قبل 25 عاماً.. الاحتلال أبعد 415 فلسطينياً لمرج الزهور

قبل 25 عاماً.. الاحتلال أبعد 415 فلسطينياً لمرج الزهور
صورة توضيحية
رام الله - دنيا الوطن
في السابع عشر من كانون أول/ديسمبر عام 1992، أبعد الاحتلال الإسرائيلي 415 ناشطاً فلسطينياً من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى مرج الزهور جنوب لبنان.

وينتمي المبعدون لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، وقام هؤلاء المبعدون بالمرابطة في مخيم العودة لإرغام سلطات الاحتلال على إرجاعهم وقد نجحو في ذلك.

وجاء الاعتقال والإبعاد بعد أن قامت كتائب الشهيد عز الدين  القسام الجناح العسكري لحركة حماس بعملية أسر جندي إسرائيلي، وطالبت حكومة الاحتلال بإطلاق سراح معتقلين من حركة حماس وعلى رأسهم مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين قبل الساعة التاسعة من اليوم التالي وإلا فإن كتائب القسام ستقوم بقتل الجندي الإسرائيلي.

وفي مساء اليوم التالي أعلنت كتائب عز الدين القسام عن قتل الجندي الإسرائيلي لعدم انصياع حكومة الاحتلال لمطالب الجهاز العسكري، ثم اجتمع المجلس الوزاري الإسرائيلي في 17 كانون اول/ديسمبر 1992 واتخذ قراراً بإبعاد كافة قادة حركة حماس وعدد من قادة الجهاد الإسلامي.

اعتقل المبعدون وانتظروا ثلاثة أيام وهم لا يعرفون شيئاً عن مصيرهم، سوى أن هناك عدد من الاعتقالات طالت عناصر وقيادات حركتهم تتم منذ ثلاثة أيام، قارب عدد من اعتقل فيها الألف شخص.

خلال هذه الأيام كانت المخابرات الإسرائيلية تعمل على قدم وساق من أجل إعداد قائمة كاملة للمعتقلين الذين سيتم إبعادهم وكانت تحركات وتنقلات المعتقلين التابعين لحركة حماس في السجون الإسرائيلية غاية في الغرابة والتعقيد بحث لم تكن الأمور اعتيادية بل كانت على دفعات، ولم يكن يعلم هؤلاء الذين يتم أخذهم بأنهم سينقلون عبر الطائرات (الهيلوكبتر) أو الحافلات إلى منطقة واقعة على الحدود الفلسطينية المحتلة واللبنانية.

جُمع كافة الأشخاص الذين اتخذ بحقهم قرار الإبعاد وهم أربعمائة وستة عشر (416) شخصاً كان معظمهم من حركة حماس وعدد قليل من حركة الجهاد الإسلامي (قرابة 40 شخصاً)، ولم يتوقع المعتقلون أن تقوم السلطات الإسرائيلية بإبعادهم إلى خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وأنزل الجنود الإسرائيليون كافة المعتقلين من الحافلات والطائرات وبدأوا بفك قيودهم ورفع الأربطة عن أعينهم وقاموا بتحميلهم على ظهر شاحنات نقل تجارية، وقد وصل عدد الشاحنات الناقلة إلى ست شاحنات وكان يملكها أشخاص دروز يعملون في النقل بين الحدود اللبنانية والفلسطينية المحتلة.

سارت الشاحنات مسافة خمسة كيلو مترات في تجاه الحدود اللبنانية فيما يعرف بالمنطقة المحرمة وعند اقتراب الشاحنات من الحدود اللبنانية خرج الجنود اللبنانيون واعترضوا الشاحنات وطلبوا من المعتقلين عدم النزول من الشاحنات والعودة من حيث أتوا حيث لا يوجد قرار من الحكومة اللبنانية بإدخالهم إلى لبنان.

عادت الشاحنات أدراجها إلى المطلة ولكن قامت القوات الإسرائيلية بفتح النيران بكثافة شديدة باتجاه الشاحنات والمبعدين الفلسطينيين، الأمر الذي جعل سائقي الشاحنات يعودون للخلف ويطلبون من المعتقلين النزول من الشاحنات حيث لا مفر لهم سوى البقاء بين مطرقة الأسلحة الإسرائيلية وسندان القرار اللبناني بعدم السماح لهم بالدخول.

نزل المبعدون جميعاً من الشاحنات وحاولوا الجلوس بالقرب من وطنهم الذي ابُعدوا عنه لكن النيران الإسرائيلية منعتهم من التقدم وكان الفجر قد بدأ في البزوغ.

فقرر المبعدون الفلسطينيون البدء بأخذ زمام المبادرة حيث باتوا على قناعة تامة الآن بأنه قد تم فعلاً إبعادهم إلى جنوب لبنان وأنهم قد أصبحوا خارج الوطن، فقرروا أن يجلسوا في أقرب منطقة يوجد بها ماء، وفعلاً وجد المبعدون أنفسهم -بعد لحظات من المسير- في منطقة تلّية بين نهرين من الماء، فقرروا الجلوس بها وأقاموا تلة المبعدين.

فيما بعد عرف المبعدون أن هذه المنطقة التلية التي أقاموا بها تسمى (مرج الزهور) وهي قرية لبنانية يقطنها سكان لبنانيون سنيون.

واستقر المبعدون في هذا المكان (مرج الزهور) والذي ارتبط فيما بعد بهم حيث أصبح يطلق على المبعدين مصطلح (مبعدي مرج الزهور)، كان البرد شديداً بل قارساً، وإضافة إلى ذلك كان تهطل عليهم الثلوج، لم يكن لدى المبعدين أي ملابس إضافية أو خاصة تقيهم هذا البرد الثلجي الذي لم يعتادوا عليه في حياتهم، كانوا قد رحلّوا بنفس الملابس التي خرجوا بها من بيوتهم لحظة اعتقالهم ولم تكن تلك الملابس تقيهم برد هذه المنطقة القارس.

كانت اللحظات الأولى في غاية القسوة هذا إذا ما أضفنا لها المسألة النفسية الصعبة جداً وهي تقبل فكرة الإبعاد عن الوطن والأهل هكذا في لحظات قليلة، بدون سوابق إنذار وبدون أمل أو يقين بأن هذا الأمر سيكون لفترة بسيطة، لقد كان الأمر في غاية التعقيد واليأس والتعب.

أصبح العالم صباح ذلك اليوم على قرار الاحتلال بإبعاد قادة حماس والجهاد إلى جنوب لبنان فبدأت وسائل الإعلام بالتحرك السريع لتغطية الخبر كما بدأت المؤسسات الدولية والإنسانية بالتحرك من أجل المساعدة في تجاوز محنات هذا القرار الأرعن.

كان الصليب الأحمر الدولي أول ما وصل إلى المبعدين في مرج الزهور، وقد نقل لهم الخيام والأغطية وبعض المستلزمات الأساسية الأولية للاستقرار، وبدأت وسائل الإعلام بالتحرك لتنقل وقائعهم صورة وصوتاً وحدثا.

وقد عرف المبعدون حينها أن القرار اللبناني بعدم دخولهم لبنان كان قرار تم بناء على اتصالات بين قيادات حركة حماس في الخارج وبين الحكومة اللبنانية من أجل خلق ورقة ضغط على الاحتلال الإسرائيلي لإعادتهم إلى الوطن بدلاً من إبعادهم مدى الحياة.

يقول أحد المبعدين: كان مخيم المبعدين أشبه بالدولة المصغرة فقد شكلوا لجان مختلفة منها: اللجنة الإعلامية التي يترأسها د. عبد العزيز الرنتيسي المتحدث باسم المبعدين باللغة العربية والدكتور عزيز دويك المتحدث باللغة الإنجليزية، وكانت مهمة هذه اللجنة الحديث مع وسائل الإعلام العربية والعالمية، وهناك أيضا اللجنة المالية واللجنة الاجتماعية واللجنة الرياضية ولجنة الدعوة وغيرها من اللجان الفاعلة، وقاموا كذلك بتأسيس جامعة تضم مختلف العلوم وأطلقوا عليها اسم "جامعة ابن تيمية"، وكان هناك دورات التجويد وحفظ القرآن ودورات الكاراتيه والخط والخطابة ودورات باللغة الإنجليزية وغيرها الكثير من الخبرات والعلوم التي تم تلقينها أثناء فترة الإبعاد والتي ساهمت بإكسابهم العديد من المهارات والعلوم الدينية والدنيوية.

كان المبعدون من مختلف الشرائح الاجتماعية منهم الطبيب والمهندس والشيخ والعامل والموظف والقاضي والتاجر، وكانت تضم خيرة أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وقال العائدون من مرج الزهور: إن رحلة الإبعاد عادت عليهم بالخير الكبير على عكس ما أراد الاحتلال، ويذكر الأستاذ حسني البوريني ذلك بالقول: "أرادت الحكومة (الإسرائيلية) من عملية الإبعاد إيقاف المقاومة وإضعاف الحركة الإسلامية بإبعاد رجالاتها، إلا أن إرادة الله فوق كل اعتبار فحولنا المحنة إلى منحة زادت من رصيد الحركة الإسلامية ليست الفلسطينية فحسب بل العالمية، فقد دخل بعض زوار المخيم من الصحفيين في الإسلام من خلال حسن تعاملنا، ومن خلال عملية الإبعاد وصل صوت الحركة الإسلامية إلى أكثر من 100 دولة من خلال جيش الصحفيين والتي كانت الوفود منهم يومية، فعرضنا وجهة نظرنا وأسمعنا العالم صوتنا، وعرف العالم حقيقة الحكومة الاسرائيلية التي تدعي حماية حقوق الإنسان.

ويتذكر الشيخ داود أبو سير عدداً كبيراً من رفاق رحلة الإبعاد الذين هم الآن إما شهداء مثل الشيخين جمال سليم وجمال منصور وصلاح دروزة والدكتور عبد العزيز الرنتيسي والعشرات غيرهم، وإما أسرى في سجون الاحتلال مثل الشيخ أحمد الحاج علي، وجمال أبو الهيجاء والشيخ حسن يوسف، ويجمع المتحدثون على أن أكثر الشخصيات التي تأثروا بها هي شخصية الدكتور عبد العزيز الرنتيسي الذي كان يستقبل الوفود الأجنبية والعربية، وكان ذا روح مرحة، وكان يصل الليل بالنهار لخدمة إخوانه.

برز عبد العزيز الرنتيسي القيادي السابق في حركة حماس والذي اغتالته القوات الإسرائيلية لاحقاً، برز كمتحدث رسمي باسم مبعدي مرج الزهور.

ولقد قام المبعدون في تأكيد منهم على أنهم رواد حرية وطلاب علم بإنشاء جامعة في المخيم وقد عملت الجامعة -جامعة مرج الزهور/ابن تيمية- بحرفية عالية ودرست العديد من المساقات وخرجت الكثير من الطلاب من بين المبعدين . وتم التواصل مع الجامعات في فلسطين لاعتماد خريجي جامعة مرج الزهور متحدين كل محاولات إسرائييل لتهميشهم وإثبات تهمة الإرهاب عليهم! كان رئيس هذه الجامعة هو د.موسى الأقطم ، ونائبه هو د.سالم سلامة ، بالإضافة إلى د.عاطف عدوان ، ود.عزيز دويك ، ود.عزام سلهب ، ود.فارس أبو معمر ، ود. عبد الفتاح العويسي.

صدرت العديد من ردود الفعل المستنكرة لهذا الفعل، و كما قام مجلس الأمن الدولي بإصدار قراره رقم799 و الذي يدين تصرف إسرائيل ويطالبها بالتكفل بإراجاع جميع المبعدين، حيث وصف هذا القرار إسرائيل بأنها تنتهك التزاماتها بموجب اتفاقية جنيف لسنة 1948.

بقي هؤلاء المبعدون في مرج الزهور حتى عادوا على مراحل، فكان أول العائدين: باسم السيوري، أصغر المبعدين سنًا، الذي أعلن الاحتلال أنَّه أُبعد خطأ وأعاده إلى بيته؛ والمبعد المريض زهير لبادة الذي أعيد إلى السجون الإسرائيلية. وتم ذلك في 7/1/1993.

ثمَّ أعيد 17 شخصًا آخر إلى السجون الإسرائيلية في 23/1/1993، وأعلن الاحتلال أنَّهم أبعدوا خطأ، وأعيد المريض المبعد علي سويعد أبو عجوة في 21/6/1993، ثمَّ عادت الدفعة الأولى المكونة من 189 شخصًا في 9/9/1993، اختار منها 8 مبعدين عدم العودة، وتلتها الدفعة الأخيرة المكونة من 214 شخصًا في 17/12/1993، اختار منها 19 مبعدًا عدم العودة.

فيديو: وثائقي حول مبعدي مرج الزهور
 

التعليقات