الفضائيات العربية لا تنتج ثقافة ولا تعمم معرفة والاسثتناءات معدودة

الفضائيات العربية لا تنتج ثقافة ولا تعمم معرفة والاسثتناءات معدودة
الفضائيات العربية لا تنتج ثقافة ولا تعمم معرفة والاسثتناءات معدودة

د.حسن عبد الله 

من يتابع  معظم البرامج الحوارية في فضائيات عربية، يشعر بأننا نعيش في عالم عربي يسوده الاستقرار والديموقراطية والتنمية وراحة البال، وأننا شعوب مرفهة بلا مشاكل وأن كل شيء على ما يرام، خاصة تلك البرامج التي تعرض في شهر رمضان والتي تجند لها مئات ملايين الدولارات، ويطال الأمر مسلسلات تُنتج دون أن تلامس هموم المواطن العربي، وإن لامسته فبسطحية وفجاجة.

وتنطلق معظم الفضائيات من أن المواطن مطحون ومغلوب على أمره، ولا بد من استقطابه وشده بالبرامج الفضائحية والمثيرة و"رامز" بالتأكيد يحضر نفسه لإنتاج مقالب جديدة تحصد مزيد من الإعلانات، لكن المواطن في المحصلة النهائية لا يخرج منها بأي شيء و"باب الحارة" يتم تطويله من نسخة إلى نسخة جديدة، فيما أبطاله يصرفون وقتهم وجهدهم في "حكايا" ليس لها علاقة بما يدور على الساحة السورية، التي تحتاج إلى عشرات المسلسلات والأعمال الفنية لتسليط الضوْء على ما يجري في هذه الدولة المحورية المنشغلة في حرب داخلية يشارك فيها العالم في مؤامرة لا مثيل لها في التاريخ. 

لذلك عندما نتساءل أين الدور التثقيفي الاستنهاضي المعرفي لمثل هذه الفضائيات؟ وأين هي من المثقفين والمفكرين؟ ولماذا لا تستقطب الطاقات المؤثرة لكي تقول كلمتها وتمارس دوراً تنويرياً ذا قيمة؟!

والأنكى من ذلك أن بعض الفضائيات أخذت تستعيض عن الإعلاميين المهنيين المعروفين بفنانات ليس لهن علاقة بالإعلام لتقديم برامج ترفيهية، في استثمار لحضورهن الفني أو ربما الشكلي، ليتم إنتاج برامج ذات طابع استعراضي. أما أولئك الذين يتذرعون بأن البرامج الثقافية الهادفة لا طائل لها، فإن أمثلة كثيرة أثبتت أن هذا الإدعاء هو لتبرير الانصراف عن الثقافة، فهناك فضائيات فلسطينية أنتجت برامج ثقافية وحققت نجاحاً، وهناك إعلاميين مثل زاهي وهبي، نجحوا في التأكيد أن البرنامج الثقافي الإبداعي، يمكن أن يستمر لسنوات طوال ويكوّن جمهوراً ذواقاً.

 وإذا انتقلنا من البرامج إلى الأخبار، فنجد أن الفضائيات منقسمة سياسياً وأن المهني أصبح ذيلاً للسياسي أو لأجندات دول، ويستطيع المتابع سلفاً أن يقدر كيف تتناول فضائيات معينة نفس الحدث في سوريا بمنظارين مختلفين وفق أجندات دون الاحتكام إلى المعايير المهنية، وكأن نشرات الأخبار تحولت إلى تصفية حسابات وإثارة نعرات، فيما تغيب الحقيقة أو تغيَّب فعندما تقصف الطائرات السورية الإرهابيين، تلجأ بعض الفضائيات إلى القول إن القصف استخدمت فيه براميل، وعندما تهاجم الجماعات التكفيرية، يقال إنها استهدفت قوات النظام، وكأن أبناء الجيش السوري هم من كوكب آخر، أو كأن المواطن السوري البريء إذا دمر بيته، فإن ذلك ليس مهماً متناسية أو متجاهلة مثل هذه الفضائيات بأنها تشكل غطاءً للإرهاب حتى لو اختلفت مع النظام أو توجهاته وتحالفاته، وهذا ذلك ليس مبرراً للتغطية على الإرهاب، لأن الإرهابيين لا أخلاق لهم، فمن يدمر بلداً لا يتورع عن تدمير بلدان أخرى، أو أن يقتل أبرياء في بلدان أوروبية تحت شعارات لا يغذيها سوى الدم والأحقاد واستهداف إنسانية الإنسان، التي هي مقدسة بكل المقاييس فمن يقتل مواطناً في سوريا أو العراق أو باريس أو في أي مكان، في مقهى أو ملعب كرة قدم أو في سوق هو إرهابي قاتل لا يجوز تبرير جريمته لأنه لا يخدم قضية وإنما يسيء لقوميته ودينه، ويحرف الاتجاه عن القضايا المركزية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. 

المطلوب من وسائل الإعلام العربية وبخاصة الفضائيات إنتاج معرفة وثقافة، باستدعاء الإيجابي من موروثنا الثقافي واستبعاد السلبي والبناء على الإيجابي ضمن آليات تتيح لنا مواكبة الإيجابي في ما تنتجه البشرية، دون أن نصبح عبيداً للعولمة وما تكرسه من تبعية وتعظيم للغرب وتقزيم للآخرين، على اعتبار أن الآخرين مجرد مستهلكين للثقافة، فالتكنولوجيا التي ينتجها الغرب، يفترض أن نتعامل معها بوعي ونوظفها في خدمة التنمية وتوسيع آفاق معارفنا، أما ثقافة الاستهلاك وضرب القيم الإنسانية وتسويق المرأة كجسد، فينبغي أن نتحرر منها، في الإعلام وفي المناهج التربوية وفي كل مناحي الحياة. 

التعليقات