الدلالات الإستراتيجية لمسيرة العودة الكبرى

الدلالات الإستراتيجية لمسيرة العودة الكبرى
الدلالات الاستراتيجية لمسيرة العودة الكبرى

بقلم الكاتب والباحث

احمد عيسى

احيا الشعب الفلسطيني في كل اماكن تواجده يوم الجمعة الموافق 30/3/2018، الذكرى 42 ليوم الارض الفلسطيني الخالد، وكانت مسيرة العودة التي شارك فيها عشرات الالاف من الفلسطينيين في قطاع غزة، هي النمط الأهم في احياء المناسبةمنذ حدوثها في العام 1976، وذلك تأسيساً على ما تضمنه هذا النمط من رسائل ودلالات للشعب الفلسطيني اولاً، ولإسرائيل كدولة احتلال واستعمار لا زالت تعيش مرحلة حسم صنع الوجود ثانيا، وللشعوب العربية والإسلامية في منطقة الشرق الاوسط قبل دولهم وانظمتهم السياسية على اختلافها وتنوعها ثالثا،، وللمجتمع الدولي بأسره، شعوبا ودولاً، سواء كانت صديقة ام معادية للشعب الفلسطيني رابعا.

في هذا الجزء من المقالة التي قسمت لأربعة أجزاء سيجري تناول القراءة الاسرائيلية لدلالات مسيرة العودة، فيما سيتناول الجزء الثاني القراءة الفلسطينية، اما الجزئين الثالث والرابع فسيخصصا للقراءة العربية والدولية لدلالات هذه المسيرة.

كانت اسرائيل هي الطرف الاول الذي يدرك الأهمية الاستراتيجية للحدث وليس في ذلك غرابة، الامر الذي تجلى في ردها وتعاملها مع المسيرة رغم سلميتها الواضحة للعيان، اذ جرحت اكثر من 1500 شخص من المشاركين في المسيرة معظمهم ممن تقل اعمارهم عن العشرين عاماً، استشهد منهم حتى كتابة هذه السطور سبع عشرة شخص، والعدد قابل للزيادة والارتفاع وفق توقعات الجهات الطبية الفلسطينية.

وتجزم هذه المقالة ان الرد الاسرائيلي في استخدام هذا المستوى من العنف المفرط قد كان بناء على ما وصلت اليه مؤسسات التقدير الاستراتيجي في اسرائيل من تقديرات وسيناريوهات، كانت قد طورتها هذه المؤسسات منذ بدء التحضيرات لهذه المسيرة على أساس منهجية "قوة الخيال" (The Power of Illusion)، التي عادة ما تتطبقها مؤسسات التقدير في اسرائيل لدراسة اتجاهات ومسارات تطور الاحداث في البيئة الفلسطينية والعربية المعادية المحيطة بها، وذلك لغايات توقع، ليس فقط سلوك الطرف الآخر المعادي، بل الأهم هو توقع مسارات تطور تفكير الطرف الاخرواستجاباته لردود الافعال، اذ يسهل هذا النموذج من التحليل على هذه المؤسسات فحص ودراسة مدى استجابة عقلالطرف الاخر المعادي لردود افعال الدولة "اسرائيل"، الامر الذي توظفه الدولة فيما بعد في تطوير السياسة القادرة على ضبط سلوك الطرف الاخر والسيطرة على تفكيره وتوجيهه الاتجاه التي تريد من حيث لا يشعر. 

ويسمح هذا النموذج من التحليل لهذه المقالة ان تستنتج، ان مؤسسات البحث والتقديرات في اسرائيل قد توصلت الى خلاصة مفادها: ان المدى النهائي لمسارات تطور مسيرة العودة الكبرى في قادم الايام سيكون في نجاحها في اختراق الحدود سلميا من قبل مئات الاف الفلسطينيين ان لم يكن ملايين الفلسطينيين من كل من: قطاع غزة، والضفة الغربية، ومناطق العام 1948، وغيرهم من الفلسطينيين من الشتات لا سيما من دول مثل لبنان وسوريا والاردن ومصر، واحتشادهم في مدينة القدس مثلاً، لا سيما في المسجد الاقصى ومحيطه، خاصة وأن اسرائيل لا يمكنها الادعاء انها نجحت في السيطرة على تفكير الشعب الفلسطيني بعد مرور سبعة عقود على احتلاله، اذ لا زال هذا الشعب بقده وقديده خاصة اجياله الشابة يصر على العودة والحرية والاستقلال.

ومن جهة اخرى يدرك المختصون في الشأن الاسرائيلي ان استراتيجية الامن القومي الاسرائيلي قد قامت منذ نشأة دولة اسرائيل على عدة اعمدة كان في القلب منها حرص اسرائيل الدائم على منع تزامن اندلاع انتفاضة فلسطينية كبرى او ما هو في وزنها وحجمها، مع حرب عسكرية يخوضها الجيش الاسرائيلي على حدودها الخارجية خاصة وأن الجيش هو الجهة الوحيدة التي أعدت وبنيت لغايات الحفاظ على امن البلاد داخليا وخارجيا، الامر الذي ترى هذه المقالة ان اسرائيل قد نجحت فيه باقتدار خلال العقود السبع الماضية.

 وفي هذا الشأن ترى هذه المقالة انه وان لم يكن هناك حرب على حدود الدولة لا سيما حدودها الشمالية، الا ان الدولة تعيش اجواء الحرب منذ فترة طويلة، اذ قد تنشب هذه الحرب في اي وقت، خاصة وان اسرائيل ترى في ما يجري على حدودها الشمالية تهديداً وجوديا للدولة، الامر الذي لن تناقشه هذه المقالة.

 وتأسيساً على ذلك تحرص اسرائيل كل الحرص ولدواعي امنية خالصة على ضبط الساحة الفلسطينية لغايات السماح للدولة بتركيز جهدهاومواردها وتحالفاتها لمواجهة التهديدات الخارجية المتسارعة في وتيرة تطوراتها، الامر الذي نجحالفلسطينيون، عبر مسيرة العودة الكبرى في تشويش وارباك هذا التركيز على الاقل منذ بداية التحضير لمسيرة العودة الكبرى حتى منتصف شهر ايار القادم، فيما لم ينجحوا في احداثه خلال العقود السبعة الماضية، بما ينطوي عليه ذلك من تحولات ودلالات استراتيجية، سواء ادركها القائمون على مسيرة العودة ام لم يدركوها.

والدلالة الثالثة لمسيرة العودة وفق القراءة الاسرائيلية لها تكمن في مفاجأة الاسرائليين من سرعة نجاح الفلسطينيون في تطوير بدائل شعبية سلمية لفشل حل الدولتين ووصول العلاقة الفلسطينية الاسرائيلية ضمن مسيرة التسوية المتواصلة منذ ربع قرن الى نقطة اللاعودة، الامر الذي يقينا ترى فيه مؤسسات التقدير الاسرائيلية ان البديل عن حل الدولتين كما يريده الفلسطينيون هو دولة واحدة لشعبين ينتهي فيها المشروع الصهيوني في فلسطين دون حرب وقتال.

التعليقات