مشروع أُممي لإدارة قطاع غزة

مشروع أُممي لإدارة قطاع غزة
 "مشروع أُممي لإدارة قطاع غزة"

 بقلم/ د.عبد الكريم كامل شبير - الخبير في القانون الدولي

 إَّن الإدارة الأمريكية تسعى وبكل ما لديها من إمكانيات وعلاقات إقليمية ودولية لتشكيل لجنة أُممية لإدارة قطاع غزة؛ حيث أنها تعلم بأن الفلسطينيين بقطاع غزة يعانون من أوضاع إنسانية واقتصادية صعبة في السنوات الأخيرة؛ جراء استمرار الحصار الكيان الصهيوني، وتقليص السلطة الفلسطينية لرواتب موظفيها في قطاع غزة بالفترة الأخيرة.

إنها مازالت تسعى في الأشهر الأخيرة إلى تشكيل إدارة محلية لقطاع غزة بعيداً عن السلطة الفلسطينية، لكنها لم تجد حتى الآن أي تعاون فلسطيني معها؛ مما حدا بها إلى التوجه إلى الأمم المتحدة لتنفيذ مجموعة المشاريع الإنسانية والاقتصادية.

ومما يؤكد ذلك الحراك الأمريكي والدولي الذي حصل بالشهور القليلة الماضية؛ حيث كان هناك سلسلة تحركات دولية وإقليمية ومحلية لمواجهة المشكلات الإنسانية والاقتصادية المتفاقمة والمتأزمة بقطاع غزة، والناجمة عن الحصار المتواصل له منذ أحد عشر عاماً، لكن تعدد الأطراف المؤثرة في قطاع غزة جعل التوصل إلى حلول لتلك الأزمات مهمةً بالغة الصعوبة، كونها تتطلب رضاً وموافقة كل تلك الأطراف جميعا.

إنَّ أولى تلك الجهات هو الكيان الصهيوني الذي يفرض حصاراً برياً وبحرياً وجوياً خانقاً ومحكماً على قطاع غزة، ويرفض رفعه وإزالته قبل استجابة حركة حماس، الجهة المسيطرة فعلياً على القطاع؛ لمطالبها وشروطها، وفي مقدّمتها:                            

•             نزع سلاح المقاومة.                       

•             تسليم جثتي جنديَّين صهيونيين قُتلا في الحرب الأخيرة التي شنها الكيان الصهيوني على القطاع عام 2014م، وكذلك الأسيرين اللذين وقعا بالأسر ومحتجزين لدى المقاومة.

لكن الموقف الصهيوني شهد تراجعاً في الشهرين الماضيين، إثرا تصاعد مسيرات العودة والتظاهرات الاحتجاجية على السياج الأمني لقطاع غزة من قبل سكان القطاع، مما قلب المعادلة وأدى إلى ظهور أصوات تطالب الكيان الصهيوني برفع الحصار عن سكان قطاع غزة من دون ربط ذلك بنزع سلاح المقاومة؛ لكن الأحزاب الصهيونية المشاركة في الائتلاف الحكومي للكيان الصهيوني لم تتفق بعد على صيغة نهائية لرفع الحصار. فيما يصر ما يسمى بوزير جيش الكيان الصهيوني أفيغدور ليبرمان على إطلاق سراح الجنديين الصهيونيين، وتسليم جثتي الجنديين الآخرين أولاً، بينما يُبدي وزراء آخرون مواقف أكثر مرونة؛ حيث ظهر موقف جديد في حكومة الكيان الصهيوني يُطالب برفع الحصار عن سكان قطاع غزة، وإقامة مشاريع حيوية فيه تجعل حركة حماس تتردد كثيراً في خوض أي مواجهة عسكرية مع الكيان الصهيوني خشية خسارتها.

     لكن النقاش داخل حكومة الاحتلال الصهيوني لم يُحسم بعد لمصلحة أي من الطرفين المتناقضين؛ سواء باستمرار الحصار أو إنهاء الحصار؛ خوفاً من انفجار الأوضاع بقطاع غزة أكثر مما عليه، وسبب هذا الخلاف هو خشية وزراء الاحتلال الصهيوني على شعبيتهم الانتخابية في الكيان الصهيوني.

لكن بالنهاية معظم الوزراء بحكومة الكيان الصهيوني في أحاديثهم الخاصة يؤيدون اتخاذ قراراً يسمح بتحسين حياة مليوني فلسطيني يعيشون في قطاع غزة؛ من دون شبكة صرف صحي أو كهرباء أو مياه صالحة للشرب، أو حرية الحركة في التنقل خارجياً من وإلى قطاع غزة.

أما الطرف الآخر والمنحاز علناً للكيان الصهيوني الإدارة الأميركية بادرت بتنسيق واضح مع الكيان الصهيوني لعقد مؤتمر خاص في واشنطن لبحث الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في القطاع؛ لكنها اشترطت ذلك بمشروعها السياسي الذي تريد فرضة والمسمى بصفقة القرن؛ حيث سعت جاهدةً إلى تشكيل إدارة محلية لسكان قطاع غزة بعيداً عن السلطة الفلسطينية، لكن هذه الفكرة لم تجد أي تعاون او قبول محلي فلسطيني معها، مما حدا بالإدارة الأمريكية  إلى التوجه إلى الأمم المتحدة لتنفيذ هذه المشاريع الإنسانية والاقتصادية في قطاع غزة.                             

       إَّن الأمم المتحدة سعت إلى توفير دعم مالي دولي لمواجهة المشكلات المتفاقمة في قطاع غزة، ولكنها واجهت مشكلة كبيرة من جانب الكيان الصهيوني المحتل الذي لم يحسم موقفها ولم يتخذ قراراً نهائيا بعد.

 إَّن التصعيد الأمني الحاصل من الكيان الصهيوني في مواجهة مسيرات العودة المتصاعدة يومياً بأشكالها المختلفة على السياج الأمني مع قطاع غزة قد يتدحرج إلى حرب ستكون قاسية وصعبة من الحروب الثلاثة التي جرت على قطاع غزة خلال العشر سنوات الماضية المترافقة والمتزامنة مع الحصار المغلق والقاسي على سكان القطاع.

   إَّن سكان قطاع غزة في أمس الحاجة إلى خطط طوارئ فورية وعاجلة؛ لتوفير متطلبات الحياة الضرورية من المياه والكهرباء والصحة وحرية الحركة والتنقل وفتح المعابر في القطاع، لكن تحقيق ذلك يتطلب تعاون جميع الأطراف في المنطقة داخلياً وخارجياً.                             

إنَّ الأوضاع في قطاع غزة غير طبيعية وغير صحية؛ حيث الانقسام البغيض، والخلافات الداخلية الفلسطينية لا تزال تعيق تنفيذ تلك الخطط والمشاريع الإنسانية والاقتصادية والتي وافق عليها الكيان الصهيوني ظاهرياً، حيث بلغ عدد هذه المشاريع 130 مشروعاً، تم إقرارها بعد مؤتمر المانحين الذي عُقد في شرم الشيخ عقب الحرب التدميرية على سكان قطاع غزة في عام 2014؛ التي استهدفت تدمير البنية التحتية لسكان قطاع غزة بصورة كبيرة.

أما بالنسبة إلى دور جمهورية مصر العربية فيُعتبر الطرف الموثوق به؛ وهى الحاضنة للقضية الفلسطينية على مدار عشرات السنين، وهى المؤثر الأكبر والوحيد علي حدود قطاع غزة، من الناحية الجنوبية للقطاع، والناحية الشمالية لها، وترغب في فتح معبر رفح الحدودي مع القطاع؛ لكنها تسعى بأن يكون ذلك من خلال إتمام اجراءات المصالحة الفلسطينية، واستلام الحكومة الفلسطينية كل مؤسسات السلطة الفلسطينية، وتواجدها على المعبر.

وعليه فإننا نري أن المصالحة الفلسطينية هي الطريقة الوحيدة والأسرع لإنقاذ المشروع الوطني الفلسطيني، وإنقاذ سكان قطاع غزة من الأزمات المحدقة به جراء كل ما ذُكر آنفاً؛ لتوحيد الشعب والوطن، وتشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة، تتسلّم كل المؤسسات والوزارات والمعابر بصورة كاملة وفاعلة، ويتم الاتفاق على تحديد موعد لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني خلال ستة شهور، وبعد ذلك يتم الاتفاق على مدة زمنية أخرى تُقدر بستة شهور أُخرى لإعادة بناء وتطوير وهيكلة مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية؛ بإشراف ورعاية وضمانة دولية ومصرية وجامعة الدول العربية.

التعليقات