في الرد على القيادي الفتحاوي د. عبد الله عبد الله

في الرد على القيادي الفتحاوي د. عبد الله عبد الله
في الرد على القيادي الفتحاوي د. عبد الله عبد الله:

 لسنا في جيب أحد، والوطن بيت الجميع
 د. أحمد يوسف

في تعبير أظن أنه خانته فيه الدقة والتقدير، وجه د. عبد الله عبد الله؛ القيادي في حركة فتح، اتهاماً لي، قال فيه: "إن القيادي في حركة حماس أحمد يوسف، أصبح بوقاً لمحمد دحلان"، مضيفًا: "كنت أحترم هذا الرجل، وأحترم مقالاته، لكن يبدو أنه يجري خلف دحلان، ويريد أن تتعاون حماس مع دحلان على حساب المصالحة مع حركة فتح". 

في الحقيقة، إن د. عبد الله قد جمعتنا بسعادته عشرات اللقاءات على الفضائيات العربية وربما الانجليزية، ولم أجده يوماً من ناحية التقييم يتوخى الموضوعية، فهو عادة ما يتحدث بلغة حدية تجاه الآخرين، ولا يجرؤ على توجيه انتقاد - ولو لمرة واحدة - يقول فيه: نعم؛ أخطأنا!! باعتبار أن حركة فتح من وجهة نظره أنها مبرأة من كل عيب!! في حين كنت أجهر بما أراه خطأ هنا أو هناك. ولعل هذه الصدقيِّة في لغة خطابي الوطني هي من حباني احترام الناس وتقديرهم، وهذا فضل من الله ونعمة.

ولأننا لا نمتهن أسلوب الاتهامات والتجريح، كونه لغةً ليست من أدبياتنا، ولا من مدونة سلوكنا العام، حيث تربينا في محاضن دعوتنا على أخلاقيات "وقولوا للناس حُسنا"، ولا تنسوا الفضل بينكم!! فإنني سأرد على أخي سعادة د. عبد الله بما أراه رداً مناسباً في هذا المقام، بدل رد الاتهام باتهام، وإيثار تقديم الحسنة على السيئة، كما هو جارٍ في محاسن الرأي والآثار.

أولاً؛ لقد كنت – يا دكتور عبد الله - ومنذ أن وقع الانقسام في يونيه 2007 موجهاً قلمي ولساني كشفرة حادة لكل من رأيت أنه بسياساته وتصريحاته وأفعاله سبباً فيما جرى من أحداث مأساوية، والتي - حسب وعي بها - لم يسلم من الاتهام فيها أحد، فحجم الكارثة كان أكبر من أن يتحمل مسئوليته طرف دون آخر؛ فالكل – يا دكتور عبد الله - طاله الذنب؛ من الباب إلى المحراب!! والفرق بيني وبين الآخرين أنني كنت أضع الوطن فوق الجميع، وأنطق بـ"الحق المرِّ"، ولم أعطِ للحزبية أو المصلحة الشخصية ذلك القدر من القيمة التي عمل به غيري. لم أكن طهبوباً أو أرزقياً أو سحيجاً لأحد؛ لأنني كنت أدرك بأن الوطن فوق الجميع، وأن الوطنية كانتماء هي أكبر وأسمى وأجل وأعظم من زيد أو عمرو، وأننا لن نتمكن كشعب من صياغة رؤية تعزز من قدرات مشروعنا الوطني إذا كان الواحد منا أو الفصيل بيننا يتزر بثوب أخرق من الرياء، وأن مكانتنا كأصحاب مشروع تحرري لن يجسد ملامحها وعلياءها حالة التشرذم والتشظي والانقسام، وأشكال الحزبية التي نخرت فينا كتيارات وتوجهات لها خلفيات أيدولوجية ودينية متباينة، ومزقتنا شرَّ ممزق، وجعلت البعض منا يمنح الأسماء قداسة على حساب الوطن، ولعل شاعرنا الفلسطيني المبدع محمود درويش خير من عبر عن تلك الحالة، حين أنشد قائلاً: "سنصير شعباً حين ننسى ما تقول به القبيلة".

نحن نعتز ونفخر بأن الرئيس أبو عمار (رحمه الله) وحركة فتح حملت المشروع الوطني حيناً من الزمن، كما حمله غيرها من فصائل العمل الوطني والإسلامي بمستويات متفاوتة وأزمان مختلفة، وجاء صندوق الاقتراع في انتخابات نزيهة عام 2006 ليقول كلمته، ويحكم بين الجميع؛ "كلٌّ ما له وما عليه"، وحين تراجعت حظوظ الكثيرين تقدمت حركة حماس. وللأسف، لم تمنح حماس فرصة التمكين، وتآمر عليها الجميع، وتدافعت على قصعتها الأكلة من كل جانب، حتى وصلنا إلى الحال الذي شعرنا معه بالوهن مجتمعين، وتلاسنَّا وهتكنا أعراض بعضنا البعض حتى سمعنا القاصي والداني!! وكان لكل منَّا حججه وادعاءاته للتشهير بالآخر وتشويه صورته وإدانته، ولكن - للأسف - لم يتحمل أي طرف شرف الخصومة ويعترف بالخطأ؛ كونه فضيلة، ويتقدم لشعبنا وضحاياه بطلب الصفح والاعتذار!! 

ثانياً؛ لقد كتبت بقلمي الكثير في سياق المراجعات، وتحملت أذى الجميع، حتى قبيلتي التي نشأت وترعرعت بين أحضانها - بسيفي وقلمي - لم ترحمني، بل كان لبعض فرسانها سهامهم الجارحة التي تحملتها؛ فهم أهلي وناسي، وأحب خلق الله إلى قلبي، وبأنفاسهم الطيبة ألقى وجه الله.

أنت تعلم - يا دكتور عبد الله - أنني انتصرت للرئيس أبو مازن في أكثر من محطة، ودعمت مواقفه في الأمم المتحدة، وحرصت على أن التقيه وأتحدث إليه من أجل اجتماع الشمل الفلسطيني، ورأب الصدع بين فتح وحماس، وكنت أحتسب ما يقوله هذا أو ذاك - جهلاً وغباءً - عني؛ لأن بغيتي كانت هي الوطن، ولم يكن الأمر طمعاً في ذهب المعز أو خشية من سيفه، فليس لي عند أحدٍ من حاجة، وقد تقدمت مكانةً بشهاداتي وعملي الدؤوب في الداخل والخارج؛ بين أهلي وفي شتات غربتي، وكم كان يحزنني رؤية قيادات ومفكرين باعوا أنفسهم وأغرقوها في ضلال مبين، لإرضاء من نظروا إليه كوليٍّ لنعمتهم هنا أو هناك.

للأسف؛ كان هناك كثرة ممن مردوا على النفاق، ومن وعَّاظ السلاطين؛ الكل يعرفهم بسيماهم، وفي لحن القول على منابرهم، وكان هناك أيضاً الكثير من أصحاب الأقلام الرخيصة، ممن تاجروا بثمن بخسٍ، ومرَّغوا كرامتهم على بلاط والينا، فلا تسمع منهم - إذا جدَّ الجدُّ - ركزا؛ فلا كلمة ترد الضلال ولا نصيحة تقوِّم المسار!! وأوصلوا والينا – رحم الله والينا - إلى مقام الربوبية والألوهية، فغدا كل ما يقوله أمراً مطاعاً؛ فتوجيهاته هي مشكاة النور الساطع، وكلماته هي الفصل القاطع!! هؤلاء - للأسف – هم سدنة الفراعين، الذين أبيَّت أن أكون من بينهم أجمعين.

لقد حاولنا – يا دكتور عبد الله - من خلال كلماتنا في إطار الرأي والمشورة أن نسدد وأن نقارب، ولكن - للأسف - كان سوق النفاق مفتوحاً لأهلٍ لسنا منهم، فضاعت النصائح وطاشت ثمراتها.

لم أبع نفسي أو قلمي يوماً لأحد، والبينَّة على من ادَّعى، وعلى من ضلَّ وغوى، وقد أفردت العديد من الرسائل في إطار النصيحة لكل من الأخ الرئيس أبو مازن وللنائب محمد دحلان ولآخرين من أهل المكانة في السلطة والحكومة، وحتى لإخواني في قيادة حركة حماس، وكل ذلك بدافع الغيرة على أهل هذا الوطن وسمعته، التي عملنا من خلالها على "فلسطنة" الضمير العربي والإسلامي، حتى غدت فلسطين هي قضية الأمة المركزية.

وفيما يتعلق بالنائب محمد دحلان، الذي اتهمتني بأني بوقاً له!! فدعني أقول لك: إن هذا "الدحلان" على رأي صاحبك الذي تعرفه، كنتم جميعكم تمسحون له الجوخ تزلفاً إليه، وتتقربون منه خوفاً وطمعاً، أما الآن فصرتم تتقربون لغيره بالتطاول عليه!! عيب يا دكتور عبد الله.. فما هكذا تورد الأبل!!

ثالثاً؛ إن النائب دحلان هو بالنسبة لي مكون وطني، وهو يجتهد من خلال التيار الذي يقوده للحفاظ على حضوره ضمن الخارطة السياسية، ونحن لسنا كالآخرين إذ اختلفنا مع أحد نزعنا عنه ثوب الوطنية، وألقينا عليه التهم التي لا مكان لها في قاموسنا الوطني، والتي يلجأ لها - عادة – المفلسون، حتى أفرغنا الساحة الوطنية من رجالاتها، ولم يعد هناك – للأسف – من يمكن التعويل عليهم لتقديم الدعم والمساعدة في سياق ما نحسبه جهد الاستطاعة والالتزام الوطني.

يا سعادة الدكتور.. إن قطاع غزة يحتضر، وأنتم تتفرجون على عذابات أهله، وتطلبون منا تمكيناً بمقاييس لا نفهم خلفية مراميها، إلا إذا كنتم تقصدون أن يكون مشهد قطاع غزة كلأً مستباحاً وبلا عرين، كما هو حال الوطن الحزين عندكم؛ أي حق الاحتلال في العربدة دون أن تهتز لكم نخوة أو كرامة، وأن المطلوب من أهل غزة ألا تُسرج خيولهم، وأن تبقى في حالة خِصاءٍ لا تصهل!! لأن "بُسطار" الاحتلال هو قانون المرحلة!!

يا دكتور عبد الله.. قلنا لكم تفضلوا هذه غزة قد فتحت لكم أبوابها، ومدت لكم بحرارة أذرعها، واحتضنتكم بشوق وترحاب ودونما عتاب، باعتباركم الأهل والعشيرة وحكَّام المدينة، فلماذا كل هذا الجفاء والعقوق تحت ذرائع وادعاءات لا تعنى إلا التطنيش والتهرب من المسئولية؟

في المقابل يا دكتورنا العزيز، يظهر النائب دحلان داخل المشهد الإغاثي والإنساني والوطني كمنقذ؛ يتفهم أوجاع الناس وحاجاتهم، أما أنتم فعصى الجلاد هي ما تلوح بأيديكم، وكأنكم تريدون لغزة أن تركع، وأن تُقهر إرادة أهلها، وتُكسر شوكة مقاومتها!! 

فهل فهمت الآن يا دكتور عبد الله لماذا غزة يممت وجهها طالبة الخلاص شطر من يأخذ بيدها؟

نحن نعشق هذا الوطن بأرضه الطهور، التي باركها الخالق (سبحانه وتعالى) للعالمين، وكنا أول من طالب أن تظل علاقات التواصل قائمة بينا، وألا تنحرف البوصلة بتشرذمات الساحة السياسية ومناكفاتها، ولكن - للأسف – كانت خصومات البعض بلا شرف، وما بين صكوك الغفران والخيانة، التي امتهنها هذا الفصيل أو ذاك، أذهبنا هيبتنا ومكانة قضيتنا بين العالمين، وبدل أن نسدد ونقارب ونعمل على إنهاء الانقسام سمحنا للمنافقين أن يوجهوا إعلامنا، حتى طاشت السهام واختلطت المفاهيم، وأصبحت مفردات البعض الظالمة تمضي في سياق غير وطني باعتبارها مقدسات. 

لست عاتباً على ما قلت، حيث إن ساحة الخصومة السياسية تحتمل شطط ما ذكرت، ولكني أعيد وأكرر بأن النائب دحلان هو أيضاً خصم سياسي، ويقف على رأس تيار فتحاوي عريض، وهو اليوم لا يناكف أحداً، ويتمنى لنا ولكم أن يجتمع شملنا، وهو معنا على من عادانا.. لذلك، كانت كلماتي دائماً تحفظ للآخر حقه بلا إقصاء؛ باعتباره جزءاً مني كمكون وطني وشريك سياسي؛ توافقنا أو اختلفنا فنحن على قناعة بأن الوطن يسكننا على حدٍّ سواء.

أتمنى عليك يا دكتور عبد الله، أن تُحكِّم ضميرك، وأن تعطي القوس باريها، وأن تتوخي بكلماتك مصلحة الوطن، وأن تعمل على وحدته، وليس التغريد الذي يطرب لحنه جهة هنا أو هناك. 

أتمنى أن نصحو جميعاً قبل أن تأخذنا ريح عاصف لا تنفع عندها الاعتذارات والنجوى.

وهنا أعاود التكرار لأهمية المسألة، وهي أن معرفتي بدحلان أنه كان خصماً عنيداً لحركة حماس، ولكنه كان رجلاً في موقفه، حيث واجه ما وقع في تلك المرحلة وتحمل المسئولية ودفع أكلافها وعقد العزم على طي صفحاتها بما له وما عليه كي يجتمع شمل الوطن، وكان أيضاً رجلاً عندما اعترف بوقوع أخطاء، واعتذر عنها.. واليوم، مواقفه تشهد بأنه فتح صفحة جديدة مع خصومه السياسيين، واستعد للعمل معهم في إطار شراكة وطنية لم تضع شروطاً على أحد، فهل عرفت الفرق بين من أقبل وهيء الأسباب لنعمل معاً، ومن أدبر ووضع العراقيل إلا إذا وقع التمكين، الذي يحقق اقصاء الآخرين؟!!

يا أخانا العزيز؛ يا دكتور عبد الله.. إننا في حركة حماس قد أوضحنا في أكثر من مناسبة بأن نظرتنا للأخ (أبو فادي) تأتي في إطار طي صفحات الماضي، وتجاوز ما كان بيننا من خلاف، حيث إن الوطن يحتاجنا جميعاً، ولسنا على الأحقاد نبني مواقفنا، وقد أوضح هذا الأمر الذي نحن عليه الأخ خليل الحيَّة؛ نائب رئيس المكتب السياسي في قطاع غزة، بلغة صريحة لا تحتمل الاجتهاد أو التأويل، حين أشار في مقابلة له مع صحيفة "الشروق" المصرية، قائلاً: "إن قضية دحلان في الأساس هي أزمة داخلية في حركة فتح، وليس لحماس شأن بها، كما أننا في الحركة أعدنا العلاقات مع دحلان لأننا لن نظل نستحضر الدم والثأر، خاصة وأنه أحد رجالات فلسطين، وأي شخص يريد خدمة شعبه نحن نرحب به.. كما أن محمد دحلان موقفه من المصالحة الداخلية واضح، وقال لنا اتفقوا وأنا سأقف أصفق لكم، فهو وتياره من خلال لجنة التكافل التي تشارك بها بعض الفصائل إلى جانب حماس قام بجلب مساعدات من الإمارات لمساعدة أهل القطاع، ونحن هنا نشكره، كما نشكر دولة الإمارات التي قامت بدفع الأموال".  

كما أسلفت، أنا هنا - يا دكتور عبد الله - لست أكثر من عاتب عليك، ولا يليق بشخص دبلوماسي مثلك تداول مفردات تستفز الحكيم، وتستدعي الجهر بالسوء؛ لأن ظلماً قد وقع. 

أتوقف هنا، فالحرُّ تكفيه الإشارة، وإن عدتم عدنا، والله وليُّ الصابرين.

التعليقات