إبراهيم والنضال السلمي

إبراهيم والنضال السلمي
نبض الحياة 

إبراهيم والنضال السلمي

عمر حلمي الغول 

إرتقى يوم الجمعة الماضي أربعة شهداء من القدس والخليل وغزة، ولكل شهيد قصته مع الوطن والدفاع عنه، لكن إستوقفتني مقابلة مع الشهيد إبراهيم ابو ثريا (29 عاما) من معسكر الشاطىء/غزة أجراها معه تلفزيون فلسطين صباح ذات يوم إستشهاده، لذا ساتوقف امام نموذج ابو ثريا ودلالات تجربته وما صرح به لإكثر من إعتبار، منها: أولا لإنه من ذوي الحاجات الخاصة، فأطرافه السفلية مبتورة، ويسير على كرسي متحرك؛ ثانيا رغم بتر قدميه نتيجة القصف الإسرائيلي الإجرامي في عام 2008، إلآ انه مازال مؤمنا بعدالة قضيته الوطنية، وبضرورة مواصلة الكفاح السلمي لرفع رايتها؛ ثالثا أكد في اللقاء الأخير مع فضائية فلسطين على اهمية الكفاح الشعبي، وقال بالحرف إن "إسرائيل تخاف من الحجر". وهي الرسالة الأبلغ للشهيد البطل، الذي تم قتله من قبل جنود جيش الموت الإسرائيلي بشكل متعمد، وهو القعيد بنصف جسد دون اي وازع او ذريعة لعملية القتل الجبانة. ولم يكن يحمل في يديه سوى العلم الفلسطيني ليؤكد حق شعبه في الحياة الحرة والكريمة، وكأن ضباط وجنود الجيش الإسرائيلي أرادوا القول للفلسطينيين وللعالم "نحن لا نأبه بالمعايير والحقوق الإنسانية. ولا يعنينا إن كان الفلسطيني من ذوي الحاجات الخاصة ام لا، ما يعنينا هو قتل واستباحة دم الفلسطيني كفلسطيني؟!" وهو ما يتطلب من كل الدول والمنظمات الحقوقية، وليس فقط الفلسطينيين ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين، لإن إغتيال ابو ثريا حامل العلم الفلسطيني تعتبر جريمة حرب يندى لها جبين اميركا وإسرائيل وكل من لف لفهم. 

لكن الشهيد إبراهيم ارسل لشعبه والعالم رسائل أخرى، حيث أكد لبني الإنسان في بقاع الأرض على تمسك الشعب الفلسطيني بحقوقه الوطنية، وإستعداده للشهادة دفاعا عن عاصمته الأبدية القدس الشرقية، ورفضه المساومة او التنازل عن زهرة المدائن. وعمد ابو ثريا بدمه الطاهر خيار المقاومة السلمية، وهو ما أكد عليه أثناء مقابلته مع فضائية فلسطين صباح الجمعة أول أمس، عندما قال إن "إسرائيل تخشى الحجر." وهي مقولة علمية صحيحة ومؤكدة. ورفض الشهيد المبتور الساقين التساوق مع الخطاب الشعبوي الغوغائي، ولم ينادي بإطلاق الصواريخ والقذائف، لإنه أدرك بتجربته الشخصية، ان الكفاح الشعبي السلمي المتسلح بالحجر وبعدالة القضية، أنه السلاح الأمضى في فضح وتعرية إسرائيل. لا سيما وان تكلفة الإستعمار الإسرائيلي تتضاعف أمام الرأي العام العالمي كلما كان الكفاح بالسواعد العارية وبالحجر، فضلا عن أنه بقطع الطريق على جيش الموت الإسرائيلي من إرتكاب جرائم حرب جديدة ضد ابناء الشعب الفلسطيني. 

كما أن مطلقي الصواريخ تسببوا في الأذى الفادح لعائلات بيت حانون، لاسيما وان قذائفهم هوت على رؤوس المواطنين الفلسطينيين. وأدت لخسائر بشرية ومادية، وألحقت الضرر بالروح المعنوية في اوساط الجماهير، الذين سقطت عليهم تلك القذائف البائسة. ولا يجوز لبعض الأذرع العسكرية بذريعة مواجهة إسرائيل الإستعمارية ان تجر الساحة الفلسطينية والشعب لمربع الحسابات الفئوية الضيقة او الأجندات الإقليمية. خاصة وان التاريخ والتجربة الفلسطينية ذاتها أكدت بما لا يدع مجالا للشك الفرق بين الكفاح الشعبي السلمي، كما حصل في الإنتفاضة الكبرى 1987/1993 وبين عسكرة إنتفاضة الأقصى 2000/2005، ففي الأولى حصد الشعب نتائج سياسية عالية خدمت الكفاح الوطني التحرري، في حين الثانية أوقعت خسائر فادحة في صفوف الشعب، وتركت إنعكاسات سلبية فادحة على النضال الفلسطيني، الأمر الذي يحتم على كل المخلصين من ابناء الشعب ومن مختلف الفصائل والقوى والنخب الضغط للحؤول دون توريط الشعب بمغامرة جديدة تدفع لها إسرائيل لتوقع في صفوف ابناء الشعب الخسائر في الأرواح والبنى التحتية في محافظات الجنوب، فضلا عن الحصاد السياسي، الذي يمكن ان يغطي على جرائمها وإنتهاكاتها الإستعمارية. بالتالي على القيادة الشرعية بالتعاون مع كل الفصائل وضع خطة وطنية شاملة تحدد الوسائل والأليات لمواجهة الإحتلال الإسرائيلي، وتضع الإمكانيات الكفيلة بتصعيد الكفاح الشعبي للدفاع عن الحقوق والثوابت الوطنية، وبذلك تكون رسالة الشهيد إبراهيم ابو ثريا وصلت، وعممت، وهي رسالة عميقة الدلالة السياسية.

[email protected]

[email protected] 

التعليقات