مصر تحجب 500 موقع الكتروني منذ آيار 2017

مصر تحجب 500 موقع الكتروني منذ آيار 2017
رام الله - دنيا الوطن
وصل عدد المواقع المحجوبة في مصر، منذ أيار 2017 حتى الآن، إلى 497 موقعا إلكترونيا على الأقل، بحسب ما رصدته مؤسسة حرية الفكر والتعبير خلال تقريرين الأول بعنوان "قرار من جهة مجهولة"، والثاني "بقرار أحيانا". إلا أن المؤسسة في تقريرها الجديد الذي حمل عنوان "غلق النوافذ" وصدر أمس الثلاثاء، وجدت أنه في الفترة من 7 كانون الأول 2017 حتى نهاية كانون الثاني 2018، تمّ حجب 31 موقعا جديدا، حتى بات عدد المواقع المحجوبة، رغم ارتفاعه، لا يُشكّل الدلالة الحقيقية على ممارسات السلطة لفرض السيطرة على الأخبار المتداولة على الإنترنت في مصر بقدر ما توضّح نوعية المواقع المحجوبة اتجاهات السلطة في فرض الرقابة على الإنترنت عموما.

"السعي للسيطرة على تبادل الأخبار والمعلومات"، تحت هذا العنوان، أشار التقرير إلى أن بداية الحجب كانت في أيار 2017، مُوجّهة للمواقع التي تقدم محتوى خبريا وإعلاميا، والتي لم تكن تُسيطر عليها السلطة سواء عبر ملكيتها، كمواقع الصحف القومية، أو عبر علاقات تربط بين بعض من رجال الأعمال والأجهزة الأمنية في مصر.

بدأ الحجب في مصر بحجب واحد وعشرين موقعًا جميعها تقدم محتوى صحافيا وإعلاميا باستثناء موقعين فقط، لاحقا ظلّ عدد المواقع في ارتفاع بما في ذلك المواقع الصحافية، حتى وصل عددها الآن إلى 108 مواقع على الأقل، تتنوع بين المواقع الإخبارية والمواقع التابعة لقنوات فضائية والمواقع الصحافية المستقلة، بالإضافة إلى حجب 6 مدونات من ضمنها واحدة من أوائل المدونات المصرية، مدونة جردل منال وعلاء، والتي لديها تاريخ من دعم نشاط التدوين في بدايته منذ عام 2004، فقد استضافت المدونة مدونات مصرية أخرى كما قدمت دعما تقنيا في بداية انتشار التدوين في مصر.

وقد شملت قائمة المواقع الصحافية المحجوبة في مصر العديد من المواقع ذات الجمهور الواسع كموقع مدى مصر وجميع المواقع التابعة لقناة الجزيرة والعربي الجديد والمنصة ودايلي نيوز إيجيبت والبديل ومصر العربية، في حين احتوت القائمة أيضا على عدد من المواقع الإخبارية المحلية ذات الجمهور المحدود نسبيا، وهو ما يمكن أن يُفسَّر على أنه قرار من الحكومة المصرية بالسيطرة التامة على نوعية الأخبار التي تُنشر على الإنترنت، بما في ذلك التي يتم تداولها على نطاق محدود.

كما حجبت السلطات المصرية مواقع تقدم محتوى يتعلق بحقوق الإنسان، وقد وصل عددها إلى 12 موقع وب، مثل موقع الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان وموقع منظمة هيومان رايتس وواتش ومنظمة مراسلون بلا حدود والمفوضية المصرية لحقوق والحريات ومرصد صحافيون ضد التعذيب.


الحجب كممارسة جديدة على المستخدم
أوضحت المؤسسة أن مصر لم تعرف سابقاً ممارسة حجب مواقع الويب، وبالتالي لم تكن مهارة تجاوز الحجب واحدة من المهارات الأساسية التي يكتسبها المستخدم المصري خلال استخدامه الاعتيادي للإنترنت، كما في بعض الدول العربية التي لديها تاريخ من ممارسة الحجب. إلا أنه بعد تزايد عدد المواقع المحجوبة في مصر؛ عجّت الشبكات الاجتماعية بنصائح لتجاوز الحجب وروابط لخدمات مجانية تمكّن المستخدمين من الوصول للمواقع المحجوبة، كما بدأت بعض المواقع المحجوبة في توجيه جمهورها، عبر الشبكات الاجتماعية، نحو الاعتماد على مواقع الخوادم الوكيلة كوسيلة مجانية سهلة الاستخدام للوصول لمحتوى المواقع المحجوبة.
وعلى الجانب الآخر فقد حاولت المواقع المحجوبة إيجاد آليات سهلة للوصول لجمهورها كالاعتماد على منصات بديلة لنشر محتوى المواقع المحجوبة أو الاعتماد على خدمات كخدمة صفحات الهواتف المحمولة المُسرّعة (AMP) وهي واحد من أهم الخدمات التي يقدمها غوغل، وتعتمد عليها ملايين مواقع الويب.

حجب AMP، موقع واحد يؤثر على ملايين المواقع الأخرى
وتُظهر خدمة صفحات الهواتف المحمولة المُسرعة (AMP) روابط بديلة للروابط الأصلية في نتائج البحث على محرك بحث "غوغل"، بحيث تُشير إلى روابط أخرى من نطاق غوغل، ما يعني أنه في حالة أن ظهر موقع محجوب في نتائج بحث غوغل، وكان هذا الموقع يستخدم صفحات الهواتف المحمولة المُسّرعة (AMP) فسيتم توجيه المستخدم لصفحة غير محجوبة.
وهذه هي الطريقة التي اعتمدتها بعض المواقع المحجوبة في مصر، حيث تم اعتماد الروابط المُنتجة من AMP ونشرها على الشبكات الاجتماعية لتصل إلى الجمهور دون أن يكون لديه خبرة تقنية تُمكّنه من تجاوز الحجب.

ومع ذلك، وبعد انتشار استخدام خدمة صفحات الهواتف المحمولة المُسّرعة (AMP) من قبل بعض المواقع المحجوبة في مصر ومنها موقع "مدى"، لجأت الحكومة المصرية إلى حجب الخدمة في 3 فبراير/شباط 2018، وهو ما أثر على مستخدمي الهواتف الذكية القادمين من محرك بحث غوغل لأي موقع يستخدم AMP، حيث أصبح المستخدمون غير قادرين على الوصول لهذه المواقع، بما في ذلك المواقع التي لم تقم الحكومة المصرية بحجبها، وعلى ذلك، فقد أعلنت غوغل إيقاف الخدمة في مصر.

كما وعت السلطات المصرية سريعا لتنامي ثقافة تجاوز الحجب. وفي نهاية آب 2017 اتخذت الحكومة المصرية اتجاهًا آخر في الرقابة على الإنترنت، حيث رصدت المؤسسة حجب 261 موقعًا في آب 2017 من مقدمي خدمات الشبكة الخاصة الافتراضية (VPN) والخوادم الوكيلة (Proxy Server) وقبلها كان قد حُجب موقع تور وجميع المواقع التابعة له. الجدير بالذكر أن عدد المستخدمين المصريين ممن بحثوا في محرك بحث غوغل عن طرق تجاوز حجب المواقع قد سجل زيادة في الفترة التي بدأ فيها حجب الموقع وبعد بداية حجب مواقع تجاوز الحجب، ويظهر ذلك من خلال البيانات التي توفرها غوغل عبر منصة Google Trends، بحسب التقرير.
من المُلاحظات التي يمكن أن تُؤكد نية الحكومة في توسّعها في حجب مواقع الويب، وفقًا للتقرير "إن جميع المواقع المحجوبة لم يتم حجبها هي فقط بل حُجب معها النطاقات الفرعية للنطاق الأصلي للموقع المستهدف حجبه، فنرى أن حجب موقع مشروع تور حُجب معه 6 مواقع أخرى تستخدم نطاقات فرعية من النطاق الأساسي، على الرغم من أن الموقع لا يقدم سوى بيانات حول عدد مستخدمي شبكة تور، بنفس الطريقة حُجب نطاق فرعي من منظمة مراسلون بلا حدود، ومع حجب موقع قناة الجزيرة حُجبت 9 نطاقات فرعية لمواقع بعضها لا يقدم محتوى سياسيا مثل موقع الجزيرة الرياضية وموقع لتعلم اللغة العربية، في حين أنه تم حجب نطاقات فرعية لبعض المدونات التي تستخدم خدمة التدوين الشهيرة بلوغر إلا أنه لم يتم حجب النطاق الرئيسي.


وأكدت المؤسسة رفضها التام لأي نوع من أنواع الرقابة التي تُفرض على حرية التعبير وحرية الصحافة وحرية الإنترنت. ورأت أن ممارسة الحكومة المصرية منذ 24 أيار 2017 حتى الآن، تُمثّل استمرارًا للإرادة السياسية للسلطات المصرية لفرض السيطرة على المجال العام، والذي بدأ بحِزم من القوانين التي تسعى لغلق المجال العام والسيطرة على المنصات المختلفة لحرية التعبير سواء كانت الصحف والقنوات الفضائية أو المنصات الرقمية المختلفة، وترى المؤسسة أنه لا يمكن فصل ممارسات الحجب التي قامت بها السلطات المصرية عن عمليات إعادة تشكيل سوق الإعلام المرئي والمقروء في سبيلها للسيطرة والحد من تأثير الإعلام والصحافة الرقمية.

وتخالف الحكومة المصرية بممارسة الحجب ما نصت عليه المادة 57 من الدستور، والتي تقول: "تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين في استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها، ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها، بشكل تعسفي، وينظم القانون ذلك"، والمادة 65 والتي تنص على "حرية الفكر والرأي مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو الكتابة، أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر". وأيضا المادة 71 "يحظر بأي وجه فرْض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها. ويجوز استثناء فرض رقابة محددة عليها في زَمن الحرب أو التعبئة العامة".
كما تخالف ممارسات السلطات المصرية فيما يتعلق بحجب المواقع نص المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تنص على "لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود". والمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتي تنص على: 1. لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة. 2. لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها".

وطالبت المؤسسة الحكومة المصرية وشركات الاتصالات في مصر برفع الحجب عن جميع المواقع، والإعلان عن القرار الصادر بحجب المواقع وعن الجهة التي أصدرته والسند القانوني لهذا القرار.

التعليقات