الوجهاء بين المخاطرة والتكليف

الوجهاء بين المخاطرة والتكليف
بقلم د. محمود عبد المجيد عساف

تتعدد أسباب ودوافع الأزمات والطوارئ والاضطرابات من مجتمع إلى لآخر ومن وقت لآخر، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي وهنا، يبرز دور الوجهاء كمؤثرين في الحفاظ على الكرامة الإنسانية وتقديم الخدمة للناس، ومنع انتشار الفوضى والانزلاق نحو الاقتتال، وتعزيز ثقافة السلم الأهلي والأمن المجتمعي، والحفاظ على النسيج الوطني، ودرء الإشاعات وتوعية الناس بحقيقة الأمور.

فهم- الوجهاء- شركاء مهمين في العمل الإنساني مثلهم مثل المنظمات الإنسانية بل أكثر تأثيراً بحكم مقبوليتهم لدى أبناء المجتمع ولما يتمتعوا به من سلطة مجتمعية قائمة على المصداقية والخيرية. والأصل في أن يتميز عمل الوجهاء الإنساني بالحيادية وعدم التحيز والثقة والمقبولية والاستقلالية والبعد عن الميل لفصيل أو حزب أو جهة مدنية أو قضائية أو عشائرية، أو تجيير الأمور بما يحقق أي مصلحة طرف على حساب الآخر .

ولا ينحصر دور الوجهاء فيما سبق ذكره، بل يتعدى الأمر مناصرة القضايا الإنسانية، حيث ينطلق عملهم في الأصل من تفويض إلهي مرتبط بالإصلاح، فيعرضون أنفسهم للخطر أوقات الاضطرابات والطوارئ بهدف الإصلاح وخدمة الإنسانية وتحقيق مبدأ التكليف .

وعليه، في ظل الظروف الحالية التي آل إليها المجتمع الفلسطيني (الغزي بالتحديد) من تردي لأوضاع الاقتصادية وفقدان البوصلة المستقبلية، يتعاظم دور هؤلاء الوجهاء الوقائي، حيث إن الواقع ينذر بأن المجتمع يغلي على صفيح ساخن قد ينفجر في أي لحظة .

لكن في الحقيقة التحديات التي تواجه عملهم كبيرة في ظل قلة الإمكانات المادية وارتفاع سقف توقعات الجمهور منهم، وتداخل الصلاحيات بين العمل الإنساني والعمل الموجه، وتداخل العمل السياسي والأمني مع العمل الإنساني رغم أنهم الجهة الوحيدة التي كانت ولا زالت تعمل في ظل غياب أو تعطل السلطات التنفيذية الرسمية، والقادرة على ممارسة الوساطة والتفاوض الإنساني وتوضيح الصورة الذهنية للمؤسسات الدولية وطبيعة عملها.

إن مبدأ الخيرية والتكليف الذي يدفع الوجهاء للقيام بالعمل الإنساني يجب أن يتعدى حل النزاعات، ويذهب في اتجاه التأثير على صناع القرار بما يملكون من سلطة اجتماعية، وكف يد المتنفذين عن أذية الناس وذلك بمنحهم صفة الضبطية القضائية واثبات الحالة أمام القضاء.

وعليه وجب أن يكون هناك نصوصاً في القانون تنصف دور الوجهاء، وتحميهم، وتمنحهم صفة التنسيق مع الجهات الرسمية ومنظمات المجتمع المحلي والدولي لخدمة الإنسانية، وذلك لعدة اعتبارات أهمها أن أغلب الناس تهرع إلى الوجهاء لحل مشكلاتهم، وقضاء حوائجهم لإيمانهم العميق بسرعة الحل أكثر من اللجوء إلى القضاء .

ورغم قناعتي بضرورة عدم تأطير أو تنظيم أو ترسيم عمل الخير، إلا أنه في ظل تداخل المصطلحات وفهم الناس المغلوط، وشذوذ بعض الحالات، أرى أنه من الضروري أن تشكل لجنة من الوجهاء تكون مهمتها التنسيق الكامل مع المنظمات الدولية والمؤسسة الرسمية في وقت الطوارئ والأزمات دون تفويض أو تشعيب لآخرين قد يذهب بهم الاجتهاد إلى ما لا تحمد عقباه .

التعليقات