الإستعمار بعد نصف قرن

الإستعمار بعد نصف قرن
نبض الحياة 

الإستعمار بعد نصف قرن

عمر حلمي الغول 

اليوم الثلاثاء الخامس من حزيران/يونيو 2018 يكون الإستعمار الإسرائيلي تجاوز نصف القرن في إحتلاله للإراضي الفلسطينية والعربية وخاصة الجولان السورية، وولج عامه الثاني من النصف الثاني من القرن. وهو ماض قدما في تأصيله للعملية الإستعمارية دون أدنى تردد، أو دون إستشعار بضرورة إعادة النظر في جريمة الحرب، التي نفذها منذ واحد وخمسين عاما خلت، وكل يوم يضخ فيها بشكل مخطط ومدروس روح إسبارطة الحربية، ويضاعف من صعوده نحو النازية، غير آبه بالقانون والمواثيق والشرائع الدولية. لإن دولة الإستعمار الإسرائيلية "محصنة" و"محمية" من الشرعية الدولية، كون الولايات المتحدة الأميركية والغرب الرأسمالي يقف معها وخلفها، ويغطي وحشية جرائمها الوحشية ضد الشعب العربي الفلسطيني. 

اليوم في الذكرى ال51 لهزيمة ونكسة حزيران/ يونيو 1967، رغم كل جرائم دولة الإستعمار الإسرائيلية فإن الدول العربية  بدل تعزيز عوامل الصمود والمواجهة لإنتهاكات ومجازر حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، للأسف الشديد تركض بتفاوت، ودون ضوابط في عملية التطبيع المجانية معها، وقبل أن يحصل اشقاءهم الفلسطينيون على الحد الأدنى من حقوقهم السياسية. وهذة مفارقة غير إيجابية، تشير إلى مدى الإنهيار في المبنى السياسي الرسمي العربي، الذي لم يعد يحد من سقوطه السياسي اي ناظم أو ناموس وطني أو قومي أو أخلاقي، وباتت مصالح الحكام والأنظمة السياسية فوق أي إعتبار. 

وهذا التحول النوعي عميق السلبية في بنية أهل النظام الرسمي ناتج عن غياب الحد الأدنى من معايير الشراكة السياسية، والمصالح العربية المشتركة، ولعدم تمكن الدول من بناء قواعد إقتصادات وطنية مستقلة بالمعنى الدقيق للكلمة، وبعيدا عن التبعية لسوق الغرب الرأسمالي، وايضا نتاج غياب الحد الأدنى من الأمن القومي العربي، وترسخ الإعتقاد السائد في الأوساط العربية الرسمية سياسة "اللهم إلآ نفسي"، والنأي بالذات عن الآخر العربي، و نفض اليد من أية شراكة عربية حقيقية، وعدم الثقة بالآخر العربي، ليس هذا فحسب، بل بإزدياد الإعتقاد ان بعض الدول الشقيقة تعمل ضد الدول الآخرى، مما وسع الهوة والجفاء والإحتقان فيما بين دول الوطن العربي. وتعمق هذا بعد سلسلة الإنهيارات في المنظومة السياسية العربية في أعقاب حرب الخليج الثانية، وفي إثر إحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة وشركائها، ثم مع تداعيات الربيع العربي، وتمكن أميركا وإسرائيل وحلفائها من العرب الرسميين وجماعة الإخوان المسلمين بتطبيق مبدأ "الفوضى الخلاقة" عبر خلق جماعات التكفير والإرهاب بإسم الدين والطائفة والعرق، وفي المقابل غياب البديل العربي، وتشظي وتمزق الحالة العربية، كما لم تشهده من قبل في العصر الحديث. 

   ما تقدم سيضاعف من المصائب والبؤس والتفسخ في المستقبل غير البعيد في العالم العربي، أكثر مما يعيشه الآن من تراجع وإنحدار في المعايير والنظم والسياسات والقيم ومحددات الأولويات. ولا يبدو في الأفق ما يمكن الرهان عليه للحد من عملية الإنحطاط، التي تعيشها شعوب الأمة العربية، لا سيما وإن الحركة الشعبية العربية تعاني من حالة موت اكلينيكي قاتل، هناك غيبوبة غير مشروعة، وغير مبررة، وغير مفهومة، الأمر الذي يسمح لإهل النظام الرسمي أن يواصلوا خياراتهم غير الوازنة والعبثية، التي تعمق حالة الإستلاب والهزيمة والتبعية للولايات المتحدة وحليفتها الإستراتيجية إسرائيل الإستعمارية.

واحد وخمسون عاما من هزيمة حزيران القاتلة، التي لم تتمكن قوى الثورة الفلسطينية وحركة التحرر العربية من وقف تدحرجها نحو الهاوية. حيث تمكن اهل النظام العربي الرسمي من تطويع تلك الحركات والقوى، وإخضاعها لمشيئة الحكام وحساباتهم الشخصية نتيجة غياب قيادات وطنية وقومية شجاعة وملتزمة بقضايا شعوبها وأمتها العربية، وغياب الديمقراطية الحقيقية. 

لذا فإن تغول إسرائيل وأميركا ومن خلفهم أضرابهم، هو تغول ينسجم مع غياب العرب عن المشهد السياسي الحقيقي في الإقليم والعالم. وفي الوقت الذي ترفع فيه القيادة الفلسطينية لواء المعارضة والتحدي لسياسات إسرائيل وأميركا، يتساوق بعض العرب معهم، ويتواطؤا على المصالح الوطنية والقومية، الأمر الذي يستدعي من القوى الوطنية ان تنفض غبار العار والهزيمة عن ذاتها وتنهض لتدافع عن مصيرها وعن شعوبها ومستقبل ابناء الأمة كلها. 

[email protected]

[email protected]          

التعليقات