شهادات فلسطينية على مجزرة الحرم الإبراهيمي

شهادات فلسطينية على مجزرة الحرم الإبراهيمي
صورة أرشيفية
رام الله - دنيا الوطن
دقيقة أو اثنتان بعد إقامة صلاة الفجر قبل أربعة وعشرين عاما... عادل إدريس إمام الحرم يقرأ من سورة السجدة قوله تعالى "إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ "، ثم خر بسجدة التلاوة، فتبعه المصلون، فكانت السجدة الأخيرة لـ 29 مصليا في الحرم الإبراهيمي الشريف.

الإمام إدريس يسترجع الأحداث التي سبقت المجزرة، التي وقعت في الخامس والعشرين من شباط 1994، بقوله: في تلك الليلة كنت أصلي العشاء والتراويح في مسجد طارق بن زياد، ودخل قريب لي وهو أحد شهداء المجزرة ذياب الكركي "علينا في المسجد، وقال لي: إن المستوطنين هددونا وتوعدونا، ونحن نصلي التراويح في الحرم الإبراهيمي وقالوا لنا "شوفوا شو راح يجرى لكم غدا فجرا"، وفق ما أوردت وكالة الأنباء الرسمية (وفا).

ويسرد تفاصيل ما حدث: فعلا توجهت مع أقاربي وجيراني لصلاة الفجر في الحرم الإبراهيمي من يوم الجمعة، وكان هنالك شيء غريب يجري في المكان،  تدخل حراس الحرم من جيش الاحتلال، وفصلوا المصليات عن المصلين ليصلى بهن في الجاولية للمرة الأولى، وليس في اليوسفية خلف الرجال، دون معرفة الأسباب والدوافع المبيتة، وترك فراغ لأربعة صفوف خلف المصلين، وأميت بالمصلين، وفي السجدة تم إطلاق النار على المصلين بشكل مباشر، واستشهد أخي سليم، وابن خالتي ذياب الكركي اللذين كانا بالقرب مني، كما استشهد قريب لي زائر من الأردن تمنى أن يصلي في الحرم الإبراهيمي، وكان من بين الشهداء.

وكان الإرهابي "غولدشتاين " خلف المصلين، وكان في حراسته جيش الاحتلال، وأكثر من 15 مستوطنا في  الحضرة الإبراهيمية كانوا يطلقون الرصاص أيضا لإنقاذ" غولدشتاين" بعد تنفيذه المجزرة.

وتابع: تم القضاء على الإرهابي بتعاون من المصلين، كل الشهداء كانوا حولي، ولم أصب بشيء، وحاولنا إسعاف الجرحى، وإخراجهم إلى سيارات الإسعاف، وتفقدنا الشهداء وإصاباتهم، والسجاد غطي بالدماء، وأُطفئت الكهرباء من قبل الاحتلال، وأعاقوا إخلاء الجرحى والشهداء.

وأضاف: هذه المجزرة كان مخططا لها وليست وليدة فكرة غولدشتاين "وحده، كما أن الشهداء والجرحى أصيبوا بأكثر من نوع من الرصاص.

وتم إغلاق الحرم عقب الجريمة مدة ستة أشهر، وكانت أهداف الاحتلال واضحة تماما، تم إغلاق السوق المركزي، والحسبة، وشارع الشهداء، وتقسيم الحرم.

وقال: فرض العالم ضغطا هائلا على الاحتلال فشكل لجنة "شمغار" التي أدانت الحكومة الإسرائيلية وأثبتت أن العمل مخطط له، وفرضت تعويضات لأهالي الجرحى والشهداء، معظم الأهالي أخذت التعويضات، ومنهم من رفض، وأطلقت حملة تبرعات لمدينة الخليل من الدول العربية، وتم من خلالها بناء مدرسة الزهراء في البلدة القديمة، وقسم من المستشفى الأهلي في مدينة الخليل.

وتابع: كنت أول من دخل الحرم بعد المجزرة بعد 6 أشهر،  اخفوا آثار الجريمة ومكان الرصاص، ووضعوا لاصقا عليه، وحفروا قبور الأنبياء، ومكان البلاطة واضح متر في متر، ومكان الحفر مغطى بالسجاد، لا نعرف ماذا عملوا هناك في مغارة "المكفيلا" خلال فترة الإغلاق.. في ذلك الوقت كانت ردة الفعل من خلال تنفيذ عمليات داخل كيان الاحتلال .. ولم تكن هناك فكرة مثل ما حدث في المسجد الأقصى من رفض دخول للمصلين حتى يرجع كل شيء إلى ما قبل المجزرة ...البوابات الالكترونية.. والحواجز العسكرية... والكاميرات .. بالإضافة إلى تقسيم الحرم بين اليهود. والمسلمين".

وأشار إلى أن الاحتلال كان يريد الحرم بالكامل لليهود، ولكن ضغوطات هائلة من العالم جعلته يرضى بتقسيم الحرم، مشيرا إلى أن المجزرة كانت بداية مخططات الاحتلال، لتنفيذ جريمة تطهير عرقي وتشريد الفلسطينيين من البلدة القديمة، لتهويد المنطقة، وأغلقت البلدة القديمة بشوارعها، وأسواقها، وقسم الحرم بين المسلمين واليهود في خطوة غير مسبوقة.

وبين أن الاحتلال ما زال يسعى إلى تهويد المنطقة من خلال المضايقات اليومية، والإجراءات التعسفية، لتخويف الناس، وثنيهم عن الوصول إلى الحرم الإبراهيمي، داعيا المسلمين إلى حماية الحرم من مخططات الاحتلال، والوصول إليه لأداء الصلاة، واعماره.

وقال الشيخ حسني الرجبي (66 عاما) أحد مصابي مجزرة الحرم الإبراهيمي: في تلك الليلة التي سبقت المجزرة، أّخر الاحتلال صلاة العشاء لعدة ساعات، وكان هناك استنفار من جيش الاحتلال، وأشياء مريبة تحدث في المكان ، وفي يوم الجمعة 25/2-1994 صليت في الصف الأول بالقرب من الإمام، وسمعت إطلاق النار في ركعة السجدة، فكرت انه من ضمن عيد المساخر، والتشويشات على المصلين المسلمين، ونظرت حولي وإذا بالتكبيرات والصراخ، والمصلين خلف الأعمدة للاحتماء من الرصاص،صراخ  وفوضى ومصابين ملقون على الأرض، تعاون المصلون في الوصول الى مطلق النار، وألقى الشهيد نمر مجاهد عبوة الإطفاء نحوه عن قرب، واستشهد على الفور وأخذت أسعف المصابين، ولم اشعر بإصابتي حينها،  خاصة أنني كنت البس الفروة الصوفية من البرد، وكانت زوجتي معي هي، والأولاد واطمأننت عليهم، وبعدها شعرت بثقل يدي، وانتفخت، ووقتها تم إسعافي، ونقلي إلى مستشفى عالية، ومنها إلى مستشفى المقاصد لخطورة الإصابة برصاص الدمدم.

 وأشار إلى أن المجزرة كانت بداية مخططات الاحتلال لتنفيذ جريمة تطهير عرقي وتشريد الفلسطينيين من البلدة القديمة، لتهويد المنطقة، وأغلقت البلدة القديمة بشوارعها، وأسواقها، وقسم الحرم بين المسلمين واليهود في خطوة غير مسبوقة.

وتحدّث الرجبي عن رحلة علاجه التي دامت عاما كاملا، شهرين في المقاصد، و10 أشهر في المدينة الطبية في الأردن، والذي تبرع بها الملك حسين، مؤكدا أن الجرحى تم الاهتمام بهم بشكل ممتاز، وكانت المستشفيات تعج بالزائرين من الفلسطينيين والأردنيين لعيادة جرحى المجزرة.

وقال: مشاهد المجزرة بقيت في الذاكرة، ومشاهد الجريمة البشعة والشهداء والجرحى ولهفة الأهالي، ومشهد مشرق من إخواننا في مدينة القدس الذين زاروا الجرحى، واحتضنوهم، وكان مشهد من التآخي الطيب، الذي يعزز صمود المواطنين الفلسطينيين في أرضهم، ويزيد من التمسك في مقدساتهم.

وأسفرت مجزرة الحرم الإبراهيمي عن استشهاد 29 مصليا وإصابة العشرات، وأثناء تشييع ضحايا المجزرة، أطلق الجنود الإسرائيليون رصاصا على المشيعين فقتلوا عددا منهم، ما رفع عدد الضحايا إلى خمسين شهيدا، و150 جريحا.

وعقب المجزرة وفي اليوم ذاته، تصاعد التوتر في مدينة الخليل، وقراها، وكافة المدن الفلسطينية، وزاد عدد الشهداء إلى أكثر من 60 شهيدا.

التعليقات