سعد: الأمن المستدام يبدأ من توفير مصدر رزق مستدام للعمال

سعد: الأمن المستدام يبدأ من توفير مصدر رزق مستدام للعمال
رام الله - دنيا الوطن
ألقى "شاهر سعد" أمين عام اتحاد نقابات عمال فلسطين، عضو مجلس إدارة منظمة العمل الدولية، وعضو المجلس المركزي الفلسطيني، كلمة الشغيلة والعمال الفلسطينيين، أمام الوفود المشاركة في مؤتمر العمل الدولي في دورته السابعة بعد المئة، الذي افتتح في قاعة قصر الأمم في العاصمة السويسرية جنيف.

جاء ذلك في سياق مشاركة المسئول الفلسطيني في المؤتمر المذكور،  والذي يلتئم سنوياً من (28 أيار – 8 حزيران) في مدينة جنيف بمشاركة 5000 مندوب من 187 دولة من دول العالم، يمثلون الحكومات والاتحادات العمالية وأصحاب العمل، بالإضافة إلى ممثلي المنظمات والهيئات الدولية والإقليمية، ومن الجدير ذكره أن وزير العمل الأردني "سمير مراد" ترأس هذه الدورة من دورات مؤتمر العمل الدولي.

ومن وظائف المؤتمر الأساسية تحديد السياسات العامة للمنظمة الأممية، والتي تتسم عادة بالتأيد الشديد لقضايا دول الجنوب بما في ذلك مساندة الحق الفلسطيني؛ حيث عرض مدير عام منظمة العمل الدوليه "جي رايدر" تقريره السنوي أمام المؤتمر المذكور، والذي تضمن هذا العام العديد من المحاور المهمة ومنها وصفاً مرضياً لحالة العمال في الأراضي العربية المحتلة عام 1967م، ومبادرة المرأة في العمل، وإدماجها في سوق العمل، للارتقاء بمكانتها، وهو تدبير يسهم في تحقيق مآرب  المجتمع الدولي الهادفة إلى الحد من الانتهاكات التي تتعرض لها النساء في مواقع العمل، بما في ذلك القضاء على العنف والتحرش ضدها وضد الرجل على حد سواء؛ سعياً لتحقيق المساواة الكاملة بين الجنسين، كما ناقش المؤتمر عدداً من الموضوعات الفنية ومنها (أفق عام 2030م - التعاون الإنمائي الفعال دعماً لأهداف التنمية المستدامة)، وتعميق مقاصد الحوار الاجتماعي ومضاعفة انتاجيته، وتنمية روح التعاون الثلاثي بهدف التصدي لتحديات عالم العمل والتحديات التي تواجه التعاون الدولي.

كما ناقش المؤتمرون سبل وخيارات التعاون الإنمائي لمنظمة العمل الدولية في سياق إصلاح منظومة الأمم المتحدة، وتحسين شروط العمل اللائق، كما ناقشت لجنة تطبيق المعايير المنبثقة عن المؤتمر على نحو معمق، حقوق العمال في مختلف دول العالم، وقيمت مسحاً عاماً أجري على معايير وقت العمل، بما يعكس خبرة الدول الأعضاء.

كما نظمت المجموعة العربية بدعوة من "فايز علي المطيري" مدير عام منظمة العمل الدولية، جلسة خاصة للتضامن مع عمال وشعب فلسطين، تحت عنوان (الملتقى الدولي للتضامن مع عمال وشعب فلسطين والأراضي العربية المحتلة الأخرى) على هامش مؤتمر العمل الدولي، بحضور مدير منظمة العمل الدولية "جي رايدر" للنظر في الانتهاكات الجسيمة التي يتعرضون لها من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، وفي سوق العمل الإسرائيلي، ومنح هذا الملف بعده القومي والتاريخي الذي يستحق، وطلبت المجموعة العربية من مؤتمر العمل إثارة ملف الانتهاكات الإسرائيلية المنفذة على العمال الفلسطينيين، وطالبت بإدانة المجارز الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.

كلمة شاهر سعد

عودة على بدء، حيث أكد "شاهر سعد" في كلمته أمام الحضور مساء الرابع من حزيران 2018م، وهو الموافق للذكرى الحادية والخمسون لاحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، وهضبة الجولان السوري خلال حرب عام 1967م، وهي الأراضي التي ما زالت تخضع مع سكانها لشتى صنوف القهر والإذلال على يد الحكومة الإسرائيلية والمستعمرين اليهود الذين جلبتهم من مختلف بقاع الأرض لاستعمار الأراضي العربية وسلب خيراتها وتهجير سكانها منها.

ودعا "سعد" في كلمته الحكومة الإسرائيلية إلى الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، على غرار  انسحابها من شبه جزيرة سيناء في عام 1982م، وعدم وضع العراقيل أمام حل الدولتين والسماح للشعب العربي الفلسطيني باقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

كما قدم "سعد" أمام الحضور عرضاً للأحوال العامة التي يكابد يومياتها العمال الفلسطينييون والعاملات، التي تتصدرها آفة البطالة وارتفاع عديد الملتحقين بها في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهم الذين تجاوز عددهم حاجز الــ (400.000)، وتعاظم المخاطر المحيطة بذهابهم وإيابهم من وإلى مواقع العمل في إسرائيل، حيث قال:  " الأحوال العامة في منطقتنا العربية سيما الأراضي العربية الفلسطينية تزداد سوءاً للأسف الشديد؛ وما بين الدورة الأخيرة لهذه المؤتمر وهذه الدورة استقبلنا بعثة تقصي الحقائق التي استمعت للعديد من الشهادات الحية والمبكية من عمالنا وعاملاتنا، الذين يتعرضون لشتى صنوف الظلم والتجبر الإسرائيلي الرسمي وغير الرسمي. المتصفان بالقسوة والمناهضة السافرة لمعايير ونظم العمل السارية على مستوى العالم؛ والمنتجان للانتهاكات الفظة والقاسية لحقوق العمال، بدءاً من حرمانهم من الوصول الحر والآمن لأماكن عملهم، مروراً بإجراءات تفتيشهم المذل داخل المعابر الحدودية العسكرية، وانتهاءاً بملاحقتهم واعتقالاهم أو قتلهم".

حيث يقوم موظفي الشركات الأمنية الإسرائيلية التي تدير المعابر الحدودية بإجبار العمال والعاملات على خلع ملابسهم بالكامل لدواعي التفتيش الأمني والتدقيق، ما يتسبب بتأخيرهم عن الوصول المناسب لأماكن عملهم؛ وبالتالي طردهم منه، وجعلهم عرضة لابتزاز سماسرة بيع تصاريح الدخول لإسرائيل طلباً للعمل، وهي ظاهرة إجرامية تكونت كخلاصة لتواطؤ الحكومة الإسرائيلية مع رجال أعمال وضباط مخابرات إسرائيليين؛ ومن يعمل معهم من الجانب الفلسطيني، وجميعهم يشكلون منبع الظاهرة المزدهرة خارج نطاق القانون وخارج الاتفاقيات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، ومنها اتفاقية باريس الاقتصادية سيما المادة (37) منها، التي حددت مرجعية دخول وخروج العمال من وإلى إسرائيل بمكاتب الاستخدام الإسرائيلية والفلسطينية وليس سماسرة بيع التصاريح أو غيرهم".

يحدث ذلك بعد مضي خمسة وعشرين عاماً على التوقيع المشترك على اتفاق السلام الفلسطيني الإسرائيلي، وفقاً لما نطق به تقرير معالي المدير العام "جي رايدر"، الأمر الذي أثرى الإحساس بفقدان الأمل والشعور المتعاظم بالضيق والظلم، وتسبب بردة المؤمنون بالسلام على أعقابهم، وتعاظم نفوذ الرافضين له، في ضوء فشل الحلول والمبادارات السلمية كافة وفي مقدمتها فشل حل الدولتين.

في ضوء توسع السيطرة الاستعمارية الإسرائيلية على كامل منطقة الضفة الغربية، التي حطمت أي إمكانية لنجاح مشاريع ومبادرات التنمية، مضاف لذلك مواصلة إسرائيل حصارها للقدس الشريف وقطاع غزة، اللتان تعانيان من العزلة والتهميش التام، والعبث بمستقبليهما تحت وطأة التضيق على سكانهما ودفعهما للهجرة خارج الديار.

وأضاف سعد "هذه هي البيئة التي ازدهرت تحت ظلالها البطالة؛ التي اعتبرت الأوسع والأعلى على مستوى العالم، وتعاظمت إلى جانبها معدلات الفقر، ونشأت معهما جيوباً للجوع لم تعهدها فلسطين طيلة تاريخها الحديث؛ كما يتلقى المجتمع المحلي يومياً إشارات مزعجة عن تدهور الأوضاع الاجتماعية بدلالة تزايد حالات الانتحار والفرار من مصاعب الحياة ومشقاتها وخاصة في قطاع غزة، يعني ذلك أن سوق العمل الفلسطيني يزداد ضعفاً وهشاشة، في ضوء عدم تمكن القطاعين الحكومي والخاص من استحداث فرص عملة مستجيبة لارتفاع عدد طالبي العمل، من الخريجين والخريجات وغيرهم من الشباب والشابات، ما يفاقم معضلتي حرمان النساء في سوق العمل الفلسطيني وعدم تمكين الشباب، الذين وصلت معدلات البطالة بينهم إلى 50%، ويخفض مشاركتهم في سوق العمل المحلي، رغم تحصلهم على مستويات تعليم مناسبة، لتحتل فلسطين المكان الأسوء في هذا المضمار من بين دول المنطقة العربية".

أمام هذه الحقائق المروعة عن حالة العمل والعمال في فلسطين، أوجه ندائي للأطراف المتحكمة بمصير الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة وهما الحكومتان الفلسطينية والإسرائيلية للعمل على مراجعة قواعد العمل الأمني المشترك وليتذكرا بأن الأمن لم ولن يكون مقدساً أكثر من لقمة عيش العامل، فكما أن هناك اتفاق وتنسيق وعمل أمني مشترك، يجب أن يكون هناك تنسيق فلسطيني إسرائيلي مشترك لتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية للفلسطينيين، والبحث عن مخارج تفكك تكدس المتعطلين عن العمل داخل مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة، لأن الذي يدعي بأن سوق العمل الفلسطيني والإسرائيلي سوقان منفصلان، ولا يؤثران سلباً وإيجاباً على بعضهما البعض لم ينطق بالحق، وأن تجاهل هذه الحقائق التي تغلي على مراجل النيران لن يُبقي للعمل الأمني المشترك أي فائدة وسيزعزع ديموته؛ ويجعله بلا أي فائدة ترجى منه، إن السعي لتحقيق الأمن المستدام، يبدأ من توفير لقمة عيش ومصدر رزق مستدام لمن يحتاجهما قبل أن ينفلت القهر من عقاله.

زيارة المدير العام للأراضي العربية الفلسطينية المحتلة

قام "جي رايدر" مدير عام منظمة العمل الدولية بزيارة فلسطين، بتاريخ 20 نيسان 2018م، افتتح خلالها مؤسسة الضمان الاجتماعي، التي ستبدأ العمل في الأسبوع الأول من شهر حزيران 2018م، وتم التوقيع بحضوره على مذكرة برنامج العمل اللائق في فلسطين، 2018م – 2022م، التي تضمنت تحديداً لآليات التعاون ودعم برنامج العمل اللائق المشمول في أجندة السياسات الوطنية الحكومية للأعوام 2018م – 2022م، وزيادة فرص العمل، وتعزيز حوكمة العمل على قاعدة تطبيق المبادئ والحقوق الأساسية في العمل بما يشمل حرية تنظيم العمل النقابي، وتعزيز المفاوضات الجماعية، وتحسين آليات الحوار الاجتماعي، بالإضافة إلى توسيع نطاق الحماية الاجتماعية ودعم تنفيذ نظام الضمان الاجتماعي في فلسطين.

كما أطلع وشاهد بأم عينه على مقاطع مؤثرة من وجع العمال والعاملات، ونحن قدرنا عالياً تعاطفه الصادق معنا، وهو امتداد لمواقفة التي لم تتغير منذ أن عرفناه، ومن قبله استقبلنا بعثة تقصى الحقاق المبتعثة من منظمة العمل الدولية، المكلفة بوضع تقريرها أمامه.

ومما لاشك فيه أن تقرير البعثة كان مرضياً لنا، ونحن ملزمون بتوجيه أصدق كلمات الشكر والامتنان لكل عضو في البعثة، ولمكتب منظمة العمل الدولية في القدس الشريف، لكن من المعلوم للجميع أن حكومة دولة الاحتلال الإسرائيلي لا تكترث بأي من تقارير أممية؛ ولا بتوصيات الهيئات الدولية، أمام ذلك أريد أن أوجه سؤالي لمعالي المدير العام وللإخوة والأخوات من ممثلي الحكومات وأصحاب العمل والعمال، أما آن الآوان أن نلبس تقاريرنا وتوصياتنا وقراراتنا اللبوس التي تلزمها لتصبح مهابة الجانب؛ وذات أثر لدى الجهات المطلوب منها الامتثال لها، وفي مقدمة تلك الدول دولة الاحتلال الإسرائيلي.

في النهاية لا بد لي من توجيه كلمة شكر لمنظمة العمل الدولية على رعايتها ومتابعتها للعديد من البرامج الحيوية في فلسطين، ومنها قانون الحد الأدنى للأجور، وقانون الضمان الاجتماعي، 

في نهاية المؤتمر عقد "شاهر سعد" العديد من اللقاءات الثنائية مع رؤساء الوفود العربية والصديقة، منهم الدكتور "المهدي ورضمي الأمين" وزير العمل والتأهيل الليبي، ورئيس المجموعة العربية للمؤتمر، ومع خمسة عشر وزير عمل من مختلف دول العالم، ومع "جيم بوملحة" الرئيس السابق للاتحاد الدولي للصحفين"  ومع "كتر بلر" رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال السويد، ومع رئيس اتحاد نقابات عمال النيجر، ومع أمين عام اتحاد نقابات عمال بريطانيا، ومع رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال أمريكا، ومع رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال اليابان ومع أمين عام اتحاد نقابات عمال جنوب شرق آسيا والمحيط الباسفيكي، ومع أمين عام الاتحاد الدولي للنقابات، وأمين عام الاتحاد العربي للنقابات، وأمين عام منظمة الوحدة النقابية الإفريقية، ومدير عام منظمة العمل العربية، وتناولت جميع اللقاءات قضايا الاهتمام والعمل المشترك، والتوافق على آليات عمل متسقة من شأنها الإسهام في التخفيف عن عمالنا ورفع الظلم عنهم.