حرب المياه بين مصر وأثيوبيا

حرب المياه بين مصر وأثيوبيا
بقلم عبد الله عيسى 
رئيس التحرير
 
رغم الأحداث الجسيمة التي ألمت بالقضية الفلسطينية، وفي مدينة القدس تحديداً إلا أن هذه الأحداث لا تمنع من الحديث عن أحداث جسيمة أخرى تواجهها مصر في الوقت الراهن، فيما يتعلق بمياه سد النهضة في أثيوبيا، والتي يرجح بعض المحللين أن تصل الأمور إلى درجة الحرب العسكرية، بينما يستبعد آخرون هذا الخيار.

وأثيوبيا تحاول منذ سنوات طويلة بناء سد النهضة منذ عهد السادات، ولكنها تلقت عدداً من التهديدات الواحد تلو الآخر في عهد حسني مبارك، فامتنعت من بناء السد خوفاً من ردة فعل مصر العسكرية، وبعد ثورة 25 يناير، وسقوط عهد مبارك بدأت أثيوبيا ببناء السد حتى الآن، وبحسب التقارير الصحفية تقوم بتسريع تخزين المياه في السد في سباق مع الزمن لوقف أي هجمات عسكرية مصرية، ويقال إنها استعانت بدول مجاورة في نصب صواريخ مضادة للطائرات مقابل السد، وحسب الخبراء فإنه إذا امتلأ السد بالمياه، وتعرض لضربة عسكرية تدميرية فإن السودان واثيوبيا ومصر، سيغرقون بفعل الفيضان الناجم عن كمية المياه، في حين حذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي 

أثيوبيا من مغبة منع مياه النيل عن مصر، وقال المسألة بالنسبة لمصر مسألة حياة أو موت، ولن نقبل بوقف مياه النيل عن مصر، وفي الآونة الأخيرة، شهدت مصر حركة شراء سلاح وتسليح غير مسبوقة للجيش المصري بالطائرات، وخاصة طائرات الرافال الفرنسية، وحاملة طائرات، ولم تفصح مصر عن سبب اقتناء مثل هذه الطائرات التي رافقت طائرة الرئيس السيسي من القاهرة إلى باريس في عرض عسكري جوي، وتحدث بعض المحللين، أن رافال الفرنسية موجهة مستقبلاً ضد إيران، ولم يتحدث أي متحدث عسكري مصري بأن أثيوبيا قد تكون الهدف لطائرات رافال، وهي قادرة فعلياً على تدمير سد النهضة.

وفي عهد الرئيس مبارك، عادت مصر لاستصلاح أراضٍ في سيناء، فجرى الحديث بصوت عالٍ ان إسرائيل تطالب مصر بتوصيل مياه نهر النيل إلى إليها، ورد الرئيس مبارك حينها علناً أنه لا يمكن توصيل مياه نهر النيل إلى أي دولة أخرى، وبحثت إسرائيل عن بدائل عديدة في تلك الفترة، وأجرت اتصالاتها مع تركيا، بحيث يتم جلب مياه من تركيا إلى إسرائيل على شكل جبال جليدية تجرها السفن إلى إسرائيل ولكن الفكرة رفضت لأنها مكلفة جداً، ثم بحث قضية بحيرة طبريا لدرجة أن رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل توصل إلى اتفاق مع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد إلى اتفاق سلام عبر وسطاء دوليين، خاصة الولايات المتحدة الامريكية، بأن تقوم إسرائيل بالانسحاب من الجولان، ولكن بشرط أن تبقى حدود إسرائيل على طبريا، وألا تكون الحدود السورية على البحيرة، وهو الاتفاق الذي اتفق على تسميته إعلامياً وديعة رابين، الذي تحدث رابين حينها بأن الاتفاق في جيبه ووديعة لديه، ولكن بسبب مياه بحيرة طبريا لم يتم الاتفاق، وتشدد الجانبان السوري والإسرائيلي، بأن يكون لكل طرف حدوده على بحيرة طبريا، بحيث يصبح يتحكم في مياه البحيرة، وفي خضم هذه القضية واجه الأردن شحاً في المياه، فطلب المياه من سوريا، وقامت سوريا بتزويد الأردن بكميات من المياه صيفاً رغم أن المياه ملوثة، هكذا كانت طبيعة المياه، وقامت الأردن بتنقية المياه.

وقال بشار الأسد في حينها لا يمكن أن نشرب من المياه، ويموت الأردن عطشاً، أي أن مشكلة المياه تواجه الشرق الأوسط بأكمله والكل يحاول إيجاد حلول لذلك ما عدا أثيوبيا التي سارعت في بناء السد لأغراض ليس أثيوبية بل للضغط على مصر وتركيع مصر للرضوخ لأهداف إقليمية غير عربية، وقبل أسابيع بادر رئيس وزراء أثيوبيا بطلب إلقاء خطاب في البرلمان المصري وكانت المسألة مفاجئة للبرلمان المصري، والحكومة المصرية حيث لم يطرح حلولاً لها، وإنما مجرد تطمينات، ويعتقد بعض المحللين المصريين أن التطمينات الغاية منها الاستمرار في بناء السد حتى يكتمل، وتقف مصر عاجزة خوفاً من انهيار السد وحدوث فيضانات في المنطقة كلها تكون مدمرة، فالأموال التي استنزفت في بناء سد النهضة هي أموال ضخمة تطوعت فيها أمريكا وإسرائيل ودول أخرى، وبالأمس تحدثت السعودية عن وقوفها بجانب مصر في قضية سد النهضة، وهذا تطور لافت لاسيما أن بعض رجال الأعمال الخليجيين، قد ساهموا في بناء سد النهضة دون موافقة حكوماتهم.

ومصر الآن على وشك الدخول في انتخابات رئاسية، وحتماً سيكون تأثيرها على قضية سد النهضة، ولا نعرف إن كانت الانتخابات الرئاسية ستؤدي إلى التعجيل في ضرب سد النهضة أو وقف البناء فيه أو عدم قدرة مصر على فعل أي شيء للأسباب الفنية التي ذكرناها، والتي تحدث عنها الخبراء.

صحيح أن الرئيس الأمريكي، أشعل المنطقة كلها بإعلانه القدس عاصمة لدولة إسرائيل، ولكن المياه في الشرق الأوسط لن تكون برداً وسلاماً على دول الشرق الأوسط، فأي حادث استفزازي سيؤدي إلى إشعال المنطقة بالحروب مثل منع مياه النيل عن مصر، رغم أن أثيوبيا تؤكد عدم منع مياه النيل عن مصر، ولكنها قد تفعل ذلك بطلب من دول إقليمية غير عربية بهدف الضغط على مصر، وبهدف توصيل مياه النيل إلى إسرائيل، وفي هذه الحالة ستضطر مصر إلى حل هذه القضية بقوة السلاح مهما كلف الأمر، ونأمل أن تصل مصر إلى حل دبلوماسي مع أثيوبيا لاستمرار تدفق مياه النيل إلى مصر دون حروب وكوارث، مصر هي في غنى عنها ودول المنطقة كذلك، وأعتقد أن تضافر جهود الدول العربية مع مصر في هذا الاتجاه، ربما يؤدي إلى حل سلمي، وإن عجزت الدول العربية عن هذا الحل، فإن لمصر الخيار في الطريق الذي تختاره، حتى لا تعاني مصر من الجفاف.

 

التعليقات