العقيدة الاجتماعية "ترتبط المعرفة بالأيديولوجية الإنسانية"

العقيدة الاجتماعية "ترتبط المعرفة بالأيديولوجية الإنسانية"
بقلم د يسر الغريسي حجازي
 
العقيدة الاجتماعية
"ترتبط المعرفة بالأيديولوجية الإنسانية"

ماذا يحدث لنا في أوقات النزاع السياسي والعسكري؟ من نحن حقا خلال الحروب؟ ماذا نكتشف في لحظات الصدمات الجماعية؟ و كيف نصمد؟ انها ببساطة الحاجة إلى البقاء على قيد الحياة، والتي توقظ كل واحد منا وتعزز قدراته العقلية والجسدية لمقاومة ابشع ما يمكن ان يحدث لنا كبشر.
انها الإنسانية والمهنة العلاجية المتطورة، لاستعادة الثقة بالنفس، و المحتملة لمستقبل أفضل. فالأعمال الإنسانية لا تصاحب الاعتراف الذاتي فحسب، بل تساعد أيضا على إعادة بناء هوية أقوى. ان الانخراط في الأعمال الإنسانية يعني التعلم لنكون رفيق(ة) جيد(ة) ، لممارسة دور الانسان الشافي من اجل شفاء الآخرين، وتعلم السيكلوجية الإنسانية و الايجابية.
 ومع ذلك، إن تاملنا بدقة كيف يدور النقاش الدولي بشأن التدخلات الإنسانية الحالية، وأسباب التمويل لإنقاذ الناس من محنة الحرب، والفقر، هل تخضع الأخلاق الإنسانية للضغوط السياسية؟  هل لديها أولويات مختلفة عن المبدأ الإنساني؟ لقد شهدنا بشكل خاص وسائل الإعلام العاملة في المجال الإنساني، من خلال تغطيتهم لأهم الأحداث التي هم فيها.  
وفي حين أن أهداف جهود الإغاثة  ليست معروفة جيدا، فإن الجانب الإعلامي ينظر اليه على الصعيد الدولي بدهشة، و يحدث ذلك بكل مفاهيم التعبئة الإنسانية. كما انه يتم حجب الحقيقة علي ما يجري في الواقع، و لا يصلنا حتي اي تفاصيل لمعرفة أساس وكيفية القيام بهذه الأعمال. فإن السؤال الذي يجب طرحه هو: ما إذا كانت السياسات الدولية تستغل الحروب بالقواعد والمخاطر المشكوك فيها تماما؟
وهكذا وراء دليل توافق الآراء، كل شيء يكمن في لغز. بينما القيام بالاعمال الإنسانية بين السكان، تاتي علي اسس صحيحة، ويعزز الدليل على قيمته التي تثبت الحقيقة الطبيعية، وصدق نوايا الانسان في تنظيم السكان في هذا الوقت العصيب. مما يدل ان الانسان يتعلم في الصعوبات قيم الحياة.
اي حقيقة؟ وبالتأكيد الظاهرة الإنسانية والمسؤولية الأخلاقية التي يمثلها البشر في التقدم الإنساني والاجتماعي. إذا كنا لا نفكر في الفقراء، كيف يمكننا أن نفهم بؤس الآخرين، ومنحهم يد قوية؟ لماذا لا نساعد بعضنا البعض؟ ما الذي يمنعنا؟ فقد لوحظ، على سبيل المثال أنه في حالة قطاع غزة في فلسطين الحصار اصبح شرا، ولكن أيضا يصطاد ويعاقب بكل وسائل البقاء، من قبل صناع القرار السياسيين الذين وضعوا ضمن الخلاف حياة السكان، و طوقوا الحصار علىهم لغاية الاختناق الانساني، والجسدي، والمعنوي والذي يؤدي الي الارتفاع في الجريمة، والانتحار بين الشبابظ، وظاهرة المخدرات، والامراض العقلية. سوف نكتشف في ما بعد ماذا فعلوا سكان غزة بشكل تلقائي.
لقد شهدنا في الأيام الأخيرة، كيف بدأ شعب غزة في مساعدة بعضهم البعض، وتنظيم الإغاثة للفقراء، كل من استطاع حسب وسائله المتاحة، وبعيدا عن السياسة. هذه حقيقة ذات أهمية كبيرة، بسبب ان الثقافة الإنسانية بعيدة عن المستنقع السياسي، و تلمس شرعيتها في قيم جديدة نابعة من كفاح جماعي من اجل لقمة العيش. ذلك يظهر الكارثة السياسية التي تطول سكان غزة، في مزيج مشبوه بين ما هو مقبول، وما هو غير انساني. وهذا ما كنت اتحدث عنه في بداية مقالتي، اي ان السياسة غالبا ما تكون جائرة علي الشعوب، و لا تصب في المصلحة العامة، خاصة في الوطن العربي. من ناحية اخري، لماذا لا نحاول فهم هذا الجانب الجديد من ثقافة عميقة، تشمل ممارسات قديمة ورثناها من اجدادنا في لحظات القيد مثل الحروب، و الكوارث الطبيعية؟ ان هذه المعتقدات ممزوجة بالواقع، و الحاجة إلى ام الاختراع لتخفيف القلق وعبئ الخوف. ما اريد ان اشير اليه، ان الحدس الإنساني صحيح. ويلاحظ الخبراء في السيكلوجية و علم الاجتماع، ان هذه فطرة عند الانسان تظهر في اوقات صعبة، تدق ناقوس الخطر علي الضمير الذي يتضاعف، ويرشد البشر الي الواجب الإنساني، في تامين غرفة عمليات مشتركة.    في  لحظة ما، كل الامور تفقد اهميتها، الا الإرادة. ويتم تنظيم الاغاثة حسب الاولويات.
ويبدا الرجال في تعزيز الرحمة في عملية الاغاثة، والاخلاص هو سيد الموقف. هذه هي الطبيعة البشرية الجميلة، و التي تنادي بها جميع الديانات دون استثناء. انها  الالتزام الاجتماعي والاخلاقي، و قيم الخير، والولاء للقوة الإنسانية. وفي حالة غزة وظرفها المستعصي، تظهر دلائل الحاجة إلى البقاء على الحياة، في جوهر المواطن الفلسطيني الذي أصبح شاهدا، وضحية للجرائم الاستعمارية، والكوارث السياسية، والحروب. من الجدير بالذكر أن، التحديات المشتركة تكمن في التضامن الجماعي، والمساعدة المتبادلة و التلقائية بين المواطنين فيما بينهم. 
بعد أن شاهدت العديد من الحروب في قطاع غزة، لا يسعني إلا أن اقول ان الروابط الأسرية والمجتمعية، تتخذ نظاما اجتماعيا جديدا في مواكبة الظرف من خلال استحقاق المواطنين ببقائهم على قيد الحياة. علي سبيل المثال، شاهدت فاعلين خير يخبزون الخبز في بيوتهم ويوزعونه في احيائهم خلال الحرب، أو الاندفاع في العمل التطوعي لإنقاذ الأرواح، و مساعدة الأسر التي اشتعلت في بيوتهم النيران، و غير ذلك. وهناك حقيقة بيولوجية معينة تضع جميع المواطنين في نفس الحقيقة، مع رموز نظامية جديدة منسوبة الي سوء الحظ، والقضاء والقدر، حيث ان كل الناس متساوون في ظاهرة اجتماعية موحدة.
وقال الفيلسوف غوتفريد فيلهلم ليبنيز (1646-1716)، أن كثيرا من المنطق البشري يمكن أن يقتصر إلى نوع من الحسابات، التي من شانها أن تحل الخلافات في الرأي العام لأهميته. على سبيل المثال، ان الطريقة الوحيدة لتصحيح التفكير البشري، هو جعله ملموسا ومنطقيا تماما مثل نظرية النسبية الرياضية. أو يمكننا حساب (حساب التفاضل والتكامل) وتناسب في كل ما هو جيد ومفيد للجميع. بالنسبة 
لليبنيز، يمكن اعتبار المنطق الرمزي وسيلة، لجعل هذه الحسابات ممكنة.
كما جاء في ابحاث العلماء، أن الوجود البشري يتم تكوينه من خلال تناسب طبيعي  يقدر الحياة تماما. ويجب علي البيئة الطبيعية أن تتقدم باتساق مع الحدس السليم، على أساس الحكمة، والنزاهة،والانصاف في كل الاعمال التي يقوم بها البشر. ومع ذلك، فإن مكافحة المجاعة، والفقر ،والظلم الاستبدادي، والحروب هي نتيجة نكران البشر  الي المعادلة البيولوجية الحقيقية، مما يجلب البؤس والضائقة للجميع. 

إن هذه القيم الأساسية للاعمال الانسانية تنبثق عن فلسفة التنوير والإيجابية، والتي تقترن بأخلاق الوئام المجتمعي و الإنساني.  

التعليقات