الإصرار على الإنقلاب

الإصرار على الإنقلاب
نبض الحياة

الإصرار على الإنقلاب

عمر حلمي الغول 

عندما تعصف رياح المؤامرة والتمزيق لوحدة شعب من الشعوب، وتتعاظم التحديات السياسية المهددة للشخصية الوطنية، تبرز امام الشعب المنكوب وقواه ونخبه السياسية عددا من المهام الأساسية، منها: أولا تشخيص الحالة كما هي  ، وليس تركها للمجهول والتخمين، ولإصحاب المواقف الوسطية والإنتهازية؛ ثانيا وضع خطة وطنية عاجلة ومدروسة لوأد وتصفية الظاهرة الخطيرة؛ ثالثا تجييش كل القوى للإسهام في إستعادة زمام وتقاليد الأمور على الأرض، بعد إنهاء وإزالة العمل الجبان دون رأفة أو مداراة. وفي السياق كل شخص او قوة مترددة او متذبذة في مواقفها، يجري العمل على تحييدها، ومن ثم إستقطابها لجانب الخيار الوطني والقومي، أو إعتبارها نصيرة للإنقلاب وأعوانه. 

أما ترك الأمور على عواهنها لعمليات التسطيح وتهبيط الهمم بإسم القيم والقانون، التي لا علاقة للإنقلابيين بها، ليس هذا فحسب، بل انهم قاموا بجريمتهم لتخريب وتدمير تلك القيم، وتمزيق القانون، وإستباحته، وإلقائه في سهلة المهملات. 

بإختصار، ورغم مرور أحد عشر عاما على إنقلاب حركة حماس الأسود مازال هناك إجتهادات متباينة في عملية التشخيص لما نفذته حركة حماس في قطاع غزة، مع ان الرئيس ابو مازن حسم ذلك، وقال ما جرى، هو إنقلاب على الشرعية، وبالتالي لا بد من مواجهة هذا الخطر السرطاني. لان قيادة حركة الإنقلاب لم تبق على العين قذى، وأعلنت الف مرة، انها مع خيارها الإنقلابي، وليست مع الوحدة والمصالحة الوطنية، رغم تجارتها بالدين والشعار السياسي الديماغوجي،الذي لا يمت للحقيقة بصلة. 

آخرها أول امس عندما أعلن إسماعيل هنية، رئيس حركة حماس تحت يافطة كبيرة عنونت ب"المسيرة العودة الكبرى لكسر الحصار" وأرفقت بشعارات نبيلة وعظيمة لقادة أمميين شرفاء ضحوا من اجل شعوبهم وحركاتهم الإجتماعية، لا يمت هو وحركته ولا جماعة الإخوان المسلمين لهم بأي صلة، وهم نيلسون مانديلا صاحب مقولة "لا طريق سهل للوصول للحرية"، ومارتن لوثر كينج صاحب مقولة "يجب ان نتعهد بالتقدم للأمام وعدم التراجع"، والمهاتما غاندي صاحب مقولة لا يوجد طريق إلى الحرية، فالحرية هي الطريق" ، ولو كان هنية يملك ذرة من قيم أولئك القادة لما نطق بكلمة من كلمات خطابه المتناقض مع الأهداف والمصالح الوطنية، إلآ إذا أراد تأويلها لخدمة سياسة حركتة الإنقلابية، المتشبثة بالإنقلاب والعمل لصالح الأجندات الإقليمية والدولية المعادية لمصالح الشعب، وهي كذلك. 

ومن إستمع جيدا لأسماعيل هنية، لأدرك مباشرة، انه يُّصر إصرارا واضحا على التمسك بخيار الإنقلاب. لإن رئيس حركة الإنقلاب لو كان معنيا بالمصالحة، لأعلن على الملأ وتحت شعار "مسيرة العودة الكبرى" النبيل لتأت حكومة الوفاق لتتسلم مهامها كاملة غير منقوصة، ولأعلن بملىء الفم عن إعتذاره عن أحد عشر عاما من التخريب المتعمد لوحدة النسيج الوطني والإجتماعي والهوياتي للشعب العربي الفلسطيني، ولعمد إدعائه بالتمسك بالوحدة الوطنية، إن كان صادقا في خياره الوطني، لأكد على توطين حركته في الجسم الوطني، وفي حاضنته وممثلته الشرعية منظمة التحرير. لكنه مارس عمليات تحريض جبانة ورخبصة على قيادة الشرعية الوطنية، وأعلن بما لا يدع مجالا للشك، على مواصلة خياره الإنقلابي، ورفضه العودة لجادة الوحدة الوطنية. رغم إدعائه المجبول بنهج " التقية" بأنه "مصصم" على خيار الوحدة، وانه وحركته ضد صفقة القرن، وضد سياسة أميركا، وإذا كان هذا صحيحا، ما هي دلائل ذلك؟ هل تفجير موكب رئيس الحكومة ورئيس جهاز المخابرات العامة هو الدليل؟ أم تصريحات البردويل العميقة في مراميها وأبعادها الإنقلابية؟ أم رفض المشاركة السياسية من حيث المبدأ؟ أم الإستعداد للإنخراط في الحلول المؤقتة والأمنية الأقليمية لتمرير صفقة القرن؟ 

إسماعيل هنية، رئيس حرركة حماس القى خطاب الفضيحة بإمتياز تحت شعارات تتحدث عن الحرية، التي هي براء منه، لانه لا يعرف معناها وأهميتها، وحاول تسلق سلم القيادات الهامة، لكن تناقضه مع الشعارات النبيلة، وإصراره على الإنقلاب، ورفض الوحدة الوطنية، ومواصلة تخندقه في خنادق الإخوان المسلمين المعادية لشعوب الأمة العربية والشعوب الإسلامية عمقت سقوطة السياسي. وركنته في المربع الضيق من إحدى الزوايا المظلمة في غرف الإنقلاب المشعوذة.

[email protected]

[email protected]    

التعليقات