الاغتراب والطائفية

الاغتراب والطائفية
 د. يسر الغريسي حجازي
13.2.18

الاغتراب والطائفية 

"إن قوة وضعف الدكتاتوريين تكمن في التوصل إلى اتفاق مع يأس الشعب".  جورج برنانوس
ان التعصب الفكري يثير الاعتماد علي الاستعباد النفسي، ويساهم تماما في تمزق كامل للنسيج الاجتماعي. كيف نفسر الدين من خلال التعصب؟ ما الذي يبرر التعصب؟ كيف يصبح الناس متعصبين؟ يجب أن نفهم أولا أن الطوائف تلتزم باعتماد جماعي للمذهب الديني والإيديولوجي، وأن هذه المجموعات مغلقة على نفسها، وتتبع ممارسات ذات طابع عقائدي، ومعارضة للحرية والمعتقدات، والآليات الاجتماعية المتحضرة. يمكننا أن نلاحظ بعض التجمعات الدينية بين الأحزاب السياسية، ذو علم اجتماع  مضطرب و مرضي. ولكن مرة أخرى، هذه التجمعات غير عقلانية، وهي قادرة على خلق الاغتراب الاجتماعي و التوترات المتعلقة بالبيئة الاجتماعية والثقافية (فرويد،الاطروحة الاجتماعية، 1968). 
هذه النظريات المتعصبة تخلق عقائد تأديبية وعسكرية، والتي يمكن أن تمنع الحوار ، وتدرج نهج ضد النظريات المؤيدة للعلوم الاجتماعية والقانون. وفيما يلي، هناك  بعض الأمثلة حول المؤشرات التي يمكن أن تؤدي إلى التقليل من تقدير الذات: المؤشر الاول يكمن في التفكير الثنائي على سبيل المثال، ان وجهة نظر الإنسان تقتصر على كلمة جيدة أو سيئة. هذه الرؤية الضيقة تقودنا غالبا إلى اتخاذ خيارات سيئة، لأننا لا نستطيع أن نرى الخيارات الأخرى والافضل. يمكن لهذه الحالة المعرفية، أن تؤدي إلى الانهيار العصبي والامراض النفسية. كما ان الفكر الثنائي يمكن أن يدمر شخص، وعلاقاته مع الناس الذين يعيشون من حوله. 
والمؤشر الثاني يكمن في "المانية"، وهي عقيدة أتباع ماني و اسم نبي فارسي من القرن الثالث، و الذي أسس المانية. يمكن للمرء أن يراقب الخطابات السياسية المانية، مثل تلك التي نسمعها في الدول التي تمارس الديكتاتورية العالية.    
على سبيل المثال، ترمز المانية الدينية إلى الأخلاق المتعارضة والاستبدادية، و التي تصدر سلطتها المطلقة من خلال الوصايا. انها صورة نمطية خطيرة تؤدي إلى إخضاع الشعوب، ولها أيديولوجية غير عقلانية ومدمرة للانسان. وهناك أيضا مانية جيوسياسية كمثال البيريسترويكا التي تم تطبيقها من غورباتشوف في روسيا، والتي تم اثباتها من الولايات المتحدة على أنها شر مطلق للانسان، ناهيك عن الايديلوجيات التي صنعتها الصهيونية العالمية و مجلس الشيوخ الامريكي،علي انها محور من محاور الارهاب، في حين أن القاعدة وداعش هما الإنتاج الإسرائيلي الأمريكي. هناك جانبان مظلمان، أحدهما يرمز إلى السلطة، والاخر الي المقاومة، مما يفسر التعصب بجميع أشكاله. وهذا يذكرنا بالرواية الشهيرة للكاتب الاسكتلندي روبرت لويس ستيفنسون (1850-1894)، في الحالة الغريبة  "للدكتور جيكيل والسيد هايد"، حيث ان المؤلف طور نهجا يفصل الخير من الشر. ان نتائج تجربة ستيفنسون مرعبة، حيث أن السيد إدوارد هايد تسمم بشرابه، وتحول إلى شخصية الانا المتغيرة والوحشية. يمكننا أن نميز هنا وجهان من شخصية الدكتور جيكيل والسيد هايد، و يسعيان كليهما الي الاستيلاء على فكر السيد هايد. ان هذه الرواية هي حتى الآن،  روعة من روائع الأدب الانكليزي منذ نشرها في عام 1886 

 ويركز المؤشر الثالث حول النظام الشمولي، أي الأنظمة الشمولية التي يمكن ملاحظتها في الطائفية، والمجتمع الكاريزمي، كالدير، والسجن، والثكنات، والمدرسة الداخلية، والمستشفى. وهي  تعتبر مؤسسات شمولية لأنها تساعد على تشكيل توحيد معين في الهيئات والعقول. عندما تصبح الفائدة مشتركة، تتبني الشخصية الفردية هوية جماعية لمجموعة من الناس (آن موريلي، 1997).
ان النظام السياسي، يصبح نظام شمولي عندما يملي إيديولوجية معينة للشعوب ويتحكم بهم وبثقافتهم، وذلك من خلال قوانين التنظيم السياسي و الاستبدادي. كما ان المذاهب الدينية هي أيضا نظم شمولية بامتيازللسيطرة علي العقول، لأنها تطبق الشمولية مع القوة المطلقة، ترفض نهائيا أي فرد أو جماعة معارضة. ولكن مرة أخرى، ان النزعة الفردية المعترف بها كحزب سياسي واحد في السلطة، هي أيضا مدمرة للتنمية البشرية لأن أيديولوجيتها الكاريزمية تسيطرعلى الشعوب، تجبرهم علي الاخضاع، وتقدم لهم أوامر، وتحد من الحريات والتعليم، والثقافة. فالأنظمة السياسية والاستبدادية، تستخدم القمع البوليصي، والإرهاب الرقابي ضد المواطنين المشتبه فيهم. 
ومن المعروف أن هذه الأنظمة تحتكر وسائل الاعلام، وادارة الموارد الاقتصادية، وتستخدم إضفاء الطابع المؤسسي على الثورة، لتامين ضمان استمرار الحاكم الأعلى (سيغموند نيومان في الثورة الدائمة، 1940). 
إن الانعكاسات الثلاثة التي وردت في هذه المقالة، تظهر بوضوح أن السلطة السياسية بطابع ديكتاتوري، هي بمثابة ايديلوجية خطيرة تقوم بالسيطرة على عقول شعوبها لتجبرهم علي الاخضاع لاوامرها، بحيث ان انعكاساتها خطرة ومدمرة للسلم الامني، والتماسك الاجتماعي.. 
    

التعليقات