غزة، الأزمة، والحصار، والصدمة

غزة، الأزمة، والحصار، والصدمة
بقلم د يسر الغريسي حجازي

28.05.18

  غزة، الازمة، والحصار، والصدمة 

 "لا تتحدث حكومة إسرائيل الا عن ضمان امن اسرائيل، والاعتراف بيهوديتها، ومصالحها كلها مهمة عند الحديث عن اقامة دولة فلسطينية".

بعد العملية العسكرية الإسرائيلية في عام 2012 ، تم التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس،وحركة الجهاد الإسلامي في غزة. كما تم تأسيس اتفاقية بضمانة الحكومة المصرية تحت قيادة الرئيس المصري المرسي في ذلك الوقت، باشراف وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون. كان ينظر إلى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية على أنها نجحت من وجهة النظر الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، بالتزامن مع استمرار حماس في تكرار كلمة انتصار بعد كل عدوان يقوم به الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة. ان حماس في غزة ضد السلطة الفلسطينية في رام الله، وضد سكان غزة الموالين للسلطة, وهي تحكمهم بالنار والحديد. واخر انتصارحسب حركة حماس كان في سنة 2014, واستهدف أكثر من 3000 مدني فلسطيني، وكانت الحرب الأكثر دموية من حروب سنوات 2012 و2008. 

في المقابل ، قتل 72 إسرائيليًا فقط من بينهم 67 جنديًا ، بالإضافة إلى 555 جريحًا جنود اسرائيليون.

بعد 11 عامًا من سيطرة حماس على قطاع غزة ، فشلت جميع محاولات المصالحة الفلسطينية الداخلية ، مما عزز الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة لدرجة خنق غزّة والاطاحة بسكانها، الذين يلذون بالفرار كل ما يفتح المعبر المصري في جنوب قطاع غزة. إن الوضع الإنساني والصحي هو مصدر قلق للمنظمات الدولية لحقوق الإنسان ، حيث وصفت الظروف المعيشية بأنها غير إنسانية وقاسية للشعب الغزي المحاصر من قبل حماس من جهة،  ومحاصر من إسرائيل من جهة أخرى، ومعاقب من السلطة الفلسطينية في رامالله. يتم مقارنة قطاع غزة بسجن كبير لمليوني شخص متجمعين على مساحة 365 كيلومتراً مربعاً ، محرومين من حقوقهم الأساسية و من الحياة الكريمة. هكذا وجدوا سكان غزة أنفسهم في عدوان مستمر، ودوامة صراعات سياسية بين حزبان يناضلان من أجل السلطة والنفوذ وهما حماس وفتح، بسبب انهما اقوي حزبان في فلسطين. 

 لكن رغم ذلك ، فإن قرار السلطة الفلسطينية باتخاذ إجراءات عقوبية ضد سكان غزة ، مثل الحد من الكهرباء، والأدوية، والوقود، والمساعدة الاجتماعية، وتحويل المرضى، وإغلاق الحدود، وحرمان موظفين السلطة من رواتبهم، سوف يؤدي إلى التصعيد السياسي، والتراشق بين حماس والأحزاب السياسية الأخرى مع حركة فتح في الضفة ، الأمر الذي يساهم في زيادة تفاقم الأزمة الإنسانية  في غزة مع عواقب كارثية على سكانها، الذين اصبحوا عاجزين في مواجهة العديد من العقوبات الاقتصادية والاجتماعية، والإنسانية. 

من المفترض أن تعمل هذه الإجراءات على شل حركة حماس في الحفاظ على نظام غزة ، وببساطة وبكل صراحة لم تاتي بالنتائج المرجوة، كما أن هذه العقوبات لا تؤثر حتى على حماس ، بل تؤذي سكان غزة الذين تحولوا إلى معدمين. وحاولت إسرائيل مراراً وتكراراً ممارسة الضغط على حماس وجناحها العسكري في غزة ، من خلال الحكومة المصرية  لاقناعها بالتعاون الأمني فيما يتعلق حماية الحدود بين إسرائيل وغزة ، ومكافحة الإرهاب حسب اقوال الحكومة الاسرائيلية ، والتي ستكون هي المستفيد الوحيد من الاتفاق الامني. لم تنجح حماس حتى الآن في كسب ثقة الحكومة الإسرائيلية ، ولا حكومة ترامب التي صنفت حماس من ضمن المنظمات الإرهابية.

من ناحية اخري، تستمر إيران بتمويل حماس ، التي تقوم بتخزين المساعدات الإنسانية والوقود و غاز الطهي، لابقائها مستعدة لاي هجوم محتمل مع القوات العسكرية الإسرائيلية. 

من الغريب أن نرى كيف كانت حركة حماس حريصة  طوال 11 عامًا علي حماية المناطق العازلة مع إسرائيل ، وكانت تطلق النار من مسافة قريبة على أي مجموعة مسلحة تحاول إطلاق الصواريخ ف علي الداخل الاسرائيلي. 11 سنة من الانتظار لحماس، و التي فشلت في إقناع إسرائيل برفع الحصار المفروض على قطاع غزة، أو حتى الدخول في محادثات مباشرة مع الحكومة الإسرائيلية. 

من الواضح أن حماس تواجه صعوبة كبيرة في الحفاظ على الوضع الأمني في قطاع غزة ، بسبب الفقرالمتزايد ، والإجراءات العقابية التي فرضتها السلطة الفلسطينية علي سكان غزة، بالاضافة الي الحصار الاسرائيلي . لا شك انه لا يوجد من يريد عقد اتفاقات مع حماس. و إن الجهود المبذولة و العديد من المحاولات الرامية إلى المصالحة الفلسطينية الداخلية مع حماس وفتح باتت عقيمة ، حيث يبدو أن بعض كبار المسؤولين في كلا الجانبين لا يريدون الوحدة الفلسطينية. يمكن للمرء أن يشاهد تلك التحفظ بسهولة من خلال اجتماعات اللجنة المركزية،  وفي اخر دورة للمجلس الوطني الفلسطيني في رامالله، أي ان بعض قادة الصف الفلسطيني لا تخفى معارضتها لرفضها رفع العقوبات على قطاع غزة وصرف رواتب موظفيها. بالنسبة لهم ، يجب أن تكون السلطة الفلسطينية منفصلة عن غزة و تابعة لرام الله. من ناحية اخري، إسرائيل غير مرنة بشأن الحالة الانسانية في غزة، وهي معنية  باستمرار حالة  الانقسام الفلسطيني، و قلقها الوحيد هو مواصلة الحصار على غزة، وابقاء الوضع المروع  لأجبار السكان على الفرار من قطاع غزة. وقد أوضحت حماس  موقفها من خلال زعيمها الحالي  في غزة يحيى السنوار، الذي اكد  أن حماس ستواصل طريق المقاومة الشعبية على الحدود مع قطاع غزة، في حين تبذل حركة حماس كل جهد ممكن لتجنب المقاومة المسلحة ضد اسرائيل. كما تبذل إسرائيل كل جهد ممكن للحفاظ على حكومة حماس في غزة، وابقاء الانقسام الفلسطيني. 

على الأقل، فهمنا أن هناك اتفاق متبادل للحفاظ على هشاشة الوضع الحالي في غزة ، بدون مقابل حتي من الجانب الإسرائيلي. من ناحية أخرى ، لا يزال تكافح السلطة الفلسطينية شيطان التوسع الاستطاني الإسرائيلي ، وتجد نفسها معزولة وضعيفة بسبب انقسامها الداخلي ، وضعفها أمام دول الخليج العازمة على دعم الكيان الصهيوني في الشرق الاوسط. لكن إسرائيل تعول بقدر كبير علي استبقاء الانقسام الفلسطيني ، وهذا الوضع يضعف السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس في مطالبته بدولة فلسطينية حرة بجوار دولة إسرائيل. لكن حركة حماس تواصل تحريضها المعتاد ضد الإسرائيليين، والسلطة الفلسطينية. لقد فهمت حماس الرسالة ، بأن من غير الممكن ان تتعامل  إسرائيل او الولايات المتحدة مع حركة حماس، وأن وجودها في قطاع غزة هو لغرض وحيد ، وهو حماية الحدود بين قطاع غزة واسرائيل، ابقاء الانقسام والحفاظ علي المشروع الصهيوني برمته. كما تستمر الأزمة الإنسانية والتدهور البيئ والاقتصادي، مما حدث اضرار جسيمة في البنية التحتية لقطاع غزة، من المياه الي الطاقة، والرعاية الصحية الأساسية.

ناهيك عن معدل البطالة الذي يقدر ب 49٪ ، وهو واحد من أعلى المعدلات في العالم ، ونحو 80٪ من سكان غزة يعتمدون على المساعدات الإنسانية ، والتي قلت كثير  بسبب الإجراءات العقابية التي اتخذتها حكومة ترامب  من ناحية ، والسلطة الفلسطينية من جهة أخرى. لقد أصبحت غزة غير قابلة للعيش قبل عام 2020، كما كانت تحذر الأمم المتحدة. كما ان حالة التدهور في مستوى المعيشة اصبح الآن سريع بسبب تضاعف الضرائب من قبل حركة حماس على السلع ، كما تتحول جباية الكهرباء والمواد التموينية واخري مباشرة إلى خزينة حركة حماس. و تستمر الاعتقالات وعمليات الإعدام في نشر الذعر في صفوف المجتمع في غزة ، الذين لا يعرفون من مين يجب عليهم ان يحموا انفسه: هل ضد الأمراض والفقر؟ أو ضد قمع كتائب حركة حماس؟ أو ان يتكيفوا مع التدابير العقابية التي فرضتها السلطة الفلسطينية؟ في هذه الأثناء ، اكتسبت إسرائيل قوة احتلالها في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة. وتستأنف الان الأعمال العدائية  بين حماس والحكومة الإسرائيلية ، لكن حماس تعرف أن إسرائيل غير معنية بانهاء حركة حماس في قطاع غزة، بل بردعها وجعليها تلملم جراحها. انها حالة مثالية لدولة احتلال ، تستعد لإلتهام ما تبقي من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية ، وذلك بكل ارياحية. 

اما بالنسبة لصفقة القرن التي اعتمدها دونالد ترامب في الشرق الأوسط ، تم دبيرها بعناية من قبل كوشنرصهر الرئيس ترمب، و تم الموافقة عليها إلى حد كبير من قبل دول الخليج ، ولا يزال صفقة القرن تنتظر اللحظة المناسبة للتنفيذ. لم يتم وضع جدولة أو تواريخ حتى الآن ، وتحوم هناك بعض الشكوك حول مضمون خطة السلام، وإمكانية إقامة دولة فلسطينية. لا يعرف الفلسطينيون حتى الآن تفاصيل صفقة القرن للسلام في الشرق الاوسط ، ولكن هناك معلومات متسربة على أن خطة السلام في الشرق الاوسط تهدف لتوسيع الاحتلال، والتخلص من اللاجئين الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية ونقلهم إلى قطاع غزة وسيناء.

ومن وجهة نظر نتنياهو بالنسبة للاحتفاظ بالقدس عاصمة لإسرائيل ، هدفها الاستراتيجي هو قمع حماس ، وكذلك رفض أي مفاوضات مع الحركة الإسلامية. إلا أن مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين لم تسفر أبداً عن حل عادل ، بل ساهمت في توسيع المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية. وما زالت إسرائيل تتحدث كضحية وهي التي قامت بقتل  العشرات من الشباب الفلسطيني الغير المسلح ، بما في ذلك الأطفال ، باسم حماية أمن إسرائيل. ترغب إسرائيل في عملية سلام تضمن أمن إسرائيل وسيادتها الاقتصادية، والسياسية في المنطقة. انه تعاون عربي مربح فقط لإسرائيل، لتصبح  قوة مهيمنة علي الموارد العربية. أصبح الفلسطينيون الآن مشلولين ومعزولين في انقسامهم الداخلي ، الأمر الذي يسبب ضائقة إنسانية كبيرة، وتمييزاً عنصري بين ابناء الوطن،  وانتهاك فادح لحقوق المواطنين الفلسطينيين في غزة. هكذا يعيش شطري الوطن الفلسطيني بدون حق في الحياة، والحرية، والحصول على الامن الغذائي، والتعليم، والصحة. لن يكون هناك أمن على الإطلاق. لكن مع ذلك ، ان الحفاظ على الانقسام الفلسطيني هو بمثابة الحفاظ على اقتصاد مشلول، وكارثة إنسانية تؤدي إلى صراعات جديدة أخرى. بالإضافة إلى ذلك ، سيؤدي التمييزبين ابناء قطاع غزة وشطري الوطن الاخر الي الظلم و إطلاق حروب جديدة تكون تكتيكية، قصيرة لكن مؤلمة لسكان غزة. 

إن حق المواطنة، والأمن، والحرية لكل مواطن هو الضامن الوحيد للحفاظ علي المشروع الفلسطيني وثوابته، وقيام السلام في الشرق الأوسط. 

التعليقات