ضحايا "النصب العقاري".. حين يلتقي الجشع مع ظروف غزة

ضحايا "النصب العقاري".. حين يلتقي الجشع مع ظروف غزة
صورة توضيحية
خاص دنيا الوطن
أضحى قطاع غزة مؤخراً مسرحاً للكثير من الظواهر السيئة التي أفرزتها الظروف الاقتصادية الصعبة، والتي قلبت معها كل موازين المنطق والمعقول في ظل منظومة متردية نفسياً واجتماعياً واقتصادياً وحتى إنسانياً، الأمر الذي جعل من غزة بيئة مناسبة لقضايا جديدة.  

أشخاص هذا التقرير هم ضحايا عمليات ما يسمى بالنصب العقاري، يفتحون قلبهم لموقع "دنيا الوطن" ويتحدثون عن تجربتهم مع هذا النوع من النصب، والذي قد يكون محصلة لظروف غزة الاقتصادية المتردية مؤخراً، أو نتيجة جشع شخصي، قد يستغله أحد الأشخاص مدعوماً بمنصب معين أو كونه مقرباً من شخص مسؤول هنا أو هناك.

ضحايا

المواطن (ح. أ) العاطل عن العمل، والذي يبلغ (39 عاماً) يتحدث بمرارة عن قضيته مع أحد نصابي العقار بالقول: "يمتلك والدي بناية في مخيم الشاطئ بغزة على مساحة 250 متراً ومنذ سنتين سيطر على والدي أحد المستثمرين وأقنعه بأن يشتري البناية على أن يكون نصيبي منها شقة، فاختلفنا على الشقة التي لم تكن مشطبة بالشكل الذي تمنيته أنا، وهنا استعد المستثمر، أن يأخذ شقتي ويعطيني بدلاً منها بيتاً آخر في مكان آخر".

ويضيف: "طلب مني المستثمر أن أنتظر بناء برج يملكه هو في مكان آخر، وكان الاتفاق على أن أمكث في شقة بالإيجار لمدة شهرين إلى حين تجهيز شقتي، بشرط أن يدفع المستثمر إيجار الشقة، ولكن للأسف المستثمر طلع نصاب وهنا بدأت المشكلة". 

"لم أحصل على الشقة التي وعدني بها، رغم أنني أملك عقوداً رسمية تلزمه بتجهيز شقة خاصة بي، والتي يبلغ سعرها 38 ألف دولار، رغم أنه تم تشطيب البرج وبناؤه كاملاً، ومن فترة توقف عن دفع الإيجار وأنا حالياً مهدد بالطرد مع أطفالي إلى الشارع من قبل صاحب الشقة الذي يطالب بالإيجار"، وفقاً لحديثه.     

وينهي شكواه بالقول: "لم أترك باباً إلا وطرقته، فقد توجهت للشرطة ورجال الإصلاح والوجهاء، ولكن للأسف بلا جدوى فهو يتحجج بظروف البلد، وأنه لم يعد يملك أي سيولة تذكر، ويتساءل بحرقة: "ماذا سأستفيد إن تم حبسه؟".

أما الأربعينية (أم يوسف) فقد وقعت هي الأخرى ضحية عملية نصب عقاري وتقول: "هاجرت إلى السويد، وهناك تم الطلاق بيني وبين زوجي، لذلك قررت العودة إلى غزة بصحبة أولادي".

وتضيف: "تعرفت إلى أحد السماسرة وتجار العقار في غزة، وقررت شراء شقة لأسكن فيها مع أولادي، واستقر رأيي على شقة بمبلغ 63 ألف دولار، دفعت منهم 53 ألف دولار، ومعي عقود رسمية بذلك، على أمل أن أستلمها بمجرد عودتي من السويد".

"حين عدت إلى غزة، فوجئت بأن التاجر قام ببيع شقتي لناس آخرين، معللاً الأمر بأن هناك شقة أجمل منها تنتظرني، فما كان منه إلا أن طلب مني عمل توكيل للقيام ببيع الشقة، وفعلاً تم بيع الشقة، وهنا خسرت أموالي والشقة نتيجة شغل النصب"، حسب قولها.

أما المواطن (ن. أ)، (56 عاماً) فيتحدث هو الآخر عن مصيبته كونه وقع ضحية نوع من النصب العقاري فيقول: "اتفقت أنا وتاجر عقارات، أن أشتري شقة في برج قيد الإنشاء، وكان الاتفاق، أن أحصل على شقة مشطبة في الطابق الثاني من البرج الذي قرر أن يبنيه".

ويضيف: "دفعت له المبلغ على هيئة شيكات بنكية، ولكن للأسف لم يلتزم التاجر بالاتفاق، إذ وقبل الوصول إلى الشقة المنوي شراؤها توقف البناء في البرج بحجة الظروف المادية الاقتصادية في غزة، وبحجة أنه قد أفلس".

"قمت على الفور، بإيقاف الشيكات التي استلمها التاجر، وحالياً القضية منظورة في الشق المدني من محاكم القضاء في غزة"، وفقاً لحديثه.

المباحث العامة: هي حالات قليلة

حول هذا الأمر يعلق المقدم أيمن البطنيجي، المتحدث باسم الشرطة الفلسطينية في غزة: "نعم هناك بعض من هذه القضايا التي تدخلنا فيها كجهاز شرطة، حين يدب الخلاف بين المستثمر وصاحب البناية، وهي خلافات مالية وحالات قليلة".

ويضيف: "أما إذا تبين أن الأمر نصب فإن المتضرر يتقدم بشكوى إلى الشرطة عن طريق النيابة العامة ويتم توقيف الشخص المدعى عليه (المطلوب) وتتم محاسبته".

ويؤكد البطنيجي: "99% من الاستثمارات العقارية في غزة ناجحة، والباقي هي قضايا خلافية ليس إلا".

النيابة العامة: نسبة هذه القضايا لا تتعدى 10%

حول هذا الموضوع، يقول زياد النمرة، المتحدث الرسمي باسم النائب العام: "يندرج تحت هذا النوع من القضايا التزوير أو الاحتيال عند بيع الأموال ولا يطلق عليها النصب والاحتيال بل يختلف الاسم باختلاف نوع الفعل المجرم، وفي هذه القضايا يجب أن نفرق بين المدنية والجزائية منها، فإذا كان هناك اتفاق بين طرفين بوجود عقد اتفاق شراكة وأخل أحد الطرفين ببنود الاتفاق فإنها تعتبر قضية مدنية، تبحث في المحكمة المختصة، وهنا لا يطلق عليها قضايا النصب والاحتيال".

ويضيف: "أما لو بحثت الشكوى، وتبين أن لها شق جزائي، فإننا في النيابة العامة، نتخذ الإجراءات المناسبة، بناءً على الأدلة والبينات، ويكون الحكم هنا للتفاصيل والظروف والأقوال والشهود".

"الغالب في هذه القضايا، أن تكون مدنية لأنها عبارة عن نزاع بين أطراف، وقد تكون في أحيان أخرى قليلة جزائية بناءً على تفاصيلها، وحينها تدرس القضية من قبل دوائر النيابة المتخصصة، وتبلغ نسبة هذه القضايا من مجمل قضايا غزة المالية 10%"، وفقاً لحديثه.

ويختم النمرة حديثه بالقول: "تعود أسباب انتشار هذه القضايا إلى أسباب ذاتية في الشخص الجاني أو المجني عليه، كالطمع والجشع أو السرقة، بالإضافة إلى أن ظروف الحصار والتضييق على أرزاق الناس، قد ساهمت في انتشار هذه القضايا إلا أن ضبطها واستدراكها سريع وسهل، كونها مرتبطة بطرف آخر(العقارات) كما أن لدينا معمل جنائي نعمل به وفق الأصول والإجراءات".

وهكذا فقد أفرزت الظروف الاقتصادية الصعبة الطاحنة التي يعيشها قطاع غزة الكثير من الظواهر السلبية، التي ألقت بظلالها الوخيمة على جميع مناحي الحياة، والتي بدورها دفعت ضعاف النفوس إلى اللجوء إلى حيل للتغلب على الواقع المرير في ظل حصار إسرائيلي خانق لا يرحم، وتفشي وباء البطالة والفقر وتوقف المشاريع التنموية والحيوية.

التعليقات