القدس ... بعيداً عن الشعارات

القدس ... بعيداً عن الشعارات
بقلم: سالي عابد

سنبدأ من حيث انتهى مشهد إعلان القرن ، وعد ترامب الجديد " القدس عاصمة لإسرائيل " ، ترافق مع  هذا القرار عدة خطابات  على المستوى الرسمي  والفصائلي والشعبي ،هناك من اتسم بحكمته المعتادة واللجوء إلى حديث العقل والتعقل في الخطوات المطلوبة ، وهناك من تشدق كعادته بتهديده وتصعيده واستنفاره وإعلان النفير العام الذي ظل يراوح المكان أمام كلماتهم ، وهناك من تجاوز كل قياداته ، شباب لم يعرف ماذا يفعل ؟ فأخذتهم الأقدام إلى الاشتباك الغير متكافئ مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهناك من أعلن هبته وبدأ معركته على واقع افتراضي  بصناعة أمريكية لاحتواء ردات الفعل العربي " الفيس بوك".

المشهد الرسمي بدا واضحا وجليا، فهو لم يفارق أجندة العمل الدبلوماسي، ومراوغة الاحتلال والمناورة بين أروقة المجتمع الدولي ، ربما الجلسة الطارئة لمجلس الأمن، كشفت نجاعة طريق الدبلوماسية الفلسطينية،  اصطفاف العالم على قرار واحد بالرفض المطلق للقرار الأمريكي ، واعتباره خطوة أحادية الجانب، ولها تداعياتها الخطيرة على المنطقة، وأي قرار سيؤخذ يجب أن يكون من خلال الاتفاق والمفاوضات على الحل النهائي، هنا كان أيضا قلقا ملحوظا من قبل بعض الدول لما ستؤول إليه الاحتجاجات الشعبية السلمية ؟ 

الأدوات السياسية هنا تتماشى مع المنظومة الدولية ، وتدرك أي تصريح أو فعل يتجاوز حدود سقفها، قد يؤدي إلى تراجع موقفها الداعم للقضية الفلسطينية، إلا أن المستوى الرسمي ذهب إلى ابعد نقطة في عالم السياسة، مطالباً بتهديد المصالح الأمريكية الإسرائيلية، من كل داعمي عدالة القضية الفلسطينية ،للتأثير على أمريكا بالرجوع عن قرارها، وعلى إسرائيل بتطبيق القرارات الصادرة عن منظومة المجتمع الدولي، المستوى الرسمي يمارس قناعته ومدى قدرته على تنفيذ ما يقول فلا يوعد بما لا يستطيع ، مع انه لازال لديه أوراق قد تقلب الطاولة على الجميع، تبدأ من حل نفسه من أي اتفاق وتنتهي بمحاسبة من اخترق هذا الاتفاق.

فصائل الكلمة الشهيرة أطلقوا يد المقاومة !! ما الذي يمنعكم الآن ، ما هو الحدث الأكبر من القدس ، مؤتمرات تعقد واجتماعات ترصد وبيانات تقرأ ، ودعوات عبر مكبرات الصوت ، وانتقادات للخطاب السياسي ، ومطالبات من بعض ساكني البرج العاجي " لا ترجع للمقاطعة قبل الرجوع الأمريكي عن القرار " ، ما هي خططكم  لإنقاذ ما نحن مقبلون عليه؟ تطالبون بخروج الجماهير والاشتباك مع نقاط التماس مع الاحتلال الإسرائيلي ، أليس هذا ما دعا إليه المستوى الرسمي ، مظاهرات واحتجاجات شعبية و سلمية؟ سؤال على هامش الوطن لمن تعدون العدة ؟ ولماذا تحرصون على اقتناء الأسلحة؟ ولماذا انتفضتم عندما طالب المستوى الرسمي بان يكون سلاح واحد لحكومة واحدة ونظام سياسي واحد؟.

الشباب الذين يتظاهرون وينددون ويذهبون بكامل إرادتهم عند حدود التماس مع إسرائيل، ويصرخون بحجارتهم الصغيرة ، هذه ارضي وهذه قدسي ، أين قيادتهم عنهم لماذا لا يترجلون معهم ؟ أم أنهم يستكفون بظهورهم ودعمهم فقط عند انطلاقة أحزابهم ، تراجع الشارع الفلسطيني بحجم هباته يحتاج إلى مراجعة ، فلا يعقل أن تكون المسيرات الاحتجاجية في بعض الدول وحجم مشاركة المواطنين أعلى بكثير مما نحن عليه ، ولا يعقل  أن تتم تبرئة الضمير بالتعبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والاستكفاء بوضع بعض الصور ورموز الغضب، ولا يعقل أن نسمع الانتقادات أكثر من المشاركات ،وكأن الجميع وقع في بئر المحلل السياسي، قد يكون الحال الداخلي هو من ألقى بظلاله على واقع المواطن الفلسطيني.

العالم اليوم يقرر مصير شعب بأكمله ، ويحدد معالم قضيته ، وربما غدا سنجد جدارا عظيما يفصلنا عن مدينة مقدسة وقرية نبتت فيها جذور أجدادنا ، ونحن لازلنا نفكر كيف نجتاز مصالحة داخلية؟.

رحم الله الدكتور عبد الرحمن عباد الأمين العام لهيئة العلماء المسلمين في فلسطين، عندما كنت أساله عن حالنا وحال العرب مما يحدث في القدس ، فكانت إجابته دائما لي " فلنحضر إجاباتنا أمام الله عندما يسألنا ماذا فعلتم للقدس ".

[email protected]

التعليقات