إلى القاهرة ..

إلى القاهرة ..
إلى القاهرة ..
 خالد صادق*
رئيس تحرير صحيفة الاستقلال

وفود الفصائل الفلسطينية تشد الرحال إلى القاهرة بناء على دعوة مشكورة وجهتها القيادة المصرية لتلك الفصائل, المشهد كله بروتوكولي احتفالي بحت, يحتاج لعدسات الكاميرا, وحوارات الفضائيات, وكثير من التحليل والتمحيص والتدقيق, فالغرض الأساسي من بروز هذا المشهد, رفع معنويات الفلسطينيين الذين انتظروا المصالحة طويلا ولم يشهدوا أي تغير حقيقي على الأرض يحسًن من ظروف حياتهم المعيشية, واستمرت الأزمات الحياتية بما فيها أزمة انقطاع الكهرباء, وإبقاء حلقات النقاش والحوار والتواصل مستمرة بين طرفي الانقسام لحل القضايا العالقة, وأخيرا إشراك الفصائل الفلسطينية التي شعرت بعد الرضا والامتعاض من استثنائها من جلسات الحوار الثنائية بين فتح وحماس, وإشراكها في حل المشكلات, خاصة ان حماس لا تريد ان تتحمل وحدها امتناع السلطة عن رفع العقوبات عن غزة, والحديث عن تسليم سلاح المقاومة, وجريمة التنسيق الأمني, وموضوع الموظفين, فطالبت بإشراك الفصائل لكي تكون شريكة في الأزمة أو الحل, وبالتالي تتحمل مسؤولياتها تجاه ما يمكن ان يحدث في حال فشل المصالحة الفلسطينية لا قدر الله.
والحقيقة التي لا شك فيها أن الذي دفع الراعي المصري لدعوة الفصائل للقاهرة, هي العثرات التي بدأت تواجه المصالحة الفلسطينية, بعد ان خرجت السلطة عن بنود الاتفاق, و»طردت» موظفي حماس من المعابر, وأعادتنا لتفاهمات 2005م التي تعيد الأوروبيين للإشراف على معبر رفح الحدودي, وأزالت نقاط المراقبة القريبة من المناطق الحدودية,
وتعثرت الحلول الخاصة بموظفي حماس والتي تم التفاهم حولها مسبقا, وعلت النبرة من مسئولي السلطة مطالبة بسلطة شرعية واحدة, وسلاح شرعي واحد في غزة, وعدم السماح للمقاومة الفلسطينية بالاحتفاظ بسلاحها, كما تغافلت السلطة عمدا عن طرح إعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية على أسس جديدة, وتراجع الحديث عن الانتخابات الرئاسية والتشريعية, وغاب الحديث عن دعوة الإطار القيادي الموحد للانعقاد في الخارج للخروج بتوصيات لترتيب البيت الداخلي الفلسطيني على أسس وطنية يتوافق حولها الجميع, فكان لا بد للقاهرة ان تتدخل وتحاول إيجاد حلول لهذه المعضلات التي تعترض المصالحة الفلسطينية, وتهدد بفشلها والعودة للمربع الأول .
ما يجب ان تدركه السلطة الفلسطينية جيدا ان المصالحة الفلسطينية هي الطريق الوحيد أمامها للتخلص من الضغوطات الأمريكية والصهيونية التي تمارس عليها بشكل فج ووقح وغير مسبوق, فإسرائيل تضع العقبات أمام المصالحة من خلال التصعيد في غزة واستهداف المجاهدين, والإدارة الأمريكية تشرع القوانين التي تخنق السلطة وترهن قراراتها, فقد أقرت لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس الأمريكي بالإجماع تشريعاً لتخفيض تمويل السلطة الفلسطينية ما لم تتوقف عن دفع رواتب لأسر الشهداء والأسرى. وأقرت تشريعاً آخر يعرف باسم قانون «منع الدروع البشرية لحماس والجهاد الإسلامي يفرض عقوبات على الحكومات والكيانات والأفراد الأجانب التي تقدم الدعم المالي والمادي لهما, وهذا يدل بشكل واضح على توافق وتنسيق أمريكي إسرائيلي, لإخضاع السلطة للمخطط الصهيوني بشأن الحل النهائي للقضية الفلسطينية, واستخدام كل الوسائل الممكنة من اجل قبول السلطة بالحل مهما كان مجحفا, كما تعاون الطرفان في تضييق الخناق على المقاومة الفلسطينية من خلال تهديد الدول الداعمة للمقاومة, وفرض عقوبات عليها وتجفيف كل منابع التمويل للمقاومة الفلسطينية, حتى تستطيع «إسرائيل» فرض حلولها بالقوة, وتستطيع القيادة الأمريكية تمرير مخطط صفقة القرن التي تجعل من «إسرائيل» الدولة السيادية القوية الوحيدة في المنطقة, والتي تتفوق عسكريا على كل دول الشرق الأوسط, وتهيمن على خيرات ومقدرات الأمة العربية والإسلامية.
ان الخلاص الوحيد للسلطة الفلسطينية كي تخرج من هذا الشرك ان تمضي بالمصالحة الفلسطينية, فهى لن تتصالح مع حماس فقط, إنما تتصالح مع شعبها الذي يرفض التفريط بأي حق من حقوقه, فهو قدم كل هذه التضحيات, ويمكنه ان يقدم أكثر منها, لأجل انتزاع حقوقه من هذا الكيان المجرم, اذهبوا للقاهرة بعقول مفتوحة, ونوايا سليمة, وإرادة حقيقية, لا تجعلوها مجرد مصالحة بروتوكولية ومظهرا احتفاليا فقط, فشعبكم يستحق ان تضحوا من اجله, وتبذلوا قصارى جهدكم لتحقيق آماله وطموحاته .. فلا تخذلوه.

التعليقات