التاريخ قاطرة السياسة

التاريخ قاطرة السياسة
نبض الحياة 

التاريخ قاطرة السياسة

عمر حلمي الغول 

التاريخ علم من أهم العلوم الإنسانية، ويعتبر ثروة لكل شعب من شعوب وأمم الأرض. والتاريخ يؤخذ بما له وعليه. ومن لا تاريخ له،لا حاضر ولا مستقبل له. وعرف العديد من العلماء التاريخ بأنه " قاطرة البشرية والسياسة". ولا يمكن فصل السياسة عن التاريخ، والعكس صحيح. فمطلق قائد في الحكم او المعارضة إذا حكم دون معرفة التاريخ، فإنه سيسقط في تجربة الحكم بعيدا عن المزايا الأخرى. 

واهمية التاريخ تكمن في معرفة تجربة شعب من الشعوب، وقراءة مسيرته وتطوره السياسي والإقتصادي والإجتماعي والعسكري والثقافي. وإستخلاص الدروس والعبر في الحاضر، ورسم آفاق المستقبل من دراسة تاريخ شعب من الشعوب، وأيضا مقاربة تجارب الشعوب ونهضتها وتطورها. 

صحيح ان التاريخ يصنعه الأقوياء، وقد يكون مجحفا احيانا بحق شعب أو حزب أو قائد في زمن معين. ولكن ذلك لا يقلل من أهمية التاريخ، ودوره في ترشيد وتعميق تجربة شعب او الشعوب عموما في ميادين وحقول الحياة المختلفة. 

وعندما جال الرئيس محمود عباس اول امس في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وعاد للخلف للقرن السابع عشر زمن أوليفر كرومويل 1653، مرورا بموقف نابليون بونابرت 1798، وثم مؤتمر بازل الصهيوني الأول 1897، ومؤتمر كامبل نبرمان 1905/1907، وإتفاقية سايكس بيكو 1916، ووعد بلفور 1917، ولجنة شو 1929، ولجنة بيل 1937، ثم قرار التقسيم الدولي 181 نوفمبر 1947، وقرار العودة الدولي 194 ديسمبر 1948 وسلسلة القرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، لم يكن ذلك من باب الترف السياسي، او إطالة وقت الخطاب الهام الذي القاه في دورة المجلس المركزي 28، ولا لإنه شاء أن يشعر الأعضاء والضيوف انه ملم بالتاريخ لمجرد عرض الموقف، إنما أراد إرسال رسالة للإعضاء قبل الأعداء، ولقيادات الشعب الفلسطيني والأمة العربية والعالم وفي مقدمتهم قادة دولة الإستيطان الإستعماري الإسرائيلية، ان دولة إسرائيل، هي دولة مارقة وخارجة على القانون، ولا تمت بصلة للمسألة اليهودية، ورصيدها الأساسي يتمثل في أنها الدولة الأداة الإستعمارية. لإن الغرب، الذي تكالب من أجل إقامة الدولة الإسرائيلية وإستعمال اليهود أداة لتنفيذ مآربهم، لم يكن يوما من الأيام معنيا بحل المسألة اليهودية، انما شاء خلق أداة مأجورة لخدمة أغراضه ومصالحه الحيوية في وسط شعوب ودول العالم العربي بهدف تمزيقها وتفتيتها، ونهب ثرواتها، وإبقاءها في دوامة التخلف والتبعية. وفي ذات الوقت التأكيد على ان فلسطين التاريخية، هي أرض الشعب العربي الفلسطيني منذ وجد الإنسان على هذة الأرض، وهم موجودون قبل إبراهيم عليه السلام، وقبل موسى ونشوء الديانات السماوية كلها: اليهودية والمسيحية والإسلامية. 

ورغم هذة الحقيقة الناصعة قبلت القيادة الفلسطينية قرارات الشرعية الدولية، وتعاملت بمرونة مع التسوية السياسية، وقدمت التنازل تلو التنازل لبناء جسور عملية السلام. غير ان قادة إسرائيل الإستعمارية ومن خلفها دول الغرب الإستعماري وخاصة الولايات المتحدة رفضت دفع إستحقاق التسوية السياسية. وهي تقوم بشكل منهجي على تدمير كل مرتكزات السلام، وسحق مصالح وحقوق الشعب العربي الفلسطيني، وللأسف أن بعض اهل النظام السياسي العربي لعبوا ويلعبوا دورا تخريبيا على هذا الصعيد، لا يكفي انهم عبأ على شعوبهم، بل يحاولون العبث بمصير ومصالح الشعب الفلسطيني. ولكن جهلهم بالتاريخ، وإستخفافهم بقدرات أشقائهم الفلسطينيين، جعلهم ينسون أنفسهم، ويتجاوزوا حدود المسموح لهم، وهو ما لن يسمح به الشعب الفلسطيني نهائيا. 

كان درس التاريخ، الذي عرضه الرئيس عباس، هاما جدا، حيث وضع مجددا مداميك وأسس أي عملية سياسية في المستقبل. وهو ما يشكل ضابط وناظم لقيادات المستقبل، كي لا تحيد عن الحد الأدنى المقبول والممكن. ليس هذا فحسب، وانما رفع السقف السياسي الوطني، لا العكس. لذا لا تنسوا درس التاريخ نهائيا إن كنتم معنيون بقيادة الشعب في اي زمن قادم.

[email protected]

[email protected]         

التعليقات