عاجل

  • (القناة 12) الإسرئيلية: نتنياهو أبلغ عائلات الأسرى خلال لقاء بواشنطن أنه لا يمكن إنجاز صفقة شاملة بل جزئية

  • 63 شهيدًا في غارات إسرائيلية على قطاع غزة منذ فجر الخميس

  • وزير الخارجية الأمريكي: متفائلون بشأن اتفاق غزة وويتكوف سيعقد محادثات غير مباشرة قريبا

من ذكريات حرب حزيران 1967 !!

من ذكريات حرب حزيران 1967 !!
د. عبد القادر فارس

تحل اليوم الخامس من يونيو ( حزيران ) الذكرى الحادية والخمسون , لما أطلق عليه العرب ( النكسة ) , أو حرب الأيام الستة .. لا زلت أذكر ذلك اليوم بكل تفاصيله الدقيقة , عندما كنت فتي يافعا, أنتظر بعد أسبوعين عيد ميلادي السابع عشر , بعد أنهيت الصف الثاني ثانوي بأيام قليلة ... كان ذلك في يوم اثنين من منتصف الأسبوع الأول من ذلك الشهر ( شهر ميلادي , وشهر النكسات والخيبات والخيانات ) , كان الجيش المصري قد وضع دبابة قديمة من طراز ( تي 52 ) على بعد عشرين مترا من منزلنا على مفترق شارع البحر بمدينة خان يونس .. وفي حدود التاسعة صباحا أصوات انفجارات قوية , وصوت طائرات في السماء , وحديث الناس عن تقدم لآليات ومدرعات اسرائيلية من الحدود الشرقية ... إنها الحرب إذن , لجأ الناس للملاجئ والأدوار السفلى ( البدرم ) , واناس يتركون البيوت تجاه المزارع والمواصي على شاطئ البحر طلبا للأمان .. في اليوم الثالث من الحرب صوت انفجار يهز منزلنا بقوة , إنها قذيفة مضادة للدبابات تدمر الدبابة المتوقفة عند منزلنا , زجاج الشبابيك يتحطم , والرعب يدب في الجميع , رائحة حريق بالخارج , لا نعلم مصير من كان بالدبابة , ربما تحولوا إلى رماد مع الحديد المنصهر والوقود الملتهب .. يا للهول إذن اليهود على بعد أمتار منا , بعد أن قيل أنهم وصلوا شارع جلال بدبابات تحمل الاعلام المصرية والعراقية , وحديث عن بسالة جنود جيش التحرير الفلسطيني من كتيبة عين جالوت ومركزها جورة العقاد , التي لا تبعد عن منزلنا سوى بمئات الأمتار,, في اليوم السادس أعلن عن انتهاء الحرب بعد أن وصلت قوات الجيش الاسرائيلي إلى قناة السويس , واستولت في طريقها على قطاع غزة , بعد معارك بطولية خاضها جنود الجيش المصري وجنود جيش التحرير الفلسطيني ... الخوف والرعب يملأ قلوب الكبار الذين شهدوا مجازر حرب 1956 , عندما ارتكبت قوات الاحتلال في العدوان الثلاثي مجازر راح ضحيته مئات الشباب , وعلى الأخص مجزرتي خان يونس ورفح , حين كان يتم اخراج الشباب من المنازل , وصفهم على الجدران رافعين أيديهم , وتتم عمليات قتلهم برصاص الاجرام والحقد ... هذا المشهد خشي الأهالي أن يتكرر في حزيران النكسة ... بدأت مكبرات صوت جيش الاحتلال تطلب من الأهالي الالتزام بالبيوت بعد فرض منع التجول , لأن الجيش سيقوم بتفتيش البيوت بحثا عن الجنود والفدائيين والشباب ,,, وصل الدور لبيتنا , دق الجند باب البيت خرجت لهم والدتي , سألتهم ماذا تريدون , قالوا ( وين شباب .. في عندك شباب ) ردت والدتي لا يوجد سوى أطفال صغار ووالدهم الكبير ( كان والدي في الخمسين من عمره لكنه يبدو أكبر بسبب الشيب الذي غزا شعر راسه ) , رفضوا كلام أمي , واصروا على الدخول للتفتيش , كان والدي رحمه الله , قد طلب مني الاختباء في سدة الحمام في المطبخ حيث تتخذ مخزنا للمونة , والأغراض التي لا نحتاجها , وتم تغطيتي بها , قابلوا والدي وسألوه عن مهنته واسمه , كان الضابط قائد الدورية يتحدث العربية بطلاقة , فعرف والدي أنه درزي , أجابه والدي وأخبره أنه مدير مرسة , وذكر له اسمه بالكامل , وعندما وصل إلى لقب العائلة ( فارس ) , قال وأنا من عائلة فارس الدرزية بالجليل , وطلب من الجنود الخروج وعدم اكمال التفتيش , وأنا على أعصابي ( مختفيا) في حرارة ذلك اليوم بين الأمتعة ومخزنات المونة فوق سدة الحمام , حضرت والدتي , وازاحت عني ما أخفاني , وهي تدعو الله وتحمده أن أعماهم عني .. لكن بعد أيام أخذت مكبرات الصوت تنادي أن على الشباب من سن 16 إلى 40 عاما , الخروج إلى تجمعات في استاد خان يونس غرب المدينة , وساحة سينما الحرية وسط البلد , توجهنا أنا ووالدي إلى الاستاد , لكن الجنود القريبين من بيتنا أعادوا والدي , وطلبوا مني التوجه لتجمع الاستاد رافعا يدي من المنزل إلى الملعب , هناك كان المئات من الشباب , طلبوا منا الجلوس القرفصاء رافعين الأيدي فوق رؤوسنا تحت شمس حارقة لعدة ساعات , كان الوضع صعبا ومؤلما , ومن يتحرك أو يجلس , أو يريح يديه على جانبية , يتعرض للضرب بأعقاب البنادق , أغمي على البعض منا جراء الحر والعطش والضرب , وبعد هذا العذاب , شاهدنا عشرات الشاحنات العسكرية والحافلات تحضر , أخذنا نحدث أنفسنا , إنهم سيأخذوننا إلى مكان أعد لقتلنا جماعات وجميعا , أخذ ضابط ينتقي ويميز بين الشباب , ويقول أنت إلى الباص , وأنت ( روخ لبيتا ) , أي "اذهب لبيتك" , وعندما وصل إلي قال لي وكان حجمي ضئيلا وضعيفا , وأبدو أصغر من عمري : ( انت ولد روخ لبيتك ) , رجعت للبيت حامدا لله , ووجدت الوالد والوالدة في حالة رعب شديد , وأخوتي الصعار حولهما في انتظار ما سيجري لي .. سجد والدي سجدتي شكر لله , وأخذت والدتي تحتضنني وتبكي وتحمد الله على سلامتي ... سمعنا في نهاية اليوم أن الحافلات التي أقلت مئات وربما آلاف الشباب تم نقلهم إلى قناة السويس , وهناك ألقوا بهم , ليعبروا إلى مصر في عملية تهجير ( ترانسفير ) لإفراغ القطاع من الشباب , حتى لا تكون هناك مقاومة للاحتلال بعد ذلك من الشباب ,, ولا تزال تلك الذكريات مرسومة ومطبوعة ومعششة في ذهني رغم مرور نصف قرن من الزمان على حزيران الأول عام 1967 !!

التعليقات