للبيتِ رَبٌ يَحمِيه

للبيتِ رَبٌ يَحمِيه
بقلم عبد الله عيسى
رئيس التحرير 

اتخذ وزراء الخارجية العرب، قراراً بعقد قمة عربية طارئة؛ لبحث موضوع القدس إلا أن دولتين عربيتين رفضتا هذا الاقتراح، باعتبار أن قمة عربية عادية، ستعقد في نهاية آذار/ مارس المقبل، وكان يفترض أن تعقد القمة العربية الطارئة فور إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها كعاصمة لإسرائيل، حيث إنه هدم كل الاتفاقيات الدولية بشأن القدس كعاصمة لدولة فلسطين، أي أنه لا يُوجد تراخٍ عربي فقط، بل تُرك موضوع القدس لجهات غير عربية، كي تتصدى له كما حصل ويحصل فعلاً.

فتركيا؛ تقود الحملة وإيران وحزب الله، يقودان الحملة ضد القرار الأمريكي، بينما العرب يتعاملون بخجل مع هذا الموضوع، باستثناء بعض المواقف الشجاعة والجريئة والتاريخية للسلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني والأردن.

فالتاريخ يُعيد نفسه منذ أن قرر أبرهة الأشرم، أن يهدم الكعبة، وسار بجيش جرار متجهاً إلى مكة، وناوشته بعض القبائل العربية ودارت معارك، انتهت بهزيمة القبائل العربية، حتى وصل إلى مشارف مكة، وعندها تعرض بعض جنوده لمئة من الإبل، واستولوا عليها في المراعي، تخص زعيم قريش أبا طالب فتوجه أبو طالب إلى أبرهة الأشرم؛ ليحدثه بالموضوع، ففوجئ الأشرم الحبشي من كلام أبي طالب عن الإبل، وقال له كنت أظن أنك جئت إليّ كي لا أهدم الكعبة، فجئت تحدثني عن بعض الإبل التي أخذها جنودي، فقال له أبو طالب مقولته التاريخية، أنا رب الإبل، وأما البيت، فإن له رب يحميه، فأعطاه الإبل خاصته، وعاد أبو طالب إلى مكة، وطلب من أهلها الصعود على الجبال، وكما ورد في القرآن الكريم، فأرسل الله طيوراً أبابيل، رمت أبرهة الأشرم وجيشه بحجارة من سجيل، والآن يبدو أن التاريخ يعيد نفسه في قضية القدس، ومن يتصدر لموضوع القدس، يقف بمفرده في الميدان سواء السلطة الفلسطينية أو الأردن، وفيما عدا ذلك، نجد أن جهات غير عربية أو مسلمة، تتصدى لهذا الموضوع مثل تركيا وإيران وحزب الله، فقد هدد السيد حسن نصر الله إسرائيل بحرب ضارية، وبغض النظر عن الأسباب والدوافع والخلفيات فإن على العرب بعد ذلك ألا يتباكوا على القدس، وعلى سبب دخول هذه الدول مثل تركيا وإيران وحزب الله على الخط لإنقاذ القدس، وكيل الشتائم والتحريض ضد تركيا وإيران، وقادر حزب الله على أن يقلب الطاولة، وإن حدث تدخل عسكري من حزب الله، سيكون بمقدوره إلغاء قرار ترامب أساساً بدون أن يكون للعرب لا ناقة ولا جمل في الموضوع، وسنسمع منهم.

وإسرائيل تنشر تصريحات شبه يومية، تتحدث عن قدرات حزب الله، إضافة إلى قدرات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وهي قدرات في مجموعها مهولة ومخيفة، وقادرة على قلب الطاولة، وجر المنطقة إلى بحور من الدماء، بينما عقد قمة عربية طارئة هي الطريق الأسلم لحل موضوع القدس، وقد تناولت وسائل الإعلام تصريحاً غريباً عن اجتماع وزراء الخارجية العرب في عمان، ولا أعلم هل هي زلة لسان أم خطأ مطبعي أن وزراء الخارجية العرب، سيشكلون وفداً ليقوم بجولات خارجية، لتخفيف الضغط عن الولايات المتحدة الأمريكية، فيما يتعلق بموضوع القدس، فأي ضغط يتحدثون عنه، فالضغط الحقيقي هو الذي مارسته أمريكا على السلطة الفلسطينية، والتي هي بحاجة إلى من يخفف الضغط عنها، وليس عن أمريكا.

إن كل ما يجري ونراه في الأفق، هو اللعب بالنار، وترك موضوع القدس لجهات آخر حساباتها الدبلوماسية والسياسة السلمية، وما يلوح في الأفق ولاسيما بعد تهديدات السيد حسن نصر الله، هي بوادر حرب وليست بوادر احتواء سلام أو أزمة، وسنجد بعض الدول العربية ووسائل إعلامية، تستنكر تدخل إيران وتركيا وحزب الله في هذه المشكلة، بينما التدخل العربي كان سلبياً جداً، وترك المجال مفتوحاً لأي تدخلات أخرى، فإن وقعت الواقعة فلا يلوم هؤلاء العرب إلا أنفسهم، لأنهم هم الذين فتحوا المجال على مصراعيه، وكان بإمكانهم الضغط سلمياً ومساعدة السلطة الفلسطينية والأردن في توجهاتهما لحل الأزمة واحتوائها ولكنهم تجاهلوا الموضوع، حتى دعم القدس بالأموال لم يفعلوه، وهذا أضعف الإيمان، وتركوا القدس نهباً لإسرائيل وأمريكا، ولاسيما أن ما يجري في إيران حالياً من احتجاجات شعبية، قد يعجل من توجهات حزب الله نحو الحرب.

التعليقات