الإجهاد في العمل

الإجهاد في العمل
بقلم د. يسر حجازي

الإجهاد في العمل


"الإجهاد هو فقط الاخضاع إلى قيود غير مختارة".

النشوة من غريغوار - غريغوار لاكروا

كيف يتم تحديد الإجهاد في العمل؟ من هم الضحية؟ ولماذا نواجه الإجهاد؟ يعرف الإجهاد علي انه ظاهرة سلبية، يمكن أن تؤثر على صحة الموظفين وعمل الشركة. كلما زاد التوتر،  تزداد معه الصراعت في العمل أيضا. وفقا لمنظمة الصحة العالمية، ان الصراعات في مكان العمل، سببها ضعف توزيع العمل، وعدم تقدير الموظفين، والعمل الإضافي، فضلا عن عدم الاعتراف بإنتاجية الموظف، كله يؤدي إلى الإجهاد وعملية الحرق التدريجي المسمي "بارن اوت".  ولكن لا يزال ان حمل الاعباء والمسؤليات المتعددة في بيئة عمل غير مريحة، يزيد في شعور عدم الارتياح. انها مواقف مؤلمة للموظف، الذي يضطر لمواجهة هذا الوضع من التوتر بشكل دائم اذا ما يتم معالجة. وإذا اكتشفنا أننا نشعر بالسوء في عملنا، يجب ألا نتجاهل هذا الإزعاج ونحاول أن نحدد ، ما الذي يجعلنا نشعر بالاستياء؟

يمكن أن يؤدي إجهاد العمل إلى ضغوط أخرى من حياتنا الخاصة وغيرها من الصراعات البيئية، فضلا عن الضغوط التي يمكن أن تتراكم وتولد مشاعر قوية مثل: القلق والأفكار السلبية والشعور بالذنب، وانعدام الثقة، والشعور بعدم الفائدة. 

هذه الضغوط النفسية ترسل إشارة إلى الجسم، والتي يتم تعبئتها لمقاومة ومكافحة جميع أشكال التوتر. وتستغل جميع مواردنا وفقا لعملية بيولوجية، للدفاع النفسي والجسدي لمواجهة هذه الحالة الصعبة. ان تجاهل الإجهاد المستمر، دون طلب المساعدة، يؤدي في نهاية المطاف لاستنفاد جميع مواردنا الجسدية، و الي مهاجمة التوازن العقلي والجسدي لدينا. لكن  هناك ضرورة للتعرف على الإرهاق وكيفية تجنب ذلك، أو محاربته. 

ووفقا للإحصاءات العالمية، ازدادت مخاطر الإجهاد في مكان العمل في السنوات الأخيرة، وأصبح الحروق ظاهرة ناشئة عن مخاطر السلامة والصحة في العمل. في أوروبا، الإجهاد في مكان العمل هو الأكثر انتشارا بين حالات الإجهاد النفسي والاجتماعي. 

وفقا ليجيرون (2014) في كتابه "الإجهاد المهني"، اتخذ الإجهاد مكانة خاصة في المجتمع الأوروبي، بحيث انه تم توقيع اتفاقات إطارية بشأن الإجهاد في العمل في عام 2004. كما يشير ليجيرون إلى: "تاكيد  تقديرات مكتب العمل الدولي الي ان  الانخفاض في الإنتاج والجودة في العمل، يتراوح بين 50 و 60 في المائة من أيام العمل المفقودة بسبب الإجهاد". على سبيل المثال، إن تكلفة الإجهاد في الشركات تعادل 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي في بريطانيا العظمى، وفي الولايات المتحدة يتسبب الاجهاد في خسارة 200 مليار دولار سنويا، و 20 مليار يورو في الاتحاد الأوروبي، والذي يعادل  ما بين  10إلى 20٪ من الحوادث المتصلة بالعمل /و الأمراض المهنية في الضمان الاجتماعي ". وهذا ما يفسر مدى ظاهرة الإجهاد في العمل، والتوترات في علاقات العمل. وأفاد ليجيرون في أبحاثه أن 36٪ من النساء يصنفن في مستويات عالية من الإجهاد، مقابل 21٪ من الرجال. مما يظهر عدم المساواة بين الرجل والمراة في العمل وفي مجالات اخري.

كما ان شدة الإجهاد هو العامل الذي يهاجم جسمنا ويستنزف جسدنا من جميع الطاقات الإيجابية. بالنسبة إلى هانز سيلي، الباحث الكندي و الأكثر تأثيرا في القرن العشرين، و هو الذي اكتشف ظاهرة الإجهاد،  يؤكد ان حالة الاجهاد ردة فعل من الجسم للحفاظ على حالة من التوازن، يسمى التوازن  في مواجهة الطلب. لذلك هناك ثلاث مراحل في عملية الإجهاد بما في ذلك: ناقوس الخطر الذي يوفر دفعة من الطاقة، ومقاومة أو التكيف مع الإجهاد، ثم استنفاد الكلي للجسم والعقل. ومن السهل أن نعترف بظروف العمل السيئة في كل مكان في العالم، وحالات النظامية والمهينة المعمول بها. ذلك يؤكد اننا ما زلنا نكافح من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، والإنصاف في مكان العمل. 

بين الأجور المنخفضة، والأعباء، وسوء الادارة و توزيع الادوار، والصراعات، وخيبات الامل في العمل، هناك المزيد والمزيد من التوتر، مما يفسر ظهور متلازمة الإرهاق، وهو يعتبر حاليا أسوأ  شر ممكن ان يواجهه البشرر  في هذا القرن. ان أعراض الاجهاد يشمل القلق المفرط، والأرق، وفقدان الثقة بالنفس، وعدم التركيز، والعدوان الناجم عن مشاعر العجز وسوء الفهم. خلال الإجهاد، ينتج والدماغ هرمونات الكاتيكولامين، وانتشارهم ياتي نتيجة لردود فعل غريزية للدفاع. وإذا استمرت حالة التعبئة، فمن الممكن أن تسبب الانهيار للانسان. 

من الضروري التعرف على أعراض الإجهاد، لتجنب الوقوع في الاكتئاب أو الإرهاق. ولكن من الضروري أيضا تحديد مصدر التوتر لنكون قادرين على معالجته، وإيجاد الحل المناسب للحصول علي الراحة. إن الضغط المتراكم يرجع في بعض الأحيان إلى عدم قبول وضعنا، بينما يمكننا أن نبذل جهودا لتجاهل المشاكل الصغيرة، والتفكير بإيجابية و أخذ قسط من الراحة. علاوة على ذلك، فإن قبول الأشخاص الذين نضطر إلى العمل معهم ، هو أحد العوامل التي تمنحنا استعادة حماسنا في العمل. كما ان الاتصال والتواصل ضروري، لدعم الإدارة وتمكين علاقة الزمالة.

ان تعديل الحالة العقلية هي اهم خطوة، لنكون قادرين على مواكبة ما يحدث لنا، وعدم التاويل في الوضع الذي نجد انفسنا فيه. كما أن تقييم نقاط القوة والضعف لدينا أمر مهم، حتي لا نفقد مكان العمل، ونصبح عاطلين عن العمل. كما ان الاستمرار في الابتسامة يمكن أن يكون موضع تقدير، ويسهل الاتصال مع زملاء العمل. وتتمحور  معركة  التخلص من الإجهاد حول كيفية البقاء علي التفكير الإيجابي، والابتعاد عن تسميم بيئة العمل، وتجنب صراعات اخري.  ان العديد من الأبحاث العلمية تثبت، أن الاشخاص المبتهجين يكونوا معظم الأحيان موضع تقدير ويتم مكافأتهم في وظيفتهم، لأن الحرص علي التواصل مع الجميع، يمنح  الاحترام المتبادل، وتقدير الاخرين، ومعرفة كيفية التعامل مع زملاء العمل، وتصويب الاخطاء التي تعوق سير العمل. 

التعليقات