عصر القوة

عصر القوة
بقلم عبد الله عيسى
رئيس التحرير 
لم أر في الخطوة الرعناء التي أقدم عليها الرئيس الأمريكي ترامب إلا ضعفاً ما بعده ضعف، فلم تُعبر الخطوة التي أقدم عليها إلا عن قلة حيلته وضعفه وهروبه من القضية الفلسطينية، وهي القضية الأم، وبدلاً من استغلال نفوذ أمريكا لفرض حل عادل بين الإسرائيليين والفلسطينيين، نراه أراح نفسه من حل يريح جميع الأطراف .

ونعود بالذاكرة إلى عشرات السنين من الصراع العربي الفلسطيني، وكيف أدار القادة العظماء القضية الفلسطينية، ويروي حسن الشافعي نائب الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر والرئيس الراحل أنور السادات أن القيادة السوفييتية طلبت من عبد الناصر إرسال وفد عسكري رفيع المستوي بأسرع وقت ممكن للتباحث مع القادة العسكريين السوفييت فسافر الوفد فوراً (والرواية لحسن الشافعي) وفوجئ السوفييت بطائرة عسكرية مصرية تهبط بالمطار، وتشرع أمام عيون قادة السوفييت الذي ينتظر الوفد المصري بفارغ الصبر، واذ بالوفد المصري يحمل مجموعة من كراتين المأكولات الشعبية وبطارخ وما إلى ذلك، وقال قادة السوفييت (هل هذا وقته) في حين طلب طاقم السفارة منهم جلب هذه المأكولات، وكانت المنطقة تشتعل، وكانت على كف عفريت حيث كان عبد الناصر مشغولاً بالحرب، والقادة مشغولون بالبطارخ. 

ويروي الكاتب محمد حسين هيكل روايات عن حرب 67 حيث كان الجنرال ديغول يتوقع أن الجيوش العربية ستهزم الجيش الإسرائيلي، وكان هيكل قد سافر إلى باريس وقابل ديغول، ويقول إنه جلس معه بقصر الإليزيه فوجدته صامتاً وأدار ظهره لي، ولم يتحدث معي وبعد دقائق في حديث السياسة العامة للمنطقة قال لي ديغول وهو مدير ظهره: (ماذا بعد أن هزمتم في الحرب وانتهت الحرب، قال أنا من جانبي منعت تزويد إسرائيل بأي سلاح، وقد أوقفت تزويد إسرائيل بطائرات ميراج الحربية، وماذا أفعل لكم أكثر من هذا أيها العرب) فسكت هيكل، وهو يشعر بالصدمة من كلام ديغول وإسرائيل من جانبها قامت قيامتها على ديغول لقراره، وقامت بدراسة بدائل فاكتشف الموساد الإسرائيلي أنها مختفة بجبال الالب، وأنها مخفية ومحمية ببوابات ضخمة قادرة على أن تصد هجوماً نووياً، ففكرت إسرائيل بسرقتها، ونقلها إلى إسرائيل، ولكن مع محاولات فشلت قررت صناعة طائرات ميراج ببلدها، وقامت إسرائيل بسرقة نفايات، وقد حصلت من خلال النفايات على مخططات وقامت بصناعة طائرات كفير، ولكن بعد سنوات قليلة وصلت طائرات امريكية إف 5 وأخواتها، واستغنت عن طائرة كفير، وهي طائرة الميراج الفرنسة، وقامت ببيعها الي دولة أفريقية ولم تتدخل بالحروب.

يروي الكاتب محمد حسين هيكل قصة ذات مغزي بأن السادات عندما قرر أن يقود حرب أكتوبر أرسل مبعوثاً لوزير الخارجية كسنجر في حينها وسأله سؤال واحد ما هو موقف أمريكيا لو أن مصر خاضت حرباً مصر ضد اسرائيل، وكان رد الوزير الأمريكي كسنجر كالتالي ( تستطيعون ان تقودوا حرباً كما تشاؤون، ولكن إذ خضتم هذه الحرب ضد إسرائيل أن تنتصروا وإلا لن يتحدث أحد مع إسرائيل بأي سلام بعد ذلك إن هزمتم مرة أخرى).

ولكن جيهان السادات أنكرت هذه الرواية ولم يحدث أي اتصال قبل الحرب بين السادات وأمريكا قبل حرب أكتوبر، ومما يعزز رواية هيكل وهو مقرب جداً من صناع القرار بمصر بعد اندلاع حرب أكتوبر فوراً أرسلت رئيسة وزراء إسرائيل غولدا مائير رسائل لأمريكا تطلب النجدة، وبقيت امريكيا تتجاهل طلبات غولدا مائير أربعة أيام، وفي اليوم الرابع طلب كسنجر ذاته السفير الإسرائيلي بواشنطن (وصلتنا رسائل النجدة التي طلبت رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير وقررت أمريكا تزويد إسرائيل بجسور جوية وبحرية وبأحدث الأسلحة التي تحتاجونها، ولكن أن ما يحصل الآن بجهد أمريكي وبعدها خرج السادات بأنه قَبِل وقف إطلاق النار لأنه أصبح بمواجهة أمريكا وليس إسرائيل، وأن الطائرات التي تأتيهم كانت تصل الجبهة لم تقم بالتليين الميكانيكي (أي كانت جديدة غير مستخدمة) ويروي ضابط إسرائيلي من أصل روسي مذاكرته عن حرب أكتوبر لقناة روسيا اليوم فيقول: إن الجيوش العربية كانت تتفوق على إسرائيل، وليس العكس كما يتردد ويقول نتنياهو إن التفوق في العتاد الحربي العربي إلى تفوق نوعي .

وعند زيارة الرئيس الأمريكي لغزة عام 1997 ألقى الرئيس الراحل أبو عمار كلمة بالمجلس التشريعي بحضور الرئيس الأمريكي، وذكره بحلم الإصلاح الأمريكي الأسود مارتن لوثر كينج، الذي ردد خطاباً عظيما بالستينات، بأن لديه حلم بتحقيق العدالة والمساواة بين البيض والسود، وقد كرر أبو عمار هذه المقولة عدة مرات، وكذلك أحمد قريع رئيس المجلس التشريعي آنذاك، أيضاً قام بتكرار هذه الكلمة بأن لدينا حلم، وهي إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس أسوة بمارتن لوثر كينج الذي يحمل بالمساواة بين البيض والسود بأمريكا، ولكن نتنياهو تطاول على كلينتون عدة مرات، وهدد كلينتون سأحرق البيت الأبيض من الداخل، وفي قمة واي ريفر بأمريكا تكلم نتنياهو مع الرئيس الأمريكي بيل كلينتون بأسلوب وقح، وكان يقف رئيس المخابرات الامريكية جورج تنيد فانتفض بوجه نتنياهو، وكاد أن يخرم بأصبعه عين نتنياهو، وقال: أنت تتحدث مع أكبر زعيم دولة في العالم، فرد نتنياهو وقال: أنا رئيس دولة إسرائيل، ومن ذلك الوقت قرروا التخلص من نتنياهو، وقاموا بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية ودول عربية وأحزاب إسرائيلية والكنيست والعمل على إسقاط نتنياهو، ولياتِ من يأتي فأسقطه، وكان قد ترشح مؤقتاً عزمي بشارة ثم انسحب على وقع هذه الخطة .

واثناء الانتفاضة الثانية، جاء الرئيس الفرنسي جاك شيراك لأبو عمار وقال له أن تعتبرني متل الطبيب متي تريدني تجدني، وأشاد أبو عمار كثيراً بالرئيس وقال له الدكتور جاك شاراك بناء على كلام الرئيس الفرنسي. 

وخلال انتفاضة الأقصى قام التليفزيون الفرنسي بتصوير مشهد استشهاد الطفل الفلسطيني محمد الدرة، فأصدر تعليماته للتلفزيون الفرنسي ببث ونشر صور فوتوغرافية وتليفزيونية للطفل الشهيد محمد الدرة على كافة وسائل العالم كله مجاناً دعماً للقضية الفلسطينية، حتي إن الكاتب الإسرائيلي روني شكيد قال تعليقاً عليه (لا أعرف من قتل محمد الدرة، ولكن الذي أعرفه أن محمد الدرة قتل إسرائيل بكل أنحاء العالم) وبناء على الخطوة التي قام بها جاك شاراك ساند زعماء العالم مثل وزيرة الخارجية الأمريكية أولبرايت، ومعظم قادة العالم الشهيد محمد الدرة وقضية الفلسطينية. 

وعندما قام جاك شيراك بزيارة القنصلية الفرنسية، فأتوا بفلسطينية لتحييه فقام الاحتلال الإسرائيلي بمهاجمتهم، وقام جاك شيراك بمسك ياقة جندي إسرائيلي وقال له (أنت تقف على أرض فرنسية) وأنا أسمح لهؤلاء الناس بدخول القنصلية، وبعد أن اكتملت فضيحة الجيش الإسرائيلي بقتل محمد الدرة، قام باراك بزيارة لفرنسا، وقام شيراك بإعطاء تعليمات لبرتوكول قصر الإليزيه بألا يقدموا لباراك أي نوع من الضيافة حتي كاس ماء، ووضعوا مع الأوراق قلم رصاص وليس قلم حبر له، أي أن يتراجع عن توقيع وتعهداته فعاد باراك إلى إسرائيل غاضباً جداً بعد الإهانة التي لاقاها. 


وفي المرة الثانية، عندما أتى نتنياهو لباريس، وجلس مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك تحدث معه لمدة 10 دقائق فقط بالإليزيه، وتحدث نتنياهو مع شيراك عن أمن إسرائيل فنهض جاك شيراك معلناً نهاية الاجتماع، وأن الأسطوانة قد سمعها ومل منها كثيراً ويبدو أنها لا تتغير، والكلام يتكرر ذاته حول أمن إسرائيل وانصرف نتنياهو غاضباً بعد أن طرده جاك شيراك، ورغم ذلك لم ييأس رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، وعاد وتوجه بزيارة إلى الصين وخلال الاجتماع بالقادة الصينين قال للقادة الصينيين بأن الضفة الغربية مثل سور الصين الذي يحمي إسرائيل من الأعداء، فقال له القادة الصينيون إنك تخلط الأمور، فإن سور الصين العظيم، أصبح من التراث، ولم يعد يحمي، وأنه أصبح للسياحة، وإنما الذي يحمي إسرائيل هو السلام وإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس، وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي.

التعليقات