اختتام أعمال مؤتمر "العرب والهند: تحولات العلاقة مع قوة ناشئة"

اختتام أعمال مؤتمر "العرب والهند: تحولات العلاقة مع قوة ناشئة"
رام الله - دنيا الوطن
اختتمت اليوم، الأحد 6 أيار/ مايو 2018، أعمال مؤتمر "العرب والهند: تحولات العلاقة مع قوة ناشئة ومستقبلها" الذي عقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة. ركزت جلسات اليوم الثاني من المؤتمر على البحث في طبيعة العلاقات العربية - الهندية وتحولاتها، بعد جملة التغييرات التي شملت محددات السياسة الخارجية الهندية تجاه قضايا المنطقة العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، إضافة إلى معالجة السياقات الإستراتيجية والعسكرية والاقتصادية والجيوبوليتيكية للعلاقات بين الطرفين في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها النظام الدولي. 

قراءة في العلاقات العربية – الهندية  

ناقشت الجلسة الأولى من أعمال اليوم الثاني للمؤتمر، والتي رأسها ماجد الأنصاري، قضايا حيوية في العلاقات العربية – الهندية؛ إذ سلط الباحثون في دراساتهم الضوء على التغيرات في سياسة الهند الخارجية تجاه الوطن العربي وقضاياه. وفي هذا الصدد، أشار الباحث دبييش أناند في دراسته إلى أن التحول في نهج الهند فيما يتعلّق بغرب آسيا، من النهج المناهض للاستعمار وعدم الانحياز، والرغبة في إنشاء دولة قومية تنعم بالسيادة، ليتّسم لاحقًا كما وصفه، بتفكير ما بعد الاستعمار الذي يقتصر فيه التركيز على خدمة مصالح قوة صاعدة، انعكس على موقف الهند من القضيّة الفلسطينية والعلاقة بإسرائيل. وعلى مستوى موازٍ، ركز الباحث أيمن يوسف في بحثه المشترك مع الباحث محمود الفطافطة على موقع فلسطين وإسرائيل في السياسة الخارجية الهندية، والتي تتمحور بدورها حول نقطة التوازن تجاه فلسطين وقضيتها العادلة من جهة، وشراكتها الإستراتيجية والاقتصادية والثقافية مع إسرائيل في سياق التحولات الجذرية والبنيوية في السياسة الخارجية الهندية من جهة أخرى. كما قام الباحثان برصد المؤشرات المهمة التي طرأت على السياسة الخارجية الهندية في العقدين الماضيين، لا سيما بعد إقامة الهند علاقات دبلوماسية علنية مع إسرائيل في عام 1992.

رصد الباحث عُمير أنس تحولات سياسة الهند الخارجية تجاه منطقة غرب آسيا؛ إذ رأى أن ثلاثة تحديات تواجه السياسة الخارجية للهند في غرب آسيا، هي السعي لتحقيق التوازن بين المملكة العربية السعودية وإيران من جهة، وإسرائيل وفلسطين من جهة أخرى، ودور القوى الدولية في المنطقة ونشوء التنافسات بين دول غرب آسيا لفرض نفوذها، لا سيما إثر الثورات العربية في عام .2011 فقد عبّرت المنطقة عن رغبتها في أن تؤدي الهند دورًا أكبر في الحفاظ على السلام وتثبيت الاستقرار فيها. إلا أن الخيارات الإستراتيجية للهند التي تسعى للاضطلاع بدور جديد في المنطقة، تبدو محدودة؛ إذ إنها لا تحتاج إلى تعاون ثنائي مع المنطقة فحسب، بل تتطلّب من الهند أيضًا تسويغ علاقات التنافس العديدة التي تقيمها على الصعيدين الإقليمي والعالمي.

مستقبل العلاقات العربية – الهندية 

مثّل مستقبل العلاقات العربية – الهندية في مجال الطاقة والأمن الغذائي والتكنولوجيا الرقمية والتنمية البشرية قضية رئيسة للبحث ضمن أجندة الجلسة الثانية التي رأسها عادل الزاغة؛ فقد ناقش الباحث محمد أزهر الأسس المختلفة التي قامت عليها العلاقات العربية - الهندية وازدهرت من خلالها. وبحث في مستقبل الجوانب الأخرى في العلاقات العربية - الهندية غير المتعلقة بالطاقة. وأكد ضرورة أن يركز الطرفان على الثروة الزراعية والحيوانية بما فيها الزراعة العضوية والكيميائية وصناعة الملابس والقطن وإنتاج السيراميك وصناعة السيارات والمواصلات؛ ولا سيما أن هذه القطاعات تعتبر الأعلى استهلاكًا في الهند. بينما انتقل الباحث ناصر التميمي في بحثه إلى دراسة أسباب تنامي استهلاك الطاقة في الهند وتأثيرها في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ما يستدعي نسج علاقات إستراتيجية مع القوى الصاعدة في آسيا عمومًا، والهند على وجه الخصوص، ولا سيما أن الخليج يحظى بالحصة الأبرز من بين أكبر مصدّري النفط والغاز الطبيعي المسال إلى العالم.

واختتم غيريجاش بانت الجلسة ببحث تطرق فيه إلى سياق العلاقات العربية - الهندية مع تحوّل النفط إلى عامل مؤثر في الساحة الدولية؛ ذلك أن الهند لا تنعم بثروة الهيدروكربون، ما يضطرها إلى الاستيراد من سوق الطاقة العالمية لتلبية تسارع نموّها. فساهم السعي للبحث عن الطاقة في جعل البلدان العربية المصدِّرة للنفط تحتل مكانة بارزة في منظومة العلاقات الهندية - العربية. وحاول الباحث استشراف واقع جديد بالتزامن مع التحوّل الجيوستراتيجي في سوق الطاقة العالمية الذي نجم عن التغيرات الهيكلية في صناعة الهيدروكربون والرغبة في الانتقال إلى نظام طاقة منخفض الكربون.

السياقات الإستراتيجية والعسكرية بحثت الجلسة الختامية للمؤتمر التي رأسها سحيم آل ثاني السياقات الإستراتيجية والعسكرية للعلاقات العربية - الهندية، فقد ناقش الباحثون في هذه الجلسة أهمية دول مجلس التعاون الجيوبوليتيكية وفرصها الإستراتيجية. وفي حديثها عن تاريخ العلاقات العسكرية العُمانية - الهندية في الفترة 1913-1970 أشارت بهية بنت سعيد العذوبية إلى أن الصراع بين الإمامة التي تزعمها سالم بن راشد الخلوصي، وبين السلطنة بزعامة فيصل بن تركي ومن ثم ابنه تيمور بن فيصل في عُمان في الفترة 1913-1915 أثر في وجود قوات هندية في مسقط، وأن الوكلاء السياسيين البريطانيين في مسقط أدوا دورًا في قيام علاقات عسكرية هندية - عمُانية.

وانتقل الباحث كاديرا بثياغودا إلى الحديث عن الفرص الإستراتيجية للعلاقات الهندية بدول مجلس التعاون، في ظلّ الانتقال إلى نظام تعدّد الأقطاب، إذ تتوسع مخططات الهند والصين في المنطقة؛ ما يعني أن العلاقات المتداخلة بين آسيا ومنطقة الخليج سيكون لها كبير الأثر في علاقات القوة الإقليمية والعالمية، وقد بدأت الهند والصين تتبوّآن موقعًا بارزًا في دائرة التنافس بين مراكز القوة في المنطقة؛ أي الخليج وإيران وإسرائيل. وفي هذا السياق، توقع الباحث أن تكون علاقات الهند مع دول مجلس التعاون من أهم العلاقات بالنسبة إلى الطرفين في النظام العالمي المستقبلي.

وفي ختام الجلسة، سلط الباحث عماد قدورة الضوء على الأهمية الجيوبوليتيكية للخليج العربي في إستراتيجية الهند، وأكد أن الخليج العربي يمثل أهمية بارزة في إستراتيجية الهند؛ بسبب مكانته وقربه الجغرافي على سواحل المحيط الهندي، وعلى مفترق طرق التجارة، وتوافر معظم مصادر الطاقة فيه، وكذلك الفوائض المالية الناجمة عنها، فضلًا عن وجود جالية هندية كبيرة في هذه المنطقة. وأضاف قدورة أنه على الرغم من تطور العلاقات الخليجية - الهندية، فإن عوامل إقليمية من المتوقع أن تؤثر، مستقبلًا، في هذه العلاقات وقوتها، مثل العلاقة القوية مع إيران، وكذلك العلاقات التقليدية الوثيقة التي ربطت دول الخليج بباكستان.