السياسي والبحث عن معنى الحياة

السياسي  والبحث عن معنى الحياة
السياسي  والبحث عن معنى الحياة ...

بقلم : رهام عودة 

كثيرا ما نجد بعض الناس  هائمين  على  وجوهم  ، يسيرون في الحياة بدون تحقيق أي هدف ، يبحثون بشكل عشوائي عن معنى لحياتهم في هذا العالم القاسي،  الذي لا يستطيع أن يعيش به سوى الأقوياء، هؤلاء  اللذين لديهم القدرة على البقاء و الاستمرار في أصعب الظروف الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية و البيئية.

فغالبا ما يكون البقاء للأقوى،  و إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب،  هذا المثل الشائع الذي يلخص لغة القوة،  و يُصور العالم كغابة موحشة، مليئة بالحيوانات المفترسة التي  تعيش  على  فرائسها من الحيوانات الضعيفة. 

و يشعر معظم البشر، بأن الحياة  غير عادلة،  و أن القوى يتحكم  بالضعيف،  الأمر الذي جعل عدد كبير من هؤلاء البشر ،  يعتمدون  منهج القوة و العنف كأسلوب حياة،  و كأداة  لتحقيق ذاتهم  للوصول لأهدافهم  الشخصية.

  ومع الرغبة الشديدة لإثبات الذات  وتحقيق الأهداف ، يميل عادةً الإنسان بطبعه للحفاظ على وجوده ، و استمرار حياته لأقصى حد ممكن.

 حيث  مازال الإنسان  غير مقتنعا  بفكرة الرحيل الأبدي ، و أن  الموت هو النهاية  الأخيرة  لحياته ، فحسب  الديانات السماوية الثلاث ، تبقى روح  الإنسان خالدة حتى بعد  فناء جسده.

لذا في رحلة الحياة هذه ،  هناك من يقتنع بأن يلعب  دورا  متواضعا في الحياة،  و أن يعيش حياة مسالمة ، و يموت بهدوء ، دون حدوث  أية مشاهد موت دراماتيكية. 

و هناك من يبحث عن معنى لحياته، بلعب دور البطل القاهر، الذي لا يُهزم، و الذي يتم الهتاف باسمه  بكل فخر في معظم أحياء مدينته أو أزقة قريته الصغيرة.  

من هنا يمكننا أن نجد الدافع الرئيسي لبعض الشباب العربي  ،  في ممارستهم  للنشاط  السياسي بكافة أنواعه ، سواء كان  نشاط سياسيا سلميا، أو كان  نشاط  سياسيا عنيفا ، فكلٌ يبحث عن معنى لحياته حسب طبيعة فهمه لقواعد الحياة ،  و حسب أسلوب تفكيره ، وبناءً على الأيدلوجية السياسية التي يتبناها. 

 ومن أقصر الطرق لدخول التاريخ في عالمنا العربي ،  هو ممارسة السياسة ، و القيام بنشاط سياسي  ملفت للنظر ،  يُسلط الأضواء على هذا الناشط السياسي .

 و يمكن تحقيق ذلك ، بأن يقوم مثلاً   هذا الناشط السياسي  بعمل قتالي  ضد استعمار ما ، أو أن يشارك بمظاهرات و احتجاجات غاضبة  ضد  دولة ما،  أو  أن يُحرض  على شخصيات قيادية  في بلده عبر مواقع التواصل الاجتماعي .

 فكل عمل سياسي ، يرمز لمعنى الحياة الذي يبحث عنه هذا الناشط السياسي. 

حيث أن الحياة عند هذا السياسي  الغاضب و الثائر ،  تتمثل بالتضحية بكل شيء من أجل الانتقام ، و الثأر،  و توكيد الذات،  و الوصول إلي الصورة المثالية لمجتمعه ، حسب رؤيته لما يجب أن تكون الحياة في هذا المجتمع  ، فهو لا يريد أن يكون عالمه ، عالم متخاذل و مستسلم و ضعيف ،  والسلام بالنسبة إليه هو لغة الضعفاء و الخونة ،  وما أُخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة. 

 أما الهدف السامي الذي يصبوا إليه هذا  النوع من الناشطين السياسيين  ، هو أن تلتحم روحه مع سحاب  السماء ،  و أن يصبح جثمانه بمثابة قربان للأرض، و  للأيدلوجية السياسية و العقيدة الدينية التي يتبناهما ، و أيضا للحياة  المثالية  التي يتخيلها   حسب أفكاره  الخاصة،  ومعايير الحزب السياسي الذي ينتمي إليه. 

و يكمن  معنى الحياة لهذا الناشط السياسي ،  بأن   الدنيا  مجرد  متاع مؤقت،  و هي بمثابة جسر للآخرة ،  لأن الحياة الدائمة هي  في جنات الخلد.

لذا يعتبر هذا الناشط  أن مفتاح الحياة الدنيا ، هو الجلد و الصبر على الشدائد ، و أنه  يجب استخدام القوة لأبعد الحدود من أجل تلقين الأعداء،  و المتخاذلين أقسى الدروس ، وتدفعيهم الثمن بكل الوسائل المتاحة. 

وفي الوقت الذي فسر هذا الناشط السياسي،  معنى الحياة حسب لغة القوة و الانتقام ، هناك ناشط سياسي آخر ،  يبحث عن معنى الحياة  عبر محاولة العيش في  حياة شبه  متوازنة  برجماتية ، تجمع بين  متاع  الدنيا و الآخرة،  وذلك من خلال تأجيل التفكير بحياة الآخرة ،  لحين الوصول لمرحلة عمرية معينه ، يكون ضمنها  قد حقق رغباته  الدنيوية  في الشهرة و النجاح و الثروة  و المنصب السياسي الرفيع ،  و في نفس الوقت خصص جزء من مراحل عمره المتأخرة للتوبة  والعبادة .

 فمعنى الحياة عند هذا السياسي، هو القدرة على النجاة في أحلك الظروف السياسية المتقلبة  ، و الاستثمار في الوقت و العلاقات الإنسانية بأكبر قدر ممكن،  حتى يأتي الوقت المناسب للانقضاض على خصمه السياسي  ، و من ثم الحصول على المنصب الذي يتوق إليه بشدة.

 و الحياة بالنسبة لهذا السياسي ، هي  بمثابة مباراة كرة قدم يجب أن يفوز بها ، لذا  يحاول هذا السياسي دوما  أن يحيط نفسه بفريق قوي  و ذو نفوذ ، يقدم له الدعم وقت المباراة  السياسية ، وفي نفس الوقت  يحاول هذا السياسي أن يحوز  على إعجاب  أكبر عدد ممكن من الجمهور الذي يشاهد بحماسة هذه المباراة الطاحنة .

إن معنى الحياة لهذا السياسي،  يتمثل أيضاً بالفوز و النجاح المادي و الشهرة، بغض النظر عن الفراغ النفسي و العاطفي، الذي يشعر به بسبب تخلي عنه أقرب الناس إليه. 

وبالاستمرار بالبحث عن معنى الحياة ، نلاحظ أن هناك ناشط سياسي  من نوع آخر ، ألا وهو  السياسي المثقف ، الذي يعتقد أن الحياة السياسية يجب أن تكون عادلة و فاضلة ،  و تهدف إلي حماية مصالح  المواطن و تحرير الوطن .

 لذا يحاول  هذا السياسي ، أن يستثمر وقته في الترويج لقضيته عبر المحافل الوطنية و الدولية ، و أن يبذل  جهده  في مناصرة  حقوق شعبه،   و لكنه في نهاية المطاف يكتشف أن هناك من باع الوطن،  و أن الوطن ملئ بالفاسدين الذين يتاجرون بأرواح و دماء الشعب ، فيشعر بالإحباط و يفقد معنى الحياة الذي كان يبحث عنه،  و يصل لقناعه بأن الحياة  مجرد خدعه ، و أنه لا يوجد هدف يستحق الإنسان أن يعيش من أجله ، و ذلك بعد أن سقطت الأقنعة الزائفة عن وجوه المنافقين و المتاجرين بثروات الوطن. 

لذا كل إنسان في هذه الدنيا ، يبحث عن معنى لحياته ، بطريقته و أسلوبه،  و ليس بالضرورة أن يكون ناشطا سياسيا ، فهناك  أشخاص عاديين    يبحثون عن السعادة الشخصية،  دون الاكتراث بأمور السياسة ،  وهناك من يبحثون  عن الحب و  العائلة ، وهناك من يبحثون  عن المال و النجاح المهني .

لكن السياسي، هو من أكثر الباحثين عن الذكرى الخالدة، و عن صفحات التاريخ التي ستدون اسمه بعد وفاته.

 لذا هناك السياسي الذي يرغب بالموت ،  في مشهد مسرحي دراماتيكي دامي،  وسط تكبيرات و تهليل المشيعين .

 وهناك السياسي الذي يرغب بالموت،  وهو يخطب خطابه الأخير،  في مشهد مسرحي صاخب يضخ  بالكاميرات و الأضواء الساطعة، وسط  صمت و تصفيق الجماهير.

فكل يرى الحياة و يبحث عن معناها،  حسب الطريقة التي يريد أن يختم بها حياته... 

التعليقات