في ذكرى استشهادهِ القائد خليل الوزير أبو جهاد الثامنة والعشرين

في ذكرى استشهادهِ القائد خليل الوزير أبو جهاد الثامنة والعشرين
في ذكرى استشهادهِ القائد خليل الوزير أبو جهاد الثامنة والعشرين " أول الرصاص وأول الحجارة "
 بقلم:د. جمال أبو نحل

هُمّ كّاْلبِدّرِ، وكّالقْمرِ المنير في كبد السماء، يرسل نوره علي أهل الأرض ، لا تنساهم الأرض ولا تنساهم جبه الساجدين، ولا كل المخلصين والشرفاء من أبناء فتح أم الجماهير، أو أبناء فلسطين والأمة العربية والإسلامية. لآنهم قدموا أرواحهم فداءً للقدس ولفلسطين، فكانوا منارات وجسوراً للعودة لفلسطين، وهم من ارتوت الأرض المباركة المقُدسة بدمائهم الطاهرة الزكية؛ فلقد كانت آخر كلمة خطتها يد الشهيد أبو جهاد خليل الوزير هو بيان  لقيادة انتفاضة الحجارة الأولي وهي: (لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة) فسجلت تلك الكلمات بحروفٍ من نورٍ ونار؛ إنه رفيق درب الشهيد أبو عمار رحمه الله؛  إنه القائد البطل الشهيد خليل الوزير أول الرصاص وأول الحجارة؛ حيثُ يصادف يوم الخميس القادم، السادس عشر من الشهر الجاري، الذكرى السابعة والعشرين لاستشهاد خليل الوزير 'أبو جهاد'، الذي  اغتاله جهاز الموساد الصهيوني في بيته في المهجر بتونس بتاريخ  16/4/1988، وترأس المجرم ايهود باراك العملية الارهابية، من خلال فرقة 'كوماندوز'  وصلت فجر السادس عشر من نيسان، بزوارق مطاطية إلى شاطئ تونس، وتم إنزال 20 عنصرًا من قوات النخبة من قوات وحدة 'سييريت ماتكال' مستخدمين أربع سفن وغواصتين وزوارق مطاطية وطائرتين عموديتين للمساندة، لتنفيذ مهمة اغتيال القائد خليل الوزير رفيق درب الشهيد أبو عمار ويدهُ اليمين بحركة فتح ورست الزوارق على شاطئ الرواد قرب ميناء قرطاجة بمساعدة لتنفيذ عُملاء في تلك العملية. وبعد عودة 'أبو جهاد' إلى منزله من اجتماعاته مع القيادات الفلسطينية، بدأ التنفيذ وإنزال الوحدة من كل مكان بسيارات أجرة، وبعد نزول أفرادها إلى الشاطئ بساعة تم توجيههم بثلاث سيارات أجرة تابعة للـ'موساد' إلى منزل الشهيد الذي يبعد خمسة كيلو مترات عن نقطة النزول. وعند وصول قوات الموساد الخاصة الصهيونية إلى المنزل الكائن في شارع (سيدي بو سعيد) انفصلت الوحدة إلى أربع خلايا، وقدر عدد المجندين لتنفيذ العملية بمئات جنود الاحتلال، وقد زودت هذه الخلايا بأحدث الأجهزة والوسائل للاغتيال، اقتحمت إحدى الخلايا البيت فجرا، وقتلت الحارس الثاني 'نبيه سليمان قريشان' وتقدمت أخرى مسرعة لغرفة الشهيد 'أبو جهاد'، فسمع الأخير ضجة بالمنزل بعد أن كان يكتب كلماته الأخيرة على ورق كعادته ويوجهها لقادة الانتفاضة للتنفيذ؛  وكانت آخر كلمة خطتها يده هي (لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة)، ورفع مسدسه وذهب ليرى ما يجري،  كما روت زوجته، انتصار الوزير، وإذا بسبعين رصاصة تخترق جسده ويصبح في لحظات في عداد الشهداء ليتوج أميرا لشهداء فلسطين؛ ليرقد جسدُه ويواري الثري ويدفن 'أبو جهاد' في العشرين من نيسان 1988 في دمشق، في مسيرة حاشدة غصت بها شوارع المدينة، بينما لم يمنع حظر التجول الذي فرضه الاحتلال جماهير الأرض الفلسطينية المحتلة من تنظيم المسيرات الرمزية وفاء للشهيد الذي اغتيل وهو يتابع ملف الانتفاضة حتى الرمق الأخير، وأذكر يومها اشتعلت الأرض المحتلة نارًا فوق رؤوس المحتلين وارتقي أكثر من 30 شهيدًا يوم استشهاد أبو جهاد. ولقد كتب الصحفي الصهيوني غنين سيرغمان مقالاً تحت عنوان 'الجهاد لأبو جهاد، اغتيال خليل الوزير بعد أطول مطاردة في تاريخ الاستخبارات الإسرائيلي، أكد انه 'برغم تأخر التعرف على عرفات وأبو جهاد باعتبارهما قوة «إرهابية» صاعدة، أُثيرت في آب 1964 فكرة اغتيالهما، فقد توجه رافي ايتان، الذي كان آنذاك رئيس بعثة الموساد في باريس إلى رئيس الموساد مئير عميت وطلب موافقته على خطة اغتيال أثناء مؤتمر طلاب جامعات فلسطينيين في ألمانيا الغربية، لكن لم يتم الحصول على الموافقة' وجاء في التقرير 'أنه  في الأول من كانون الثاني 1965 أدرك الموساد أن إضاعة تلك الفرصة كانت خطأ، فقد كان هذا هو التاريخ الذي نفذت فيه فتح أولى عملياتها وهي ثمرة تخطيط أبو جهاد وكانت محاولة الإضرار بقناة المشروع القطري وفشلت العملية، لكن مجرد حقيقة أن منظمة فلسطينية مستقلة أجرت عملية كهذه أثارت انتباها في «أمان» التي بدأت جمع تفصيلات أخرى عن المنظمة الجديدة'؛ وعقب الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982،  انتقل أبو جهاد للعيش مع عائلته إلى تونس في بيت استأجرته المنظمة على بعد نحو 4 كم عن الساحل قرب أنقاض مدينة قرطاج، وتنقل هو نفسه بين الدول العربية وحاول أن يبلور من جديد المنظمة التي تلقت ضربة بالغة، وتابعت إسرائيل من جهتها مطاردة «عرض هدف»، وخرجت دورية هيئة القيادة العامة ثلاث مرات إلى دول مجاورة بقصد نصب كمائن له، وفي جميع الحالات لم يتم التعرف عليه على نحو مؤكد؛ ولكي نوفي أمير الشهداء جزءًا ولو يسيرًا من سيرتهِ النضالية الطويلة وخاصة من العمل الفدائي ومن العمليات البطولية التي خطط لها أبو جهاد، منها عملية نسف خزان زوهر عام 1955، وعملية نسف خط أنابيب المياه (نفق عيلبون) عام 1965، وعملية فندق (سافوي) في تل أبيب و قتل 10 إسرائيليين عام 1975، وعملية انفجار الشاحنة المفخخة في القدس عام 1975، عملية قتل 'البرت ليفي' كبير خبراء المتفجرات ومساعده في نابلس عام 1976، إضافة إلى عملية دلال المغربي التي قتل فيها أكثر من 37 إسرائيليا عام 1978، وعملية قصف ميناء ايلات عام 1979، وقصف المستوطنات الشمالية بالكاتيوشا عام 1981، وأسر 8 جنود إسرائيليين في لبنان ومبادلتهم بـ 5000 معتقل لبناني وفلسطيني و 100 من معتقلي الأرض المحتلة عام 1982، وخطط لاقتحام وتفجير مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي في صور، الأمر الذي  أدى إلى مصرع 76 ضابطا و جنديا بينهم 12 ضابط يحملون رتبا رفيعة عام 1982، إدارة حرب الاستنزاف من 1982 إلى 1984 في جنوب لبنان، وعملية مفاعل ديمونة عام 1988 والتي كانت السبب الرئيسي لاغتياله.  ولمن لا يعرف البطل القائد الوزير؛ وهو غني عن التعريف إنهُ: خليل إبراهيم محمود الوزير (أبو جهاد)، ولد عام 1935 في مدينة الرملة، وغادرها إلى غزة إثر حرب 1948 مع أفراد عائلته، ودرس في جامعة الإسكندرية، ثم انتقل إلى السعودية فأقام فيها أقل من عام، وبعدها توجه إلى الكويت وظل بها حتى عام 1963، وهناك تعرف على ياسر عرفات وشارك معه في تأسيس حركة فتح؛ وفي عام 1963 غادر الكويت إلى الجزائر حيث سمحت السلطات الجزائرية بافتتاح أول مكتب لحركة فتح وتولى مسؤولية ذلك المكتب، كما حصل خلال هذه المدة على إذن من السلطات بالسماح لكوادر الحركة بالاشتراك في دورات عسكرية وإقامة معسكر تدريب للفلسطينيين الموجودين في الجزائر؛ وغادر أبو جهاد الجزائر  عام 1965 إلى دمشق حيث أقام مقر القيادة العسكرية وكلف بالعلاقات مع الخلايا الفدائية داخل فلسطين، كما شارك في حرب 1967 وقام بتوجيه عمليات عسكرية ضد الجيش الإسرائيلي في منطقة الجليل الأعلى، وتولى المسؤولية عن القطاع الغربي في حركة فتح، وهو القطاع الذي كان يدير العمليات في الأراضي المحتلة؛ وخلال توليه قيادة هذا القطاع في الفترة من 1976 – 1982 عكف على تطوير القدرات القتالية لقوات الثورة كما كان له دور بارز في قيادة معركة الصمود في بيروت عام 1982 والتي استمرت 88 يوماً خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان وتسلم أبو جهاد خلال حياته مواقع قيادية عدة، كان عضو المجلس الوطني الفلسطيني خلال معظم دوراته، وعضو المجلس العسكري الأعلى للثورة الفلسطينية، وعضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، ونائب القائد العام لقوات الثورة، كما يعتبر مهندس الانتفاضة وواحداً من أشد القادة المتحمسين لها؛ وبعد حصار بيروت عام 1982 وخروج كادر وقوات الثورة من المدينة عاد أبو جهاد، مع رفيق دربه ياسر عرفات إلى مدينة طرابلس ليقود معركة الدفاع عن معاقل الثورة في مواجهة المنشقين المدعومين من الجيش السوري، بعد الخروج من طرابلس توجه أبو جهاد إلى تونس حيث مقر المنظمة ومقر إقامة أسرته، ومن هناك أصبح دائم التجوال بين العواصم العربية للوقوف عن كثب على أحوال القوات الفلسطينية المنتشرة في تلك البلدان، وكان، من عادته لا يمكث في تونس، بين أهله، سوى بضعة أيام، لكنه مكث 15 يوما في الزيارة الأخيرة له في ربيع 1988م ؛ ليتمكن جهاز الموساد الصهيوني بمساعدة العملاء المتصهينين الوصول إلى أمير الشهداء أبو جهاد لتصعد روحه إلى بارئها إلى العلياء شهيدًا بإذن الله؛ فبعد مرور 28 عامًا على رحيلك عنا جسداً؛ ولكنك باقيِ بيننا بالذاكرة التي لا تغيب و بمسيرتك وسيرتك النضالية الجهادية العظيمة، ومسيرة شعبنا الكفاحية الطويلة لا تزال مستمرة وشلالات الدم متدفقة حتي العودة وتحرير القدس الشريف من براثن الاحتلال فلن يثنينا قرار ترمب ولا نتنياهو عن حقنا في التحرير والمقاومة حتي اقامة دولتنا الفلسطينية وعاصمتها الأبدية القدس الشريف، عاشت ذكراك خالدة في قلوبنا أبا جهاد فنم قرير العينِ لا نامت أعينُ الجبُناء، وإننا لعائدون – الرحمة للشهداء الأبرار، والحرية للأسري والشفاء العاجل للجرحى البواسل.

   بقلم الدكتور/ جمال عبد الناصر محمد عبد الله أبو نحل

 الكاتب والباحث المفكر العربي والإسلامي والأستاذ الجامعي




التعليقات