بن غوريون الفلسطيني

بن غوريون الفلسطيني
بقلم عبد الله عيسى 
رئيس التحرير 

قبل اندلاع انتفاضة الأقصى بوقت وجيز في عام 2000 قدم رجل الأعمال الفلسطيني حسيب الصباغ إلى مناطق السلطة، حاملاً معه رزمة من المشاريع الكبيرة والضخمة، منها بناء خط مترو بين غزة والضفة، والتقى مع الرئيس الراحل أبو عمار، الذي بادره أي أبو عمار بقوله لحسيب الصباغ: إن رجل الأعمال اليهودي روتشيلد، قام بتمويل إقامة دولة إسرائيل بالسنوات الأولى بكل ما يلزمها بالتعاون مع بن غوريون.

فقال حسيب الصباغ للرئيس الراحل أبو عمار، عندما يصبح لدينا بن غوريون فلسطيني، سيكون لدينا روتشيلد فلسطيني، وسيمول إقامة الدولة الفلسطينية، وبالحقيقة فإنه بعد أشهر من الحديث اندلعت انتفاضة الأقصى في عام 2000 وأحبطت كل مشاريع حسيب الصباغ.

وأذكر أن إحصائيات قامت بها السلطة الفلسطينية قبل نحو15 عاماً عن رأس المال الفلسطيني وأنه يوجد حوالي 200 مليار دولار، وحاولت السلطة الفلسطينية بشتي الوسائل جلب الاستثمارات الفلسطينية المهاجرة إلى أراضي السلطة، بالإضافة إلى حث مؤسسات المجتمع المدني على تعامل مالي أفضل مما هو الآن باعتبار الأموال التي تدفعها الدول المانحة للمؤسسات غير الحكومية هي ضمن الحسبة، أي أن تقرر الدول المانحة مبلغاً للمساعدة للسلطة، منها مئة مليون دولار للمؤسسات غير الحكومية، أي المبالغ التي تخصمها الدول المانحة من أموال السلطة الفلسطينية.

ودارت معركة مالية بين السلطة الفلسطينية ورجال الأعمال والمؤسسات غير الحكومية على هذا الموضوع، وتحجج بعض رجال الأعمال الفلسطينيين بعدم إقدامهم على الاستثمار بأراضي السلطة بعدة أسباب منها: اتهام السلطة بالفساد، ومنها عدم الاستقرار والنزاعات المتواصلة بين إسرائيل والسلطة، وهي أسباب وذرائع غير صحيحة.

وبالعودة للمراحل الأولي لإقامة دولة إسرائيل نجد أن إسرائيل كان لديها مشاكل كثيرة، وغير منزهة عن الفساد، من عهد بن غوريون حتى الآن، ونجد اتهامات وإدانات لكبار المسؤولين الإسرائيليين، ولا نجد أي تراجع من رجال الأعمال عن بناء إسرائيل. 

وأذكر أن بيرس اجتمع بالجالية اليهودية بأمريكا، وقال لهم: إسرائيل بحاجة إلى 200 مليون دولار، وخلال ساعات أُمن هذا المبلغ عن طريق بيرس، بينما بعض رجال الأعمال الفلسطينيين، عندما تكون السلطة محتاجة لأموال يختبئون ويختفون ويكتفون بالخطب العصماء. 

فمثلاً بإعادة نظر وتقييم من قبل السلطة، وحث رجال الأعمال الفلسطينيين بالداخل والخارج بتقديم مساعدات مالية للسلطة والقدس وقطاع غزة، وهذا لا يعفي الدول العربية والإسلامية من تقديم المساعدات المالية التي تحتاجها السلطة والقدس، بل يجب على الجميع الالتزام بدفع هذه الأموال والخروج من دائرة الشعارات، كما فعل بعض رجال الأعمال، فيد واحدة لا تصفق، والسلطة عليها أعباء كثيرة وحكومة الحمد الله عليها أعباء كبيرة أيضاً وبحاجة إلى إسناد من الجميع، سواء من الدول العربية أو الإسلامية أو رجال الأعمال الفلسطينيين. 

وحتي على صعيد الاستثمارات، نجد أن الاستثمارات التي تستثمرها السلطة من أكثر الاستثمارات نجاحاً بالعالم، ولم يحدث أي خلل منذ عشرين عاماً في هذه المسالة، وأموال المستثمرين، ضمنتها السلطة من خلال البنوك العاملة بأراضي السلطة، وسلطة النقد الفلسطينية. 

ولا نريد أن نتحدث عن البذخ الذي يعيشه بعض رجال الأعمال الفلسطينيين، ومصادر ثرواتهم، في حين أن البعض الآخر من رجال الأعمال يُعتبر من العصاميين، ويقومون بمساهمات في مشاريع استثمارية للسلطة، وعندما توجه السلطة نداء لهم كي يتبرعوا كحالة إنسانية، يتبرعون بسخاء مثل أبناء شعبنا بسوريا أو في قطاع غزة، عندما تندلع الحروب عادة، وهذا ما نتمناه أن يتواصل دائماً.

وهناك تجربة رائدة قامت بها مصر بالتوجه لرجال أعمال لقيام بمشاريع كبيرة وضخمة جداً مثل تحيا مصر وإزالة العشوائيات.

أما التجربة السعودية فتقول: إن أهل مكة أدرى بشعابها، واختارت طريقاً مختلفاً لإجراء الإصلاحات المالية عبر رجال الأعمال والأمراء، الذين يستحوذون على نسبة كبيرة من الاقتصاد السعودي. 


ونأمل أن يتحرك رجال الأعمال الفلسطينيون بمزيد من الدعم والاستثمار بمناطق السلطة وعلى الطريقة الفلسطينية.

وعودة إلى موضوع بن غوريون الفلسطيني فإنه يوجد أكثر من بن غوريون فلسطيني، وفي طريقهم لإقامة الدولة الفلسطينية، فقد كان أبو عمار، وها هو الرئيس أبو مازن قادر على حماية تطلعات الشعب الفلسطيني من كل النواحي، ولا يوجد مبرر لدي رأس المال الفلسطيني، سواء بالداخل أو بالخارج كي يتخلف عن معركة إقامة الدولة الفلسطينية اقتصادياً، والمسألة مسألة وقت، حتى تقام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.

التعليقات