل ولا توفيق، مضيفاً أنهم وخسروا وطنياً، وخسروا التوفيق الإلهي.

أما عن الأمور المادية، فقد استبعد البرفسور الخالدي، أن يحصل الأطباء المهجرون على دخل كدخلهم في غزة، مشيراً إلى أن لديه معلومات، أن دخل أحد المغادرين، يزيد بكثير عن عشرة آلاف دولار أمريكي شهرياً، فهو أستاذ في كلية الطب، ومسؤول قسم في أهم مستشفى، ولا يمر يوم دون عملية في مستشفى خاص، وطابور المرضى مزدحم جداً في عيادته الخاصة، ولن يجد في الخارج إلا وظيفة براتب في مستشفى، ولن يصل راتبه مهما علا إلى دخله في غزة على حد تعبيره.

للوقوف على الموضوع تواصلت " دنيا الوطن" مع مدير عام المستشفيات في وزارة الصحة الدكتور عبد اللطيف الحاج، الذي أكد أن الوضع العام في قطاع غزة، يمر بضائقه شديدة، والأمور تزداد سوءاً خصوصاً في الأمور الاقتصادية والمعيشية، وشريحة الأطباء هي جزء من هذا المجتمع".

أما عن التعميمات الداخلية في وزارة الصحة، والتي تفيد بمنع الأطباء من السفر لخارج قطاع غزة إلا في حالات الضرورة القصوى، فأوضح أن السبب في ذلك خوف وزارة الصحة من  تطور الأحداث السياسية وصولاً إلى تصعيدات أو حروب دون وجود أولئك الأطباء، وعن رفض استقالات الأطباء قال: "من الطبيعي أن نرفض استقالات الأطباء لأننا بحاجة لهم، ونحاول إقناعهم بالبقاء، ولكن عند إصرارهم على الاستقالة أو بعد مرور ثلاثة أسابيع عليها، تصبح سارية المفعول".

وأضاف الدكتور الحاج: "المشكلة تتمركز لدى الخريجين الجدد والأطباء الشباب الذي يتخرجون من كليات الطب المحلية مثل الأزهر والإسلامية، وهم أوائل قطاع غزة، فيجدون أنفسهم أمام وضع اقتصادي متردٍ جداً، فإما أن يكونوا بلا عمل بالمطلق أو براتب ضئيل، يخجل الإنسان أن يسميه راتباً، فلا يتعدى الـ 280 دولاراً في الشهر، فهذا وضع غير جاذب لأي إنسان، وفي أي فرصة يجدها أي أحد من هؤلاء الشباب لتحسين وضعه مهنياً واقتصادياً لا يتردد في الخروج، برغم حاجتنا الماسة لهم".

فيما أوضح، أن أولئك الأطباء وبمقابل تلك المبالغ الزهيدة التي تتمكن وزارة المالية من توفيرها لهم، يعملون لساعات طويلة، فحسب القانون الفلسطيني على الطبيب أن يعمل في الأسبوع 35 ساعة، بينما يعمل الطيب من (70- 80) ساعة أسبوعياً مقابل الـ 280 دولاراً أمريكياً.

أما عن هجرة الأطباء الكبار من قطاع غزة بشكل كبير ولافت، فقد نفى ذلك قائلاً: "لم يمر علينا سوى حالتين أو ثلاثة وهو أمر طبيعي جداً، أن بعض الزملاء ممن وصل عمرهم فوق الـ 50، فقرر بسبب ارتباطات خارجية وعائلية لديه أن يخرج من البلاد، وهذا أمر لا يُقاس عليه، ولا يعني أن الأطباء المميزين الكبار برمجوا أنفسهم الآن للخروج، ولكن العدد الأكبر الذي يشعر بالخطر الكبير على وضعه المعيشي هو الشباب".

أما وزارة الصحة الفلسطينية، فقد قالت من خلال الناطق باسمها أسامة النجار: "إدارة حركة حماس لوزارة الصحة في قطاع غزة هي أحد الأسباب الرئيسية لهجرة الأطباء، ولا نستطيع نحن أن نفعل شيئاً في هذا الموضوع، بسبب ممارسات حركة حماس في وزارة الصحة في قطاع غزة".

وأضاف النجار: "نحن لا نُدير شيئاً في وزارة الصحة في قطاع غزة، كل شيء تديره حركة حماس، والمساعدات التي نرسلها لأبناء شعبنا في قطاع غزة لأننا نعتبرهم رهائن لدى حركة حماس".

أما خلال حديث "دنيا الوطن" مع الدكتور منتصر إسماعيل استشاري أمراض قلب قسطرة، وحاصل على البورد العربي في القلب والزمالة البريطانية في البطانة، وكان يعمل كرئيس لقسم أمراض القلب في (مجمع ناصر) بخانيونس، وهو أحد المهاجرين خارج قطاع غزة، فقد أوضح أنه كان يعيش حياة مهنية جيدة، ويحظى باحترام المرضى والزملاء، ولكن الوضع الاقتصادي الخانق، هو ما دفعه للتفكير في قرار الهجرة".

وأضاف الدكتور إسماعيل: "بعد القرار المجحف لرئاسة السلطة الفلسطينية بخصم ما فاق عن 55 - 60 % من مرتبات الأطباء العاملين في قطاع غزة، فضلاً عن عدم صرف الكثير من مستحقاتنا وعلاواتنا المستحقة من قبل، وهذا فيه إجحاف بحقنا وعدم عدالة مع زملائنا في الضفة، نتيجة كل ذلك، أصبح المرتب بالكاد يكفي لوقود السيارة وفواتير الكهرباء والهاتف، وبالتالي كان علي أن أعمل ليل نهار في القطاع الخاص، حتى أتمكن من تعويض هذا النقص الشديد، وبالتالي الابتعاد عن أسرتي وأولادي".

وأردف: "حتى دخل وإيرادات العيادات الخاصة تراجع بشكل ملحوظ، فكان لا بد من البحث عن فرصة لحياة كريمة لأسرتي وأولادي دون أن أعمل وأجتهد في خدمة وطني، فيما وطني يحرمني من أبسط حقوقي، ويحاربني في قوت أبنائي هذا سبب خروجي من الوطن"، وختم حديثه: "هي ليست هجرة... هي خروج مؤقت للعمل حتى تأمين مستقبل أبنائي".

أما الدكتور محمود سعد الدين، أخصائي التخدير في مستشفى الشفاء الطبي فقال: "بعضهم يقول إن دخل الأطباء يفوق الثلاثة آلاف دولار، وأن أحد الذين تركوا البلاد والمرضي طوابير على عياداته، مما يعطيك انطباعاً بأنك تتعامل مع أحد القطط السمان في البلد، صحيح أن ثلاثة إلى أربعة أسماء كأبعد حد من أسماء الأطباء المذكورة، كانوا يحصلون على مقابل جيد مقابل أتعابهم ولكن ليس كما تخيل أو حاول صاحب المقال الإيحاء للناس".

وأضاف: "دخل 95% من الأطباء لا يتجاوز في أحسن الأحوال حاجز الألف دولار إلا بقليل، وهو مقارنة مع رواتب باقي الفئات علي سلم الرواتب الحكومية ضئيل مقارنة برواتب المحامين والقضاة والفئات الإدارية في مختلف الوزارات، هذا في حال كان الطبيب يقبض كامل راتبه، وهذا فعلياً غير حاصل على الأقل منذ 17 شهراً، حيث تساوت الرؤوس ما بين من كان يتقاضى راتباً من رام الله، ومن يتقاضى راتباً من غزة".

وختم: "إن من هاجر من الزملاء، هاجر لا للمادة فقط، بل بشر ولهم الحق في حياة كريمة ولأطفالهم الحق في أن ينشؤوا في بيئة سليمة صحية ومعافاة صحية وجسدياً وأخلاقياً ومادياً، إن غادروا إلى بلاد تحترم عقولهم، وتقدر مجهوداتهم، وتعطيهم ما يمنون به علينا هنا، كأنه أبسط حق من حقوقه ألا وهو راتب يليق به وبمكانته، أطباء قطاع غزة هم أهم ما تملك غزة، لأنهم حماة الثغور الفعليين، بل حتى هم المتقدمون بخطوة علي أهل المقاومة فأكرموهم وإلا... ستدركون متأخراً ما فاتكم من أبناء بلدكم".  

التعليقات