قرن على ثورة إكتوبر

قرن على ثورة إكتوبر
نبض الحياة 

قرن على ثورة إكتوبر

عمر حلمي الغول 

مضى قرن من الزمن على ثورة البلاشفة الروسية في السابع من نوفمبر الماضي، الثورة التي وضعت مداميك الإشتراكية على خارطة العالم، وهزت أركان الرأسمالية العالمية، وفتحت الأفق لولادة نظام عالمي جديد. تلك الثورة التي قادها فلاديمير إيلتش لينين على أنقاض القيصرية الروسية المتفسخة كرست قيم ومفاهيم وقوانين ودستور مغاير تماما لنظام الرأسمالية الأمبريالية، وسمحت لطبقات وفئات إجتماعية بالصعود إلى سدة الحكم، هما العمال والفلاحين وحلفائهم من الشرائح الإجتماعية الأخرى. وقادت المجتمع الروسي أو السوفييتي على مدار سبعة عقود نحو آفاق رحبة من التطور الهائل، ووضعت الإتحاد السوفييتي ومنظومته الإشتراكية كقطب سياسي مقرر في السياسة الدولية، ولجمت إلى حد بعيد نزعات الراسمالية الإستعمارية، وغيرت المعادلات السياسية في العالم. 

وبعيدا عن الأخطاء الذاتية التي رافقت التجربة الإشتراكية الدولانية، التي ساهمت مع عوامل موضوعية بإنهيار الإتحاد السوفييتي ومنظومته الإشتراكية على حد سواء، حققت تلك التجربة كما هائلا من الإنجازات لشعوب الدول الإشتراكية والعالم على حد سواء، ستبقى ميراثا للبشرية في المستقبل، منها: أولا أكدت أن طريق الرأسمالية لا يمكن أن يؤمن الأمن والإستقرار والتطور الإيجابي والسلم العالمي لدول وشعوب العالم، لإنها قامت على مبدأ إستغلال الإنسان للإنسان، وإعادة إنتاج قهر الشعوب الضعيفة، وإستعمارها وتقاسم النفوذ فيما بين أقطابها وفق موازين القوى في كل مرحلة تاريخية؛ ثانيا حققت العدالة الإجتماعية لشعوبها، وأمنت الرخاء والتطور في بلدانها، وألغت البطالة، وأزالت الأمية، وفتحت ابواب التعليم المجاني في كل المستويات  مما ضاعف من النهضة العلمية والثقافية والفنية في البلاد، وأنشأت المصانع في كل مجالات الصناعة بما في ذلك صناعة الفضاء؛ ثالثا أول من صعد للقمر كان غاغارين الروسي نتاج الطفرة العلمية الهائلة؛ رابعا تمكن الجيش السوفييتي العظيم من تحطيم القوات الهتلرية، وكان له الفضل الأساسي تحت قيادة ستالين بإنتصار الحلفاء على المانيا الهتلرية النازية في الحرب العالمية الثانية 1939/1945، ووصلت طلائع الجيش السوفييتي برلين العاصمة الألمانية؛ خامسا فضح لينين مباشرة بعد توليه السلطة في روسيا السوفيتية إتفاقية سايكس بيكو البريطانية الفرنسية التي قمست شعوب الأمة العربية إلى دول، وأرست لاحقا إقامة دولة إسرائيل الإستعمارية على أنقاض نكبة الشعب العربي الفلسطيني في 1948؛ سادسا وقف الإتحاد السوفييتي إلى جانب الدول المستَّعمرة، ودعم كفاحها التحرري ضد الدول الرأسمالية مما ساهم في إنعتاق وتحرر شعوب أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية؛ سابعا أسهم الإتحاد السوفييتي بتكريس نظام القطبين العالمي، الذي حرم الرأسمالية من التقرير في شؤون العالم، وجردها من منطق تقاسم النفوذ في دول الجنوب، وساهم في تطوير مبادىء وقوانين ومواثيق الأمم المتحدة لصالح الشعوب الفقيرة، وعمق مبادىء حقوق الإنسان؛ ثامنا وقف الإتحاد السوفييتي إلى جانب حقوق ومصالح الشعب العربي الفلسطيني، ووقف إلى جانب النظام الناصري في بناء السد العالي، ودعم الشعوب والدول العربية الوطنية في معاركها ضد التغول الرأسمالي الإستعماري. 

وهناك الكثير مما يمكن ان يكتب عن ثورة البلاشفة، لكن المجال هنا لا يتسع لعرض كل الإنجازات العظيمة. وما تشهده روسيا الإتحادية اليوم من تطور بعد تولي فلاديمير بوتين القيادة يعود الفضل فيه لما أرسته ثورة إكتوبر من تطور إقتصادي وصناعي وعلمي وثقافي، حيث إستطاع مع فريقه الحاكم من إستعادة نهضة ومكانة روسيا على الخارطة السياسية الدولية، بعد أن حاولت الولايات المتحدة والغرب الأوروبي العبث بمستقبلها من خلال أدواتهم وعملائهم الروس والدول التي فكت رباطها مع الإتحاد السوفييتي السابق بعد حكم الثلاثي  غورباتشوف ويلتسين وشيفارنادزة. وبالتالي تمكن الرئيس الروسي من إخراج روسيا من دائرة الوهن والضعف، والإنتصار للروح الروسية الخلاقة من خلال تجديد النهضة العلمية والإقتصادية والصناعية بما في ذلك الصناعات العسكرية، وأعاد الإعتبار لدورها الريادي على المستويين القومي والعالمي، وصد كل الحملات الغربية لتهشيم وتمزيق روسيا، ليس هذا بل وباتت روسيا الإتحادية دولة مقررة في مستقبل السياسات العالمية، وقطبا يحسب لها الف حساب، وعلى القطب الروسي مسؤولية خاصة تجاه قضية فلسطين تتمثل في لعب دور أساسي لإزالة الإحتلال الإسرائيلي ونمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره وفرض سيادته على ارض الدولة الفلسطينية.  

في ذكرى مرور قرن على ثورة إكتوبر الروسية، لا يمكن للمرء إلآ ان يسجل التقدير والثناء لقادتها المبدعين على مدار العقود الماضية، والتأكيد على ان ميراثها الفكري السياسي والإجتماعي والإقتصادي والصناعي والعلمي الثقافي سيبقى خالدا ما بقيت البشرية. 

[email protected]

[email protected]     

التعليقات